تنتشر المعلومات المضللة التي تختبئ تحت رداء العلم في عصرنا الرقمي الذي يزداد فوضى يوماً بعد يوم، وتزداد صعوبة اكتشافها بفضل التقنيات الجديدة والحملات التي تحمل طابعاً سياسياً ضد الحقائق العلمية المعترف بها بشكلٍ عام؛ مثل فعالية اللقاح وواقعية أزمة المناخ وغير ذلك. لكي تستطيع تمييز المعلومات العلمية المغلوطة عن الصحيحة في وسط هذا الكمّ الهائل من المعلومات العلمية المتاحة عبر الإنترنت؛ تحتاج إلى امتلاك نظرةٍ متعمقة وعقل متشكك ومنفتح على الأفكار الجديدة في عالمنا.
اقرأ أيضاً: من يقرر ما هي المعلومات المضللة على الإنترنت؟
افتح الرابط
من شبه المؤكد أن يكون تعرضك الأول لأي ادعاء علمي زائف، عبر العناوين الرئيسية الجذابة التي تجدها عبر الإنترنت، وفي مواقع التواصل الاجتماعي. يحذر «جون غريغوري»؛ الباحث في خدمة «نيوز غارد» (News Guard) لتدقيق الحقائق عبر الإنترنت، من أن عناوين المقالات المكتوبة بأحرف كبيرة بالكامل (باللغة الإنكليزية)، أو تلك التي تُستخدم فيها علامات تعجّب، أو المتضمنة آراءً مخالفةً للمعتقدات السائدة، ما هي إلا بعض العلامات التي قد تدلّ على أن محتواها المضلل.
ويضيف قائلاً: «إحدى الأدلة الصارخة على أن المحتوى مضلل هو استخدام لغة مشحونة بالعواطف. إن الاختلاف الرئيسي بين القصة الواقعية والمضللة هو الدليل الذي يستخدمه المؤلفون لدعم المزاعم في العنوان الرئيسي». هذا يعني أن أفضل طريقة لحماية نفسك من التعرض للتضليل هي النقر فوق الرابط وقراءة المقالة بدلاً من الاكتفاء بقراءة العنوان فقط. في الواقع؛ من الصعب غالباً على الصحفيين نقل الحقائق العلمية بدقة عند كتابتها في العناوين الرئيسية التي يُفترض أن تكون جذّابةً ومُختصرة، لذلك فإن أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كان العنوان الرئيسي صحيحاً أو مضللاً أو خاطئاً كلياً هو أن تفتح الرابط وتقرأ محتوى المقال.
تفحّص الدراسة التي يستشهد بها المقال
تستند أخبار العلوم عادةً إلى دراسة محددة ومفصلة؛ وهذا ما يميزها عن أنواع الأخبار الأخرى. وللمفارقة، فإن ذلك ما يسهل التحقق منها، وفي نفس الوقت؛ يسهّل تزييفها أيضاً. من ناحية؛ يمكن لورقةٍ بحثيةٍ منشورةٍ حديثاً أن تدعم مزاعم إحدى المقالات، ومن ناحية أخرى، فإن العديد من التطورات في العلوم والطب معقدةٌ جداً في كثيرٍ من الأحيان؛ ما يجعل فهم المصادر الأولية صعباً على العديد من القرّاء.
يقول غريغوري: «تعتمد الكثير من المواقع التي تنشر العلوم الزائفة على حقيقة أن الناس لن يتعمقوا في الدراسات التي يستشهدون بها، بل يقدمونها بطريقة يتعذر الوصول إليها لإعطاء انطباع بالدقة العلمية وإضفاء نوعٍ من المصداقية على الادعاءات الزائفة».
بالنظر إلى هذه المخاطر؛ من المفيد التعمق أكثر في الدراسات التي تدعم القصص الإخبارية العلمية. ما عليك سوى البحث عن بعض المعايير البسيطة؛ مثل: هل حجم عينة الدراسة كبير، وهل توجد مجموعات ضبط فيها، وهل هناك تحفظاتٌ في استنتاجات الباحثين؟ إذ يجب تضمين كل هذه العناصر في ملخّص الدراسة -أي الفقرة التي تأتي في بدايتها وتلخّص طريقة إجرائها ونتائجها، كما يجب أن تذكر المقالات الإخبارية التي تناولت هذه الدراسة هذه التفاصيل أيضاً.
