بعد مرور عامين على جائحة كوفيد-19، اتخذ القادة السياسيون أخيراً خطواتٍ جادة للسعي نحو فهم تعقيدات كوفيد طويل الأمد. حيث نشرت حكومة بايدن الأسبوع الماضي في 3 أغسطس/آب تقريرين يتناولان خطة الحكومة لتعزيز البحث في مجال الوقاية من كوفيد طويل الأمد وتشخيصه وعلاجه. ولكن بالنسبة لما يقدر بنحو 7.7 إلى 23 مليون شخص يعيشون حالياً مع أعراض طويلة الأمد ومضاعفات صحية جراء إصابتهم بكوفيد-19، لا يزال من غير الواضح كم من الوقت سيستغرق تعافيهم تماماً.
يقول أخصائي الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة ييل، سكوت روبرتس: «الإجابة المختصرة عن هذا السؤال لا تزال غير معروفة».
اقرأ أيضاً: ما الذي يجب أن يعرفه كبار السن عن كوفيد طويل الأمد؟
هل يمكن التعافي من كوفيد-19 تماماً؟
في عام 2020، أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في البداية بأن نحو 35% من المصابين بكوفيد-19 يحتاجون ما بين أسبوعين إلى 3 أسابيع حتى اختفاء الأعراض بعد تأكيد إصابتهم. لكن البيانات الجديدة تشير إلى أن نحو 13.3% فقط -واحد من كل عشرة أشخاص تقريباً- ممن يتعافون من المرض يحتاجون إلى شهر للتخلص من أعراضهم. وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، من المتوقع أن يُضطر 2.5% من الأشخاص المصابين بعدوى أكثر شدة، كالذين يحتاجون إلى دخول المستشفى مثلاً، إلى المعاناة من آثار جانبية طويلة الأمد تشمل على سبيل المثال لا الحصر صعوبات التنفس وآلام العضلات ومشكلات التركيز لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر.
ويجادل بعض العلماء بأن بعض الحالات الفردية سوف تستغرق وقتاً أطول للتعافي. لقد عانى أكثر من ثلاثة أرباع مرضى كوفيد-19 الذين دخلوا المستشفى في ووهان بالصين من أعراض مطولة من التعب وضعف العضلات ومشكلات النوم بعد ستة أشهر من خروجهم من المستشفى. وقد وجدت دراسة أجريت عام 2022 أن واحداً من كل أربعة أشخاص يحتاج إلى عام للتعافي الكامل من كوفيد طويل الأمد. بينما تشير بعض السيناريوهات المتشائمة إلى أن بعض الأشخاص سيعيشون مع أعراض كوفيد طويل الأمد لبقية حياتهم. وتشير مراجعة أجريت في يوليو/تموز 2022 للدراسات السابقة التي تناولت حالات لكوفيد طويل الأمد أن نحو 6% من المرضى لن يستعيدوا حاسة الشم والتذوق إطلاقاً.
اقرأ أيضاً: متلازمة كوفيد طويل الأمد: المضاعفات التي قد تحدث عند الأطفال والمراهقين بعد الإصابة بكوفيد-19
يتمثل أحد أسباب صعوبة تقييم وقت التعافي من كوفيد-19 في أنه يؤثر على عدة أعضاء في الجسم. تقول الأستاذة المساعدة للأمراض المعدية والمديرة الطبية المساعدة في جامعة كاليفورنيا إيرفين، شروتي غوهيل: «عندما يؤذي الفيروس الجسم بطرق مختلفة، ستكون هناك فترات مختلفة من التعافي». وتضيف غوهيل إن شفاء العصب المصاب، على سبيل المثال، يستغرق وقتاً أطول من شفاء الجهاز التنفسي العلوي الذي يسبب الاحتقان.
