يبدو من الصعب تخيل كيف ستكون حياتنا بدون تطبيقات التنقل واسعة الانتشار، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يتذكّرون خدمة ماب كويست لرسم الخرائط (والذين قاموا بطبع الأطالس قبل ذلك). أصبحت خدمات تحديد المواقع والتوجيه حسب الطلب من الخدمات الأساسية للهواتف الذكية حالياً، وتعاني العلامات التجارية التي لا تتضمن هذه الخدمات من النقد اللاذع، وشركة أبل خير مثال على ذلك.
تسمي شركات أبل وجوجل ومايكروسوفت تطبيقاتها الخاصة بالخرائط بأسماء تحتوي على كلمة "مابس" (والتي تعني "خرائط"). لكن يجب أن تسمى هذه التطبيقات بتطبيقات التوجيه لأن التوجيه هو الوظيفة الأساسية لها. إذا احتجت أن تعرف موقعاً ما وكيفية الوصول إليه، ما عليك سوى استخدام أحد هذه التطبيقات الثلاثة. كما أن هناك العديد من التطبيقات الأخرى التي تؤدي نفس الوظيفة أيضاً، حتى إن ميزات البحث في هذه التطبيقات متخصصة في إيجاد موقع ما وتوفير طريقة للوصول إليه. ولكن ماذا عن باقي الأشياء التي يمكن أن تحتاج خريطة لإنجازها؟
اقرأ أيضاً: خرائط جوجل وآبل تتضمن الكثير من الأخطاء، وإليكم كيفية تصحيحها
ربما تكون في نزاع على ترسيم الحدود مع أحد جيرانك أو مع الحكومة المحلية. وربما تريد معرفة مساحة المناطق التي تم قطع الأشجار فيها ضمن غابة قريبة هذا العام، أو تريد عرض سلسلة من الصور الجوية لحديقة منزلك حتى تبين التقدم الذي أحرزته فيها خلال الأشهر القليلة الأخيرة. تتطلب هذه الخدمات وغيرها الكثير أدوات رسم الخرائط التي تؤدي وظائف لا تقتصر على التوجيه.
لنلق نظرة على 3 من أدوات رسم الخرائط المتقدمة. من خدمة لاند سات (LandSat) التابعة لوكالة المسح الجيولوجي الأميركي إلى مؤسسة بلانيت لابز (Planet Labs) التجارية إلى إحدى المنصات التابعة لشركة جوجل. قد تتفاجأ بالميزات التي تقدمها هذه الخدمات وبالوظائف التي تؤديها الخرائط والتي لم تكن تعتقد أنك تحتاجها.
لاند سات لوك 2.0
تقوم وكالة المسح الجيولوجي الأميركي بتشغيل الأقمار الاصطناعية الخاصة بخدمة لاند سات بالتعاون مع وكالة ناسا. هناك 9 أقمار تعمل حالياً، وتم إطلاق آخرها، لاند سات 9، في 27 سبتمبر/أيلول 2021. يتلقّى مركز العلوم ومراقبة موارد الأرض التابع لهذه الوكالة بيانات الأقمار الاصطناعية ويجعلها متوفرة للعامة على شكل عشرات الملايين من صور الأقمار الاصطناعية. يمكنك الاطلاع على هذه الصور على موقع خدمة لاند سات لوك 2.0 على الويب.
تعتبر هذه الخدمة تطويراً كبيراً على النسخة الأقدم، والتي لم توفر العرض العام القابل للتكبير والتصغير المألوف. بدلاً من ذلك، كانت الصور في النسخة الأقدم مقسمة إلى "مناظر"، وهي أجزاء مربعة يتم عرضها واحدة تلو الأخرى. لم تكن هذه النسخة سهلة الاستخدام.
تتضمن النسخة الجديدة الآن وضع إعداد الصور، والذي يمكنك استخدامه للتمرير عبر الصور وتكبيرها وتصغيرها تماماً كما تفعل في تطبيقات الخرائط العادية. يمنحك هذا الوضع وصولاً سهلاً للعديد من أنواع الصور (تدعى "النطاقات")، والتي تم تصميمها لعرض أنواع خاصة من المعلومات.
تتضمن هذه النطاقات الألوان الطبيعية (ما نفكر به على أنه صور الأقمار الاصطناعية) بالإضافة إلى صور الألوان الخاطئة التي تبين توزع الحرارة والمناطق الحضرية ومناطق الغطاء النباتي (كثافة الشجر والنباتات الأخرى في منطقة ما).
