هل لاحظت أن الإنترنت أصبحت أقل متعة في الآونة الأخيرة؟ لست وحدك. ثمة أسباب كثيرة لذلك، ولا يمكنني أن أشرح الكثير منها هنا. لكن جزءاً من المشكلة على الأقل هو أننا جميعاً توقفنا عن تنظيم المنشورات التي تظهر في صفحاتنا الرئيسية.
وسائل التواصل الاجتماعي ممتعة فقط إذا أعجبتك المنشورات التي تشاهدها. يعتمد نوع المنشورات التي تراها على موقع التواصل الاجتماعي الذي تستخدمه، ولكن عموماً هناك فئتان من التسلسلات الزمنية: التسلسل الزمني العكسي، الذي يمكنك التحكم فيه مباشرة، والتسلسل الزمني الخوارزمي الذي يمكنك توجيهه نوعاً ما. ومع ذلك، في كلتا الحالتين، هناك أشياء يمكنك فعلها لرؤية المزيد من المنشورات التي تعجبك وتقليل المنشورات التي لا تعجبك.
مع وضع ذلك في الاعتبار، دعنا نعيد اكتشاف الفن المفقود في ترتيب المنشورات لديك. إليك بعض الإجراءات الروتينية التي أحاول الالتزام بها عندما ألاحظ الكثير من المنشورات غير المرغوب فيها، والتي آمل أن تكون مفيدة لك.
اقرأ أيضاً: كيف تضبط خوارزمية إنستغرام لصالحك؟
الإلغاء الجماعي للمتابعة
اقترح عالم الأنثروبولوجيا البريطاني، روبن دنبار، في ورقة بحثية كثيراً ما يُشار إليها، وجود حد معرفي لعدد الأشخاص الذين يمكن للشخص الواحد الحفاظ على علاقة تربطه بهم، وقد أشار ضمن اقتراحه هذا إلى أن العدد هو نحو 150 شخصاً. وتنص النظرية التي توصل إليها من خلال مراقبة الرئيسيات وقياسها بناءً على الحجم النسبي لأدمغة البشر، على أننا لا نستطيع حقاً التعامل مع علاقات يفوق عددها هذا الرقم. في حين أن الرقم الدقيق يظل محل نقاش، فإن المفهوم العام الذي يتعلق بوجود هذا الحد يُشار إليه باسم "رقم دنبار" (Dunbar’s Number). ولعلك تتذكر أن شبكة التواصل الاجتماعي الفاشلة "باث" (Path) كانت مبنية على هذا المفهوم.
من الناحية العملية، لا يمكن لشخص واحد أن يواكب ما يقوله الجميع من حوله، فعقلك لا يستوعب كل ذلك حرفياً. إن متابعة مئات الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي تعني أن تضع نفسك ضحية للشعور بأنك لست مطلعاً على ما ينشره هؤلاء كلهم، فلا يمكنك مواكبة ما ينشره هؤلاء الأشخاص كلهم.
لهذا السبب أحاول أن أعتاد على تنفيذ ما أسميه "الإلغاء الجماعي للمتابعة" (The Great Unfollowing) بصورة منتظمة. فأنا أميل إلى متابعة الكثير من الحسابات إلى حد ما. من عادتي إذا قرأت مقالاً أعجبني، أن أحاول العثور على رابط رسالة إخبارية أو موجز الخلاصات المبسطة (RSS feed) حتى أتمكن من مواكبة الكاتب. وينطبق الأمر نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي: أحاول متابعة الأشخاص الذين أريد أن أرى المزيد من أعمالهم. ولكن مع مرور الوقت، أشعر بالإرهاق نتيجة الكم الهائل من المنشورات. قد تمثل هذه مشكلة خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي مثل ماستودون (Mastodon) أو علامة تبويب "المتابعة" في منصة بلوسكاي (Bluesky)، والتي لها تسلسل زمني عكسي. وينطبق ذلك أيضاً على مُجمّع الخلاصات المبسطة (RSS reader) الخاص بي. ذلك لأن هذه الخدمات تعتمد تسلسلاً زمنياً عكسياً في ترتيب المنشورات.