تقول جيسيكا ماكدونالد؛ محررة العلوم في موقع «فاكت تشيك» (FactCheck.org): «عادةً ما يكون العلماء حذرين للغاية بشأن نتائجهم، ودائماً ما يوصون بإجراء المزيد من البحث مع توفّر المزيد من البيانات»، وتضيف: «في الواقع؛ إذا كان العالِم متأكداً 100% من نتائجه، فمن المحتمل أن تكون هذه علامةً على أن المعلومات التي يقدمها ليست دقيقة».
وذلك ينطبق على كل من اقتباسات الخبراء المذكورة في الدراسة والمصادر الأولية نفسها. عادةً ما تكشف الدراسة العلمية الموثوقة عن الصعوبات التي واجهتها، وعن نطاق تأثير نتائجها والحاجة إلى مزيد من البحث. وبالمثل؛ لا يقدّم العالم الجدير بالثقة عادةً ادعاءات عامةً حول نتائج الدراسة؛ ولكنه يشرح الفروق الدقيقة في الاكتشافات الجديدة وتعقيداتها بدلاً عن ذلك.
اقرأ أيضاً: انتشار المعلومات المُضللة خلال الأزمات قد يكون «مميتاً»
انتبه إلى السياق
غالباً ما تُزوّر أخبار الاكتشافات الطبية أو تُحرّف، لذلك سيكون عليك إلقاء نظرةٍ متعمّقة أكثر لتمييز الحقيقة عن الزيف. ففي كثير من الأحيان؛ يعتمد مسوقو المعلومات المزيفة على جزء صغير من الحقيقة لدعم مزاعمهم.
يقول غريغوري بشأن المقالات التي تعد بعلاجاتٍ سحرية لأمراض مستعصية مثل السرطان: «عادةً ما تعتمد هذه المقالات على تحريف الدراسات المخبرية المُصغرة، أو على دراساتٍ أُجريت على الحيوانات فقط ولم تشمل البشر، ثم يذهبون بعيداً ليقولوا أن العلاج التجريبي الذي قتل الخلايا السرطانية في طبق البتري المخبري يمكن أن يقوم بنفس الشيء في جسم الإنسان، وهذا ليس صحيحاً طبعاً».
وتضيف ماكدونالد أن الأوراق العلمية الطبية ليست دقيقةً بالضرورة لمجرد ظهورها على مواقع الأبحاث العلمية المشهورة غير الخاضعة لمراجعة الأقران. إحدى العلامات التي تدل على جودة وموثوقية الورقة العلمية، نشرها في مجلةٍ علمية خاضعةٍ لمراجعة الأقران، أما مجرد ظهورها على الإنترنت فليس دليلاً على موثوقيتها.
ويضيف غريغوري في نفس السياق: «ليس بالضرورة أن يكون البحث المُفهرس في موقع «ببمد» (PubMed) قد خضع لمراجعة الأقران. يمكن أن تكون مواقع قواعد البيانات المتعلقة بالأبحاث الطبية؛ مثل ببمد، مليئةً بالمعلومات الجيدة؛ ولكن يمكن أن تحتوي أيضاً على بعض الأعمال العلمية المشكوك فيها إلى حدّ بعيد، وبالتالي فإنها ليست موثوقةً بالضرورة».
سواء للتحقق من المعلومات العلمية المغلوطة أو غيزر ذلك: تحقق من المصدر
إن العلاج المعجزة، أو المؤامرة الحكومية، أو الاختراقات العلمية، كلها علامات مميزة لأخبار علمية قد يُشك بصحتها، وعادةً ما يتكرر ظهورها في نفس المواقع التي تروّج للعلوم الزائفة. إذا بدت المزاعم العلمية مشبوهةً، فمن المفيد الاطلاع على القصص العلمية الأخرى التي ينشرها الموقع وما إذا كانت طبيعتها تنشر الريبة.
