دراسة حديثة: وسائل التعليم الورقية تتفوق على الرقمية في تعليم الأطفال

3 دقيقة
دراسة حديثة: وسائل التعليم الورقية تتفوق على الرقمية في تعليم الأطفال
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Anton Vierietin
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عصرِ تهيمن عليه التكنولوجيا، يستمر الجدل حول أدوات التعلم الأكثر فاعلية للأطفال. ففي حين أن الأساليب الرقمية أصبحت منتشرة على نحوٍ متزايدٍ في البيئات التعليمية، ثمة مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن التعليم التقليدي القائم على الورق لا يزال متفوقاً في تأثيره على العقول الشابة.

إذ وجدت دراسة حديثة في نسخة أولية لم تُنشر بعد، أجراها فريق من علماء الأعصاب في كلية المُعلمين في جامعة كولومبيا (Columbia University)، أن الأطفال يتعلمون على نحوٍ أفضل باستخدام الوسائل الورقية وليس باستخدام الشاشات؛ حيث أظهرت النتائج وجود اختلافات في استجابات الدماغ تجاه النصوص المطبوعة والرقمية، بما في ذلك التشفير الدلالي الأعمق للمطبوعات مقارنة بالنصوص الرقمية. فما الأسباب التي تجعل الأطفال يتعلمون على نحوٍ أفضل باستخدام وسائل التعليم الورقية؟

اقرأ أيضاً: ما هو الحساب الذهني؟ وما أهم فوائده والمهارات المطلوبة له؟

وسائل التعليم الورقية أقل تشتيتاً للانتباه 

على الرغم من أن الوسائل التكنولوجية تُتيح نماذج تعليمية أكثر استدامة ويمكن الوصول إليها عالمياً بطرق عديدة؛ مثل سهولة الوصول إلى الموارد التعليمية، وتقليل التكاليف، وتقليل انبعاثات الكربون والأثر البيئي، وتمكين التعلم الشخصي، فإن الأجهزة الإلكترونية؛ مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة قد تعوق عملية التعليم من خلال تشتيت انتباه الطلاب.

فالوجود المستمر للتكنولوجيا وما يرتبط بها من عوامل تشتيت الانتباه قد يؤدي إلى زيادة العبء المعرفي عند الطلاب، ما يتعارض مع قدرتهم على معالجة المعلومات والاحتفاظ بها. وفي المقابل، توفّر الوسائل الورقية ببساطتها وافتقارها إلى المشتتات الدخيلة، بيئة أكثر ملاءمة للمعالجة المعرفية. يسمح هذا الانخفاض في عوامل التشتيت للمتعلمين الصغار بالانغماس الكامل في المحتوى التعليمي، ما يؤدي إلى تحسين التركيز واستيعاب المعرفة.

اقرأ أيضاً: التعليم عن طريق اللعب: كيف يشجّع تعليم مونتيسوري الإبداع في رياض الأطفال؟

القراءة من الكتب الورقية تعزز فهم النص

توصلت دراسة حديثة منشورة في دورية مراجعة البحوث التربوية (Review of Educational Research) في 2023، أن القراءة باستخدام الكتب المطبوعة على مدى فترة طويلة من الزمن يمكن أن تعزز مهارات الاستيعاب بمقدار 6-8 أضعاف مقارنة بالقراءة الرقمية. وقد وجد الباحثون أن المطالعة الرقمية لا تحقق القدر نفسه من الفهم مثل المطالعة باستخدام الكتب الورقية خصوصاً في مراحل التعليم المبكرة.

اقرأ أيضاً: 10 نصائح لتعلم أطفالك الاعتماد على أنفسهم والدراسة بمفردهم

التحفيز اللمسي يعزز التعليم 

تؤدي الطبيعة اللمسية للورق دوراً حاسماً في التطور المعرفي، خصوصاً عند الأطفال. فالتفاعل الجسدي مع الوسائل التقليدية، سواء كان ذلك عن طريق تقليب الصفحات أو الإمساك بقلم رصاص أو حتى الإحساس بملمس مختلف، ينشّط مستقبلات حسية متعددة، كما أن مشاركة الحواس المتعددة في عملية التعلم هي نهج فعّال يسمح للأطفال بفهم المعلومات واستيعابها على نحو أكثر فاعلية. بالإضافة إلى ذلك، وُجِد أن فهم النصوص يكون أفضل عموماً عندما يقرأ الأشخاص النصوص المطبوعة بدلاً من النصوص الرقمية، ما يشير إلى أن التجربة اللمسية للورق قد تسهم في تحسين فهم المحتوى والاحتفاظ به.

علاوة على ذلك، من المحتمل أن يؤدي التدوين على الورق مقارنةً بالتدوين على الأجهزة اللوحية دوراً مهماً في تعزيز ترميز المعلومات في الذاكرة واكتساب المعلومات المكانية، ما يوفّر إشارات استرجاع فعّالة ويؤدي إلى تنشيط مناطق متزايدة من الدماغ، خصوصاً في الحُصين، كما يدل على أن العمليات المعرفية عند تدوين الملاحظات على الورق تكون أعمق وأكثر فاعلية.

اقرأ أيضاً: لماذا يتعلم بعض الطلاب بشكلٍ أفضل وهم يتحركون بدلاً من الجلوس؟

الوسائل الورقية تسهّل رسم الخرائط المعرفية 

تساعد عملية تقليب الصفحات يدوياً والمواد الملموسة الأخرى التي تشغّل الحواس المتعددة في الوسائل التقليدية على تطوير الوعي المكاني عند الأطفال؛ والوعي المكاني هو القدرة على إدراك الأشياء الموجودة في بيئتنا وموقعنا بالنسبة لها، وهو مهم لأسباب مختلفة؛ مثل فهم الموقع والحركة والتفاعلات الاجتماعية، بالإضافة إلى أنه مهم لفهم بنية الجملة والقواعد في القراءة والكتابة واستيعاب المفاهيم الرياضية المختلفة في الهندسة وترتيب الأعداد.

اقرأ أيضاً: بعد اعتماد التعليم عن بُعد: كيف نعرّف الغش في الامتحانات عبر الإنترنت؟

لذلك، فإن الأطفال عندما يقلبون صفحات كتاب ما، فإنهم يكوّنون دون وعي منهم خرائط ذهنية للمعلومات. يساعد هذا الوعي المكاني على تنظيم التفاصيل واستدعائها، وتعزيز الفهم الشامل للموضوع. من ناحية أخرى، تفتقر الشاشات الرقمية الملساء إلى الأبعاد المادية نفسا، ما قد يحد من تطور الوعي المكاني.

يمكن القول إنه على الرغم مما توفره وسائل التعليم الورقية من مزايا فريدة في تعزيز التطور المعرفي ونتائج التعلم نتيجة الطبيعة الملموسة للورق وقلة المشتتات والحمل المعرفي الأفضل، مع ذلك، فهذه ليست دعوة للقضاء على الأدوات الرقمية بالكامل. وبدلاً من ذلك، لا بُدّ من اتباع نهج متوازن يعزز نقاط القوة في كلٍّ من الأساليب الورقية التقليدية والتكنولوجيا الحديثة لرعاية الاحتياجات المتنوعة للعقول الغضّة.