يوجد زر التحكم في هذه النطاقات في أقصى يمين القائمة العلوية. انقر على قائمة النطاقات المنسدلة (تُظهر بشكل افتراضي الإعدادات المسبقة ونطاق اللون الطبيعي) لاختيار نطاق آخر.
يمكنك عرض مناظر لاند سات من خلال التبديل بين إعداد الصور والمناظر في الزاوية العليا اليسرى في عارض الويب. تظهر المناظر على الخريطة القابلة للتمرير كمربعات متداخلة.
إحدى ميزات خدمة لاند سات الرائعة هي الأرشيف الواسع، والذي يتضمن صوراً تعود إلى عام 1982. سترى مخططاً زمنياً أسفل الجانب الأيمن من عارض لاند سات لوك. ويمكنك النقر على زر التصوير المتقطّع أعلى قائمة المخطط الزمني لتوليد سلسلة من الصور إما لمشاهدتها في المتصفح وإما لتحميلها كملف جي آي إف متحرّك.
يمكنك اختيار عدد الصور في هذا الملف من خلال النقر على زر التحكم بالتاريخ في القائمة العلوية. اختر نقطة بداية ونهاية من التقويم الذي يظهر ثم انقر على تطبيق. إذا لم تتمكن من اختيار تاريخ قبل شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، فهذا لأنك ترى الصور التي التقطها قمر لاند سات 9 الاصطناعي. يمكنك إضافة الصور التي التقطتها أقمار لاند سات السابقة من خلال النقر على قائمة الأقمار الاصطناعية المنسدلة. قم بتفعيل جميع الخيارات في هذه القائمة لترى الصور التي تعود إلى عام 1982.
زر التصوير المتقطّع هو مجرد اختصار بالمناسبة. يمكنك إيجاد العديد من الخيارات الأخرى الخاصة لتصدير الصور (أو سلاسل الصور المتقطعة) من خلال النقر على زر التصدير أسفل يسار العارض. يمكنك تعديل الغطاء السحابي حتى تصبح نسبته 0% في نفس شريط القائمة. سيقوم العارض باستبدال البكسلات بأخرى من صور مختلفة لإزالة الغيوم.
جوجل إيرث إنجن
أصبح تطبيق جوجل مابس جزءاً لا يتجزأ من الحياة بالنسبة للجميع ما عدا هؤلاء الذين لا يفضلون استخدام تطبيقات جوجل. لكن تقدّم هذه الشركة أيضاً منصة خرائط تحمل اسم جوجل إيرث إنجن (Earth Engine). لكن ما هو الفرق بين جوجل مابس وجوجل إيرث إنجن؟ الأخير مخصص للمنظمات التي تريد استخدام البيانات الجغرافية المكانية وتكنولوجيا جوجل.
أحد الأمثلة التي تستشهد بها جوجل هو المركز الوطني للمعلومات البيئية الجيولوجية في كوستاريكا ونظام الإنذار المبكّر الخاص به المخصص لكشف عمليات قطع الأشجار غير القانونية. توفر شركة جوجل البيانات لهذا المركز من مجموعة منصة جوجل إيرث إنجن الواسعة. ويستخدم فريق المركز معلومات الرادار والنطاق الترددي المرئي (أي الصور الفوتوغرافية) لتتبع التغييرات على الغابات بشكل لحظي تقريباً. بالنسبة لدولة مثل كوستاريكا، لا تستطيع تحمّل تكلفة إنشاء إدارة ضخمة مثل وكالة المسح الجيولوجي الأميركي التي لها أقمار اصطناعية خاصة بها، فهذا سيحدث فرقاً كبيراً في إدارة الغابات في البلاد.
لا يقتصر عمل جوجل إيرث إنجن على البيانات على مستوى الدولة فقط. إذ إنه منصة، ما يعني أنه يمكن تضييق نطاقه إلى مناطق محددة أو حتى أنواع معينة من البيانات. على سبيل المثال، قد ترغب في تشغيل برنامج لتتبع كيفية استجابة أشجار الأيكة الساحلية للتغيّر المناخي على امتداد خط الساحل في المنطقة التي تعيش فيها. يمكنك استخدام البيانات الخاصة بشركة جوجل ومنصة جوجل إيرث إنجن لتصميم نظام يراقب نمو هذه الأشجار مع تغيّر المناخ. يعد جوجل إيرث إنجن أحد المنصات التي تسأل فيها "ما الذي أريد المنصة أن تفعل؟" بدلاً من "ما هي مقدرات هذه المنصة؟".