ببساطة: تعرض لك هذه الخدمات كل المنشورات التي تتابع الحسابات التي تنشرها سواء كانت تعود إلى أشخاص أم مصادر نشر متخصصة (كالصحف والمجلات والكتب ووكالات الأنباء على سبيل المثال)، مرتبة من الأحدث إلى الأقدم ويمكنك تصفحها نزولاً ابتداءً من هناك. والفكرة مفادها هو أنه يمكنك مواكبة كل منشور، ثم تتوقف عندما تصل إلى منشور قرأته من قبل. البساطة هي سر الجاذبية هنا، ولكن تشوبها بعض الجوانب السلبية. على سبيل المثال: إذا كان الشخص الذي تتابعه ينشر الكثير من المنشورات، فستظهر منشوراته بكثرة في صفحتك.
وهنا يأتي دور "الإلغاء الجماعي للمتابعة". عادة ما أفتح قائمة الحسابات التي أتابعها، وألقي نظرة على كل واحد منها، وأقرر إن كنت أريد الاستمرار في متابعته. في الماضي، عندما كان تويتر في أوج شهرته، كنت أفعل ذلك في كل مرة ألاحظ فيها أنني أتابع أكثر من 150 شخصاً، فعندما كان العدد يتجاوز هذا الرقم، كنت ألاحظ ذلك، وكانت مواكبة هذه الحسابات تتحول من متعة إلى إرباك شديد.
من أجل مواكبة الحسابات التي أقدرها أكثر من غيرها، أحتاج من حين لآخر إلى إلغاء متابعة الحسابات التي لا تثير المتعة، على حد تعبير كتاب سمعت عنه.
ثمة خيار آخر، وهو تنظيم متابعيك في مجموعات أو إنشاء حسابات مختلفة لاهتمامات مختلفة (على سبيل المثال: حساب على إنستغرام لمتابعة الأشخاص الذين تعرفهم في الحياة الواقعية وحساب آخر للرياضة أو المشاهير أو الطعام، أو أياً كانت اهتماماتك).
اقرأ أيضاً: كيف نستطيع مجابهة المعلومات الصحية المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي؟
رقم دنبار
لم أسمع عن رقم دنبار إلا بعد أن بدأت اتباع هذا الأسلوب. ولا أقصد الإشارة إلى وجود أدلة علمية على أنه يجب عليك متابعة 150 شخصاً فقط، أو أي رقم محدد. ثمة سبب وحيد، وهو أن متابعة شخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي لا تشبه إنشاء علاقة معه، وهي نقطة يجب قولها بوضوح. فمعظم علاقاتي الوثيقة تنشأ بالكامل خارج وسائل التواصل الاجتماعي، وآمل أن ينطبق الأمر نفسه عليك.
كل ما أحاول الإشارة إليه هو أنه من المحتمل أن هناك حداً لعدد الأشخاص ومصادر النشر المتخصصة وحسابات الميمات التي يمكنك متابعتها بفعالية. فبدلاً من الشعور بالإرهاق، يجب أن تخصص بعض الوقت لتقليل ما تتابعه بين الحين والآخر. وإلا، فإنك ستصاب بالإنهاك نتيجة متابعتك لما يظهر على صفحة المنشورات لديك، ولن تتابع أي حساب بعد الآن.
التأثير في الخوارزمية
كان الجزء السابق من المقال يدور حول تقليص عدد المنشورات ذات التسلسل الزمني العكسي، حيث ترى المنشورات جميعها التي يشاركها الأشخاص الذين تتابعهم كافة. ومع ذلك، فإن العديد من خدمات وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة نادراً ما تأخذ الحسابات التي تتابعها في الاعتبار. ومن المعروف أن منصة تيك توك تستخدم خوارزمية لتزويدك بمقاطع الفيديو التي قد تكون مهتماً بها بناءً على سلوكك السابق.
