في 29 مارس/آذار 2022، سمحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية بمنح الجرعات المعززة الثانية من لقاحات كوفيد-19 لكبار السن وبعض الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة والذين تلقوا أول جرعة معززة منذ 4 أشهر على الأقل.
أفادت إدارة الغذاء والدواء الأميركية أنه بموجب الإرشادات الجديدة، قد يتلقى جميع البالغين الذين يبلغون من العمر 50 عاماً أو أكثر والأفراد الذين يبلغون من العمر 12 عاماً أو أكثر من الذين خضعوا لعملية زرع أعضاء أو يعانون من ضعف المناعة جرعة معززة إضافية من لقاح الرنا المرسال (mRNA).
أشار «بيتر ماركس»، مدير مركز تقييم وأبحاث البيولوجيا التابع لإدارة الغذاء والدواء، في الإعلان الذي أصدرته إدارة الغذاء والدواء الأميركية إلى أن «الأدلة الحالية تشير إلى أن الوقاية التي توفّرها اللقاحات من النتائج الخطيرة لمرض كوفيد-19 تنخفض قليلاً بمرور الوقت لدى الأفراد الأكبر سناً من الذين يعانون من نقص المناعة»، وأضاف: «استناداً إلى الدراسات التحليلية الحديثة، يمكن أن يساعد تلقي جرعة معززة ثانية من لقاح "فايزر-بايو إن تيك" أو "موديرنا" في زيادة مستويات الحماية لدى الأفراد المعرضين لخطر أكبر».
جرعة معززة واحدة توفر حماية عالية لدى معظم الأشخاص
في الوقت الحالي، تشير الدراسات إلى أن تلقي جرعة معززة واحدة يوفر حماية عالية ضد حالات المرض الشديدة لدى معظم الأشخاص. لكن الخبراء يقولون إن تلقي جرعة معززة ثانية قد يفيد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بكوفيد-19.
يقول «جوناثان لي»، الأستاذ المساعد في الطب في مستشفى «بريغهام آند ويمن» وكلية الطب في جامعة هارفارد: «لا تزال هذه البيانات أولية نسبياً»، ويضيف: «لكن من ناحية أخرى، من الواضح بالنسبة لي أن استجابة الأجسام المضادة تضعف بمرور الوقت، وللحصول على الفائدة المثلى، أعتقد أن تلقي جرعة معززة ثانية منطقي في الوقت الحالي».
ترافقت الإرشادات الجديدة مع انتشار واسع النطاق لسلالة «أوميكرون» شديدة العدوى في الولايات المتحدة.
قالت «بريتي مالاني»، كبيرة مسؤولي الصحة وأستاذة الأمراض المعدية في جامعة ميشيغان: «أعتقد أن عوام الناس لا يحتاجون للإسراع بتلقي جرعة معززة ثانية، ولكن بالنسبة للأفراد الأكبر سناً، والذي يعانون من الحالات الصحية الأخرى، فإن تلقي جرعة ثانية أمر ضروري»، وأضافت: «لا أرى الكثير من الجوانب السلبية لهذا بخلاف الأعراض المزعجة التي تترافق مع تلقي اللقاح».
اقرأ أيضاً: نتائج مبهرة لتجربة عقار «سابيزابولين» لعلاج كوفيد-19 تدفع العلماء لاختصار التجارب السريرية
هل الحماية التي توفرها الجرعات المعززة تضعف؟
قام مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها مؤخراً بتحليل مدى فعالية اللقاحات في الوقاية من دخول المرضى إلى غرف الطوارئ والرعاية العاجلة، وكذلك الدخول إلى المستشفى في 10 ولايات خلال موجة سلالة أوميكرون. لاحظ الباحثون أن الوقاية تراجعت إلى حد ما في غضون شهرين إلى 4 أشهر بعد أن تلقى المشاركون الجرعة الثانية أو الثالثة من لقاح الرنا المرسال.