هناك مشكلة أخرى وهي أننا ما زلنا لا نعرف السبب وراء كوفيد طويل الأمد في المقام الأول. ومع ذلك، وجد خبراء الأمراض المعدية بعض الأدلة المحتملة؛ حيث تقول غوهيل إن أعراض كوفيد طويل الأمد قد تكون نتيجة استجابة مناعية مفرطة للجسم لمحاربة الفيروس، فقد يتسبب الالتهاب الواسع النطاق الناجم عن مثل هذه الاستجابة في حدوث أضرار جانبية للأعضاء والأنسجة المجاورة.
أسباب الإصابة بكوفيد-19 طويل الأمد
وتقول رئيسة قسم الرعاية الأولية في عيادة ما بعد الإصابة بكوفيد في المركز الطبي لجامعة ستوني بروك، سريثا راجوبت، إن النظرية البارزة الأخرى التي تفسر الإصابة بكوفيد طويل الأمد هي أن عدداً قليلاً من الفيروسات غير القابلة للاكتشاف يمكن أن تبقى في الجسم. وتوضح أن بوسع هذه الجسيمات الفيروسية القليلة الاختباء داخل الأعصاب والأنسجة، ما يدفع الجسم إلى البقاء في حالة استجابة التهابية مزمنة. ويذهب تفسير آخر إلى أن الجسم قد يظهر استجابة مناعية غير طبيعية، حيث يعتقد أنه ما زال يحارب العدوى الأولية. بينما يقول روبرتس إن أحد الأسباب الأقل شيوعاً، ولكنه منطقي، هو أن العدوى تخلق حالة فرط التخثر (hypercoagulable)، وهي حالة تؤدي إلى زيادة الجلطات الدموية الدقيقة بسبب تلف الأوعية الدموية، ما قد يفسر ضيق التنفس لدى المصابين بكوفيد طويل الأمد.
البيانات غير واضحة أيضاً حول من هو الأكثر عرضة للإصابة بكوفيد طويل الأمد لأسابيع أو أشهر، حيث تقول راجوبيت إن معدلات التعافي يمكن أن تختلف من شخص لآخر حسب أعراضه وعمره وصحته بشكل عام، وتضيف أن الأفراد الذين يعانون مثلاً من أعراض شديدة من كوفيد-19 أو من مشكلات في عدة أعضاء أثناء الإصابة معرضون للإصابة بأمراضٍ أخرى تشمل القلب أو الدماغ أو حتى مرض السكري. قد يواجه الأشخاص الأكبر سناً أو الذين يعانون من نقص المناعة صعوبة أيضاً في التعافي من أي ضرر يلحق بالجسم، ما قد يؤدي إلى استمرار الأعراض بعد الإصابة.
يجمع الخبراء على شيء واحد: التطعيم يساعد. تشير الأبحاث إلى أن الأفراد الذين تم تطعيمهم بالكامل وأصيبوا بعدوى اختراقية كانوا أقل عرضة من غير المحصنين للإبلاغ عن أعراض كوفيد طويل الأمد بمقدار النصف بعد 4 أسابيع من الإصابة على الأقل. ومع ذلك، لا يزال دور اللقاحات في الوقاية من ظهور أعراض كوفيد طويل الأمد موضع نقاش. إذ إن هناك أبحاثاً أولية أخرى تشير إلى أن اللقاحات قد تساعد قليلاً في الحد من ظهور أعراض كوفيد طويل الأمد أو قد لا تساعد على الإطلاق. لقد ذكرت دراسة أجريت في مايو/أيار عام 2022 ونُشرت نتائجها في مجلة "نيتشر ميديسن" أن اللقاحات قللت من مخاطر كوفيد طويل الأمد بنسبة 15% فقط.
وفقاً لروبرتس، لا يزال خبراء الأمراض المعدية يحاولون معرفة ما إذا كان التطعيم يمكن أن يخفف من الأعراض حتى عند الإصابة بكوفيد طويل الأمد. يقول روبرتس: «هناك الكثير من الأشياء التي لا نزال نجهلها حول كوفيد طويل الأمد، ولكني أعتقد أننا سنحصل على المزيد من البيانات حول آلية حدوثه وكيفية الوقاية منه ومعالجته بمرور الوقت».