تتبع الصفحة الرئيسية على منصة يوتيوب الطريقة نفسها: فهي تعتمد على مقاطع الفيديو التي تقضي بعض الوقت في مشاهدتها أكثر من القنوات التي اشتركت فيها. في كلتا الحالتين قد يؤدي الضغط على زر الاشتراك في قناة ما إلى زيادة احتمالية مشاهدة مقاطع الفيديو التي ينشرها مالك هذه القناة، ولكنه ليس أمراً مؤكداً. تتبع منصة ثريدز (Threads) الطريقة نفسها أيضاً. وفي الوقت نفسه، تعرض لك كل من منصة إنستغرام ومنصة فيسبوك بعض المنشورات الحديثة التي شاركها أصدقاؤك الافتراضيون قبل أن تجعل عرض المنشورات خاضعاً لخوارزمية حسابية.
في هذه الحالات كلها، لا يمكنك اتباع الطريقة نفسها التي يمكنك اتباعها مع الصفحة الرئيسية للمنشورات ذات التسلسل الزمني العكسي، فقد لا يكون لإلغاء متابعة شخص ما أي تأثير في احتمالية ظهور تلك المنشورات في صفحتك الرئيسية. ولكن ثمة نصائح يمكنك اتباعها للمساعدة على توجيه أنواع المحتوى الذي يظهر. النصيحة الأولى: لا تنقر على مقاطع الفيديو التي لا ترغب في مشاهدتها، أو إذا نقرت عليها، انتقل إلى صفحة أخرى بأسرع ما يمكن. إذا كنت ترغب في اتخاذ المزيد من الإجراءات المباشرة، فإن معظم التطبيقات توفر أدوات لذلك. على يوتيوب، على سبيل المثال، يمكنك النقر على النقاط الثلاث بجوار عنوان الفيديو والنقر على زر "غير مهتم" (Not interested).
هناك أزرار مماثلة على إنستغرام وفيسبوك وثريدز. لكن مدى فعالية هذه الأزرار يبقى مثاراً للجدل، فأحياناً لا يبدو أنها تحدث أي فرق. إذا كنت تكره صانع محتوى معيناً ولا ترغب في رؤية ما ينشره على الإطلاق، فثمة زر متاح دائماً يفيد إما التجاهل وإما الحظر.
الهدف هو التفكير ملياً فيما تراه في صفحتك الرئيسية ومحاولة اتخاذ خطوات فعالة لمواءمته مع ما ترغب في رؤيته.
في بعض الأحيان لا يبدو أن أي شيء يجدي نفعاً، وفي هذه الحالة قد يكون من الأفضل البدء من جديد تماماً. أبسط طريقة لفعل ذلك هي إنشاء حساب جديد، ولكنك لست مضطراً إلى هذا الخيار. لقد كتبنا مقالات عن كيفية إعادة ضبط خوارزمية يوتيوب وإعادة ضبط خوارزمية إنستغرام، لذا يمكنك تجربة هذه الأدلة الإرشادية أولاً. هناك أيضاً دليل إرشادي مفيد من مؤسسة موزيلا إذا كنت تريد إعادة ضبط خوارزمية تيك توك. فقط ضع في اعتبارك أنه بعد إعادة الضبط، ستؤثر اختياراتك في الخوارزمية التي ستحصل عليها بعد ذلك.
قد يعتقد البعض ممن يقرؤون هذا المقال أن هذا كله مبالغ فيه بعض الشيء، وأعترف بأنه لا يبدو مريحاً تماماً. لكن يمكن القول إنه لا شيء أهم مما تعيره اهتمامك. فالمحتوى الذي تقرؤه وتشاهده سيسهم في تكوين شخصيتك الحقيقية. يجدر بك التفكير في ذلك بأسلوب نقدي ومحاولة توجيهه إن أمكن. آمل أن تساعدك النصائح المذكورة أعلاه، بطريقة ما، على تحقيق ذلك.