ليس من الواضح مدى قابلية تعميم هذه البيانات، إذ أن التقرير لم يأخذ في الحسبان الحالات المرضية الخفيفة التي لا تتطلب الرعاية الطبية، بل تضمّن فقط عدداً صغيراً من المشاركين الذين تلقوا جرعة معززة قبل 4 أشهر على الأقل من جمع البيانات. نظراً لأن الأشخاص في المجموعات المعرضة للخطر في الولايات المتحدة كان لديهم إمكانية الوصول إلى الجرعات الثالثة في وقت أبكر من عامة الناس، فمن المحتمل أن يكونوا قد شكلوا نسبة كبيرة من المشاركين في الدراسة. ذكر مؤلفو الدراسة أن هذا ربما تسبب في أن يبدو تلقي الجرعة الثالثة أقل فاعلية لأن الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة قد لا يتمتّعون باستجابة مناعية قوية مثل أولئك الذين لا يعانون من حالات مرضية سابقة.
اقرأ أيضاً: ما مدى قبول حملات التطعيم ضد “كوفيد-19” بين العرب؟
أهمية منح جرعات معززة إضافية
ومع ذلك، استنتج فريق مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في 11 فبراير/شباط 2022 أن نتائج الدراسة «تعزز أهمية النظر في منح الجرعات الإضافية» لزيادة الحماية ضد كوفيد-19. كما أشار الباحثون إلى أن اللقاحات ظلت أكثر فعالية لدى الأشخاص الذين تلقّوا جرعة ثالثة مقارنة بأولئك الذين تلقّوا جرعتين فقط.
يقول لي: «الجرعة الثالثة مهمة حقاً، لا سيما عندما يتعلق الأمر بسلالة أوميكرون»، ويضيف: «تمنحك هذه الجرعة الحماية الكاملة من الإصابة بحالة مرضية شديدة بسبب هذه السلالة».
مع ذلك، تقول مالاني إن الأشخاص الذين لم يتلقّوا اللقاح مطلقاً يشكّلون أغلبية حالات الدخول إلى المستشفى بسبب مرض كوفيد-19، إذ وجدت دراسة نشرت في 18 مارس/آذار 2022 وأُجريت من قبل مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أنه خلال ذروة موجة أوميكرون في يناير/كانون الثاني 2022، كان معدل حالات الدخول إلى المستشفى بين البالغين الذين لم يتلقوا اللقاح أعلى بـ 4 مرات من نظيره لدى البالغين الذين تلقوا سلسلة اللقاحات الأولية، وأعلى بـ 12 مرة من نظيره لدى البالغين الذين تلقوا جرعة معززة واحدة.
اقرأ أيضاً: 6 إجابات موجزة لأبرز الأسئلة المتعلقة بلقاحات كوفيد-19 المعززة
ما الذي تشير إليه البيانات حول الجرعات المعززة الثانية؟
يقول لي إن المعلومات المتوفرة حول معدل الوقاية الذي يوفّره تلقي جرعة معززة ثانية من لقاحات كوفيد-19 لا تزال أولية.
توفّرت بعض البيانات من بعض الدول حول تقديم جرعة رابعة للبالغين الذين يبلغون 60 عاماً من العمر أو أكثر، والعاملين في مجال الرعاية الصحية، والأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة منذ يناير/كانون الثاني 2022، إذ وجدت إحدى الدراسات الحديثة التي نُشرت في 24 مارس/آذار في موقع «ريسيرتش سكوير»، والتي تخضع حالياً لمراجعة الأقران (peer-review)، أن كبار السن الذين تلقوا جرعة رابعة من لقاح الرنا المرسال كانوا أقل عرضة بنسبة 78% للوفاة بسبب كوفيد-19 مقارنة بمن تلقوا 3 جرعات فقط.
كتب الباحثون في هذه الدراسة: «قد تقدم نتائج دراستنا أدلة أولية تبين وجود فوائد كبيرة لتلقي جرعات معززة إضافية». ومع ذلك، أضاف الباحثون أنه لا يزال من الضروري دراسة أولئك الذين لم يتلقوا اللقاحات مطلقاً، كما أن هناك حاجة لإجراء دراسات المتابعة لتحديد مدى دوام فعالية الجرعات المعززة الثانية.