إحدى أهم ميزات هذه المنصة هي أنها مجانية للاستخدام غير التجاري، ولكن يجب عليك إعداد عدد من التطبيقات حتى تحصل على الوصول المجاني. من صفحة التطبيق الأساسية، انقر على إنشاء حساب واملأ النموذج وستحصل على الموافقة في غضون أسبوع.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم جوجل إيرث وستريت فيو لاستكشاف الكوكب
بلانيت إكسبلورر وعارض بلانيت بيس مابس
عندما تفكر في صور الأقمار الاصطناعية التقليدية، فستتخيل على الأرجح الصور التي تلتقطها هذه الأقمار وهي في مداراتها والتي تبلغ دقتها عدة أمتار لكل بكسل. تعتبر هذه الدقة جيدة لتغطية المناطق الواسعة، ولكنها لا تبين التفاصيل الدقيقة.
للحصول على تفاصيل بالغة الدقة، ستحتاج إلى أدوات شركة تجارية مثل بلانيت لابز. تشغّل هذه الشركة مجموعتين من الأقمار الاصطناعية المخصصة للتصوير. تدعى الأولى بلانيت سكوب، وتتألف من مجموعة من الأقمار الاصطناعية المكعّبة الصغيرة التي تلتقط صوراً تبلغ دقتها 30 سنتيمتراً لكل بكسل بشكل يومي. وتضاف تلك الصور إلى أرشيف الشركة المتنامي. تتيح المجموعة الثانية التي تحمل اسم سكاي سات للشركة تقديم الصور لعملائها عند الطلب وفق عملية تدعى التكليف.
تعتبر مجموعة سكاي سات أكثر فعالية من مجموعة الأقمار المكعبة الصغيرة. فالصور التي تلتقطها لا تتمتع بدقة تبلغ 50 سنتيمتر لكل بكسل فقط، بل تستطيع تسجيل مقاطع الفيديو التي تصل مدتها إلى 90 ثانية. مع ذلك، توصي شركة بلانيت لابز بمقاطع الفيديو التي تبلغ مدتها 65 ثانية للحصول على أفضل النتائج.
بالطبع، لا تقّدم الشركة هذه الخدمات بالمجان. لكن ما هي تكلفة هذه الخدمات بالضبط؟ الأمر معقّد قليلاً. إذ إن الشركة لا تصرح بكل المعلومات حول أسعارها. مع ذلك، يمكننا الحصول على فكرة من التكلفة من موفري الصور التابعين للأطراف الثالثة مثل شركة أبولو مابينغ (Apollo Mapping). تتقاضى هذه الشركة 5000 دولار مقابل الحزم الأرشيفية و15000 كحد أدنى مقابل حزم التكليف. تعتبر هذه التكاليف الحدود الدنيا للطلبات وليس اشتراكات، وستتغير حسب العميل.
أما بالنسبة لشركة بلانيت لابز، يمكنك التقدم بطلب للحصول على حساب أساسي إذا كنت طالباً أو باحثاً. لكن يتعين على المستخدمين التجاريين التعامل مباشرة مع قسم المبيعات الخاص بالشركة. ألم نقل إن الموضوع معقّد؟
اقرأ أيضاً: 5 استخدامات لخرائط جوجل ربما لا تعرفها
قد يكون من الحكمة ألا تتقدم بطلبات كبيرة لأن الشركة تعزم تحديث نظام مجموعاتها من الأقمار الاصطناعية إلى منصة جديدة تحمل اسم بيليكان (Pelican). تتألف هذه المنصة الجديدة من 32 قمراً اصطناعياً تبلغ دقة تصوير كل منها 30 سنتيمتراً لكل بكسل. لا تعتبر هذه الدقة عالية جداً، لكنها كافية. ستتمكن الأقمار الاصطناعية في هذه المنصة من التقاط صور متعددة لموقع ما لـ30 مرة في اليوم، كما أنها ستوفر لك صورة خلال 5 دقائق من مهلة التسليم. لكن سيكلّفك ذلك الكثير.
إذا أردت استكشاف أداة بلانيت إكسبلورر، يمكنك استخدام نسخة تجريبية مجانية لمدة 90 يوماً. تتضمن هذه النسخة أمثلة منسّقة لخدمة تحمل اسم ماي هوستد داتا (My Hosted Data)، والتي تعلّمك طريقة استخدام بيانات شركة بلانيت لابز في مشاريعك أو أبحاثك الخاصة.