يقول غريغوري في هذا الصدد: «إحدى الأشياء التي نبحث عنها في «نيوز جارد»، تاريخ هذا الموقع والمزاعم التي نشرها في الماضي، فإذا كان أحد مواقع الويب معتاداً على نشر معلومات مضللة لرفض اللقاحات قبل الجائحة -على سبيل المثال- فلن يكون مصدراً موثوقاً للمعلومات حول لقاحات كوفيد-19 الآن».
ويوصي غريغوري بالتحقق من المواقع المشبوهة عن طريق البحث عن معلوماتٍ حول من يكتب مقالاتهم، ومن يديرها والمنظمات المرتبطة بها. إذا كان من الصعب العثور على هذه المعلومات أو كانت غائبةً تماماً، فقد لا يكون الموقع موثوقاً، ويضيف: «من المهم أيضاً النظر إلى ما هو أبعد من اسم الموقع للحكم على ما يحتويه. بعض المواقع؛ مثل «دينيفر غارديان» (Denver Guardian) أو «المركز الوطني لمعلومات اللقاح»، تتخذ أسماء تضفي عليها نوعاً من الشرعية رغم أنها في الحقيقة ليست إلا مواقع تشتهر بأنها تروج للأخبار الكاذبة والمضللة».
اقرأ أيضاً: بجانب مشاكلها: مجتمعات الإنترنت قد توفّر الدعم للشباب أيضاً
تحقق من الدافع وراء هذه المعلومات العلمية المغلوطة
غالباً ما تهدف العلوم الزائفة -لا سيما في المجال الطبي- إلى خدمة هدف محدد من خلال استغلال خوف الجمهور. في بعض الأحيان؛ قد يكون هذا الهدف سياسياً ببساطة. على سبيل المثال: قد يخدم إنكار وجود أزمة المناخ أجندة حزب سياسي معين؛ لكن غالباً ما يكون الدافع وراء العلوم الزائفة اقتصادياً بطبيعته.
يقول غريغوري: «عندما يتعلق الأمر بالمعلومات الزائفة المتعلقة بالمشاكل الطبية خصوصاً، والعلمية بشكل عام، فغالباً ما يكون هناك إيحاءً بأنهم لا يرغبون في أن تعرف هذه المعلومات على وجه الدقة، وغالباً ما تحاول المصادر التي تستخدم هذا التكتيك أن تبيع لك شيئاً - سواء كان مكملاً غذائياً أو علاجاً طبياً أو استشارةً طبية، أو حتى المحتوى نفسه في بعض الأحيان».
وهذا سبب آخر يجعل من المهم للغاية معرفة من يملك أو يتحكم في الموقع والمنشورات، فقد يكون لديه دافع اقتصادي يقضي بطبيعته على الحياد الذي من المفترض أن يمارسه الصحفيون المسؤولون. على سبيل المثال: إن إلقاء الضوء على علاجات التهاب الحلق المختلفة ليس بالضرورة علماً زائفاً؛ ولكن الوعد بأن شاي «ون ميراكل تي» (One Miracle Tea) سيعالج التهاب الحلق على الفور هو علمٌ زائف. وهكذا؛ إذا بدا لك أن المقال يوجهك نحو حلّ أو علاجٍ محدد دون إلقاء الضوء على إيجابياته وسلبياته، فقد يكون مؤلفوه يسعون وراء أموالك.
حتى إذا كانت المقالة لا تحاول بيع منتج معين لك، فإن البحث عن الدوافع الاقتصادية يمكن أن يكشف الدوافع الحقيقية وراء المزاعم المشبوهة. إذا أمكن؛ قم بإجراء القليل من البحث على الموقع نفسه لمعرفة المزيد عمن يديره ومصادر تمويله. يمكن أن يكون خلف الستار مجموعة ضغط أو عيادة طبية خاصة أو جمعية أعمال مهنية أو حتى فرد لديه أجندة خاصة.