في رسالة نُشرت في 16 مارس/آذار 2022 في دورية «نيو إنغلاند الطبية»، أفاد فريق بحثي آخر أن تلقي جرعة رابعة من لقاح الرنا المرسال أعاد مستويات الأجسام المضادة لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى المستويات التي تم قياسها بعد تلقّي الجرعة الثالثة. ومع ذلك، فإن تلقّي الجرعة الرابعة لم يرفع من مستوى الحماية ضد العدوى بشكل كبير، ما يشير إلى أن الشباب الأصحاء قد يحصلون فقط على «فوائد هامشية» من تلقي جرعة إضافية.
يقول لي: «تشير البيانات المتوفرة حالياً إلى أنه كلما ازداد عدد الأمراض لدى الشخص، يزداد خطر إصابته بحالة شديدة من كوفيد-19، وستزيد فوائد تلقّي جرعة معززة ثانية»، وأضاف: «أحث الأشخاص المؤهلين لتلقي الجرعة المعززة الثانية، مثل كبار السن وأولئك الذين يعانون من نقص المناعة، على تلقّي هذه الجرعة عندما يستطيعون ذلك».
تقول مالاني، البالغة من العمر 52 عاماً، إنها تخطط لتلقّي جرعة معززة ثانية بعد أن أصبحت مؤهلة. وتقول: «الأمر يتعلق بالخوف من تلقي اللقاح بالنسبة لي شخصياً، أكثر من القلق بشأن المرض الشديد»، وتضيف: «أشعر بالرضا تجاه هذا القرار لأني أعلم أن والداي وأقاربي يخططون للسفر، وأريدهم أن يكونوا قادرين على الاستمتاع بكل تلك اللحظات، وأن أقلل من خطر إصابتهم على الأقل».
يقول لي إن بعض الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة قد لا يتمتّعون باستجابة مناعية قوية حتى بعد تلقي جرعة معززة ثانية، ولكن بالنسبة لهذه المجموعة من الأفراد، فالأجسام المضادة أحادية النسيلة مديدة المفعول، وهي البروتينات المصنعة في المختبر والتي تلعب دوراً في الوقاية من كوفيد-19، يمكن أن توفر حماية إضافية.
اقرأ أيضاً: أدوية الحساسية تمثل علاجاً محتملاً لأعراض كوفيد-19 طويلة الأمد
كم ستدوم الوقاية التي توفرها الجرعات المعززة الثانية؟
هذا الأمر ليس محسوماً بعد.
يقول لي: «لا نعلم بعد مدى دوام الوقاية التي توفرها الجرعات المعززة الثانية». حتى الآن، ركزت معظم الأبحاث على كيفية تأثير الجرعات المعززة على مستويات الأجسام المضادة، ولكن يجب على العلماء أيضاً التحقيق في دوام استجابة الخلايا التائية (وهي خلايا مناعية تساعد في درء الحالات المرضية الشديدة) بعد تلقّي اللقاح. حسب لي، تقدم إرشادات إدارة الغذاء والدواء في الوقت الحالي قاعدة عامة جيدة تساعد في تحديد متى يجب تلقي الجرعة المعززة الثانية.
تعترف مالاني بأنه من الممكن أن يضطر الأشخاص الذين تلقّوا جرعة معززة ثانية للحصول على جرعة معززة أخرى في المستقبل. إذ تقول: «لا أعتقد أن هناك طريقة مثالية لتوقيت تلقّي الجرعات»، وتضيف: «لكن بالنسبة للأفراد الأكبر سناً، ليس هناك حقاً سبب للانتظار».
تقول مالاني إنه بعد تلقّي جرعة معززة، لا ضير في الاستمرار في اتخاذ تدابير وقائية أخرى مثل ارتداء الكمامات أثناء التواجد في الأماكن الداخلية المزدحمة.
تقول مالاني: «نحن في وضع مختلف تماماً عما كنا عليه قبل عامين»، وتضيف: «على الرغم من أن اللقاحات لم تثبت أنها كافية لإنهاء الجائحة، إلا أنها أهم طريقة يمكننا من خلالها التكيف مع الجائحة، والجرعات المعززة هي جزء من هذه الاستراتيجية».