استشر الخبراء
عندما لا تتمكن من معرفة ما إذا كان الخبر العلمي دقيقاً، فقد يستغرق قيامك بالمزيد من البحث المعمّق وقتاً طويلاً، وقد تواجه بعض الصعوبات، وهنا يأتي دور مدققي الحقائق مثل «نيوز غارد» وموقع «فاكت تشيك»، وحتى نحن هنا في «بوبيولار ساينس».
يُدرّب مدققو الحقائق المحترفون والصحفيون العلميون، على الكشف عن المعلومات المضللة وفضح العلم الزائف. وبالإضافة إلى تقديم الأبحاث بطريقة سهلة التناول وواقعية؛ يمكنهم أيضاً المساعدة في تسليط الضوء على الموضوعات المعقدة من خلال استشارة الخبراء المتخصصين مباشرةً.
تقول ماكدونالد: «الوصول إلى المصادر الموثوقة واستشارتها هو أحد الأشياء التي يقوم بها الصحفيون. يجب أن يأخذ الناس هذا الأمر على محمل الجد. أود أن أنصح الناس بالمواقع الإخبارية المعروفة بحياديتها؛ والتي قد لا تتفق بالضرورة مع آرائهم».
تُعتبر استشارة مجموعة متنوعة من المصادر المحايدة للحصول على نظرة عامة حول الإجماع العلمي طريقةً رائعةً للتحقق من المعلومات المضللة ويحول دون أن تُضطر لوضع كل ثقتك في مصدر واحد. ربما تقودك صحيفةٌ أو موقع ويب واحد إلى معلوماتٍ مضللة؛ ولكن من غير المرجّح أن يحدث ذلك إذا ما اطلعت على 5 أو 10 أو حتى 15 مصدراً آخر للتحقق من تلك المعلومات.
اقرأ أيضاً: كيف تتجنب عمليات الاحتيال الإلكترونية خلال أزمة كورونا؟
ثق بحكمة الرأي العام في تجنب المعلومات العلمية المغلوطة
إذا كنت من النوع الذي يشكّك في كل شيء، فقد يكون من الصعب عليك معرفة من يمكن الوثوق به في القضايا العلمية. لا توجد إجابة واحدة مثالية تناسب الجميع؛ قد يكون بعض العلماء فاسدين أو مُضللين، وقد يكون لبعض المسؤولين الحكوميين أجندات سياسية، وحتى وسائل الإعلام الموثوقة قد ترتكب بعض الأخطاء أحياناً. لذلك؛ وبالإضافة إلى الاعتماد على خبراء العلوم، قد تجد أيضاً أنه من المفيد أن تثق في الأنظمة المجتمعية التي تدرك أنها جديرةٌ بالثقة؛ مثل من يحوزون السمعة الطيبة بين العامة، وحتى الصفات الطبيعة البشرية.
تقول ماكدونالد: «تحب الحكومات أن تبدو جيدةً أمام شعوبها؛ لكنها لا تريد قتل مواطنيها بالتأكيد. قد لا تثق بالحكومة في نواحٍ عديدة في حياتك؛ لكن أموال الضرائب التي تأخذها منك تموّل الكثير من الأبحاث العلمية والطبية التي يقوم بها أشخاصٌ يأملون بتحسين حياتنا وحمايتنا من الأمراض».
إذا كانت الجامعات والمستشفيات ذات السمعة الطيبة تنشر المعلومات الخاطئة بنشاط، فإنها ستخاطر بتدمير سمعتها المرموقة، وينطبق الشيء نفسه على وكالات الأنباء المحترمة والصحفيين الذين يعملون لديها. في الواقع؛ من الصعب كسب ثقة الجمهور، ولن تخاطر معظم المؤسسات بفقدانها بسبب ادعاء واحد مضللٍ؛ ولكن حتى لو لم تثق مطلقاً في المؤسسات الكبيرة، فيمكنك أن تثق في الأفراد.
تقول ماكدونالد: «العلماء في النهاية بشرٌ أيضاً. سترى الكثير من الادعاءات المضللة حول العلماء تتلاشى إذا ما قابلت أحدهم في الواقع. العلماء مجرد أشخاص عاديين، وقد دخلوا في هذا المجال لأنهم يريدون مساعدة إخوتهم في الإنسانية».