نظراً لأن متغير أوميكرون بات السبب الرئيسي لمعظم حالات الإصابة بكوفيد-19 في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، فقد حقق العلماء تقدماً في الإجابة عن العديد من الأسئلة التي أثارها سابقاً ظهور هذا المتغير.
أثار هذا المتغير مخاوف كبيرة بسبب عدد الطفرات الكبير التي يحتويها، والتي وصلت إلى أكثر من 30 طفرةً على بروتين الشوكة الفيروسي لوحده، حيث ساعدت بعض هذه الطفرات المتغيرات السابقة على الإفلات من جهاز المناعة.
Do you want to see omicron spike mutations? Have a look at this beautiful image from @_wharvey now available on our dashboard https://t.co/x2zsrhKj8Y pic.twitter.com/qgGHv7xqSV
— COG-UK Mutation Explorer (@COGUK_ME) November 29, 2021
في الواقع، لم يكن من الواضح في البداية إلى أي مدىً يمكن لهذه الطفرات أن تؤثر على سرعة انتشار الفيروس والقدرة على إصابة أشخاصٍ يتمتعون ببعض المناعة. لا يزال الباحثون يعملون للتوصل إلى الأرقام الدقيقة، ولكن من الواضح الآن أن المتغير قابل للانتقال بشكل كبير ويمكن أن يصيب الأشخاص الذين يتمتعون ببعض المناعة. وعلى الرغم من ذلك، فقد ثبت أن اللقاحات، خصوصاً الجرعات المعززة، فعالةٌ في الوقاية من الإصابة الشديدة. وفي حين أنه من المتوقع أن يتسبب متغير أوميكرون في تزايد حالات الإصابة أكثر من الموجات السابقة، من الصعب التنبؤ بتأثير ذلك على النظام الصحي.
اقرأ أيضاً: وقاية الجرعات المعززة من اللقاح ضد سلالة أوميكرون تنخفض بعد 10 أسابيع
هل ينتشر أوميكرون بسرعةٍ أكبر؟
في غضون أسابيع قليلة، أصبح متغير أوميكرون السلالة المهيمنة بعد أن كان متغير دلتا وراء معظم الحالات سابقاً. ترافق اكتشاف هذا المتغير لأول مرة في مقاطعة خاوتينغ في جنوب إفريقيا المكتظة بالسكان مع تفشي الفيروس بسرعة في جميع أنحاء البلاد.
لم يكن من الواضح ما إذا كان هذا الانتشار السريع مصادفةً (العديد من الحالات المبكرة كانت مرتبطةً بالجامعات، الأمر الذي زاد من احتمال انتشار الفيروس) أم كان ميزةً لهذا المتغير الجديد.
ولكن مع انتشار أوميكرون في جميع أنحاء العالم، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس للصحفيين «إن أوميكرون ينتشر بمعدل لم نشهده مع أي متغير سابق».
في المملكة المتحدة، قال وزير الصحة ساجيد جافيد لشبكة سكاي نيوز: «إنه ينتشر بمعدل هائل، وهو أمر لم نشهده من قبل. يتضاعف عدد الإصابات كل يومين إلى ثلاثة أيام».
يعتقد الباحثون الآن أن أوميكرون أكثر عدوى من دلتا، حيث تتراوح التقديرات من أقل من الضعف إلى خمسة أضعاف. (من الجدير بالذكر أن متغير دلتا كان أكثر عدوىً من السلالة الأصلية بعدة مرات، ومعدل انتشاره كان أقرب إلى معدل انتشار فيروس جدري الماء).
يقدم البحث الذي أجراه فريق في جامعة هونغ كونغ دليلاً على سبب حدوث ذلك. وجد البحث أن أوميكرون يتكاثر بشكلٍ أسرع من متغير دلتا في الشعب الهوائية المؤدية إلى الرئتين، لكن بسرعةٍ أقل في الرئتين. يمكن أن تؤدي هذه الآلية إلى مرضٍ أشد عدوى ولكنه أقل خطورة. لم تخضع الدراسة لمراجعة الأقران، لكن بعض الأبحاث الأخرى بدأت في التوصل إلى نتائج مماثلة.
اقرأ أيضاً: لماذا يجب علينا جميعاً تلقي لقاحٍ معزز بعد ظهور متغير أوميكرون؟
هل تفيد اللقاحات في تخفيض خطر الإصابة؟
يأتي جزء من صعوبة تحديد مدى عدوى أوميكرون من حقيقة أنه أكثر قدرةً على إصابة الأشخاص المطعمين أو الذين تعافوا من إصابة سابقة، وهذه ميزة لم تكن موجودةً في متغير دلتا، وبالتالي يمكن أن يصيب عدداً أكبر من الأشخاص.
Took a look at the spike mutations in B.1.1.529 this evening, and colour coded them (details below)...there is...not much green.🧵 pic.twitter.com/yNHM55oTTH
— Jeffrey Barrett (@jcbarret) November 25, 2021
أظهر انتشار أوميكرون في جنوب إفريقيا والدول الاسكندنافية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أن احتمال الإصابة به مجدداً أكبر من احتمال الإصابة مرةً أخرى بمتغير دلتا عند الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19 مسبقاً، وبالتالي فإن المناطق التي شهدت معدلات تطعيم منخفضة في العالم قد تكون معرضةً لخطر تفشي المرض، حتى لو كان العديد من الأشخاص هناك أصيبوا بدلتا سابقاً.
وتؤكد البيانات المختبرية من جنوب إفريقيا ومن جميع أنحاء العالم أن الأجسام المضادة التي يتم إنتاجها بعد جرعتين من اللقاح القائم على الرنا المرسال (mRNA) أقل كفاءة في محاربة متغير أوميكرون. ليس من الواضح تأثير هذا الانخفاض في استجابة الأجسام المضادة لدى البشر، ولكنه مؤشر على أن تلقي جرعتي لقاح فقط سيكون أقل فعالية في كبح العدوى.
من المهم تذكر أن اللقاحات يمكن أن تكون فعالة بعدة طرق. هناك دليل على أن الأفراد الذين تلقوا اللقاح يتمتعون بحمايةٍ من الإصابة الشديدة والموت. وقد أظهرت العديد من الأبحاث أن الخلايا التائية التي يحرّض اللقاح على إنتاجها (خلايا الدم البيضاء التي تقي من تطور العدوى إلى مرض شديد) لا تزال تتعرف على متغير أوميكرون.
تقول ألبا جريفوني، باحثة الخلايا التائية في معهد لوجولا لعلم المناعة، وعضو في إحدى تلك الفرق البحثية التي تدرس دور الخلايا التائية في هذا الصدد: «لا نعرف حتى الآن مدى قدرة هذه الخلايا على التعرف على المتغير الجديد. من المحتمل أن هذا الأمر يختلف من شخصٍ لآخر، ما قد يؤدي إلى مزيد من التباين في شدة المرض».
اقرا أيضاً: المزج بين عدة أنواع من لقاحات كوفيد-19 قد يوفّر مناعة أقوى
ماذا عن اللقاح المعزز؟
هناك بعض الأخبار الجيدة من دراسات الأجسام المضادة. وجدت الأبحاث في جنوب إفريقيا والمملكة المتحدة أن جرعة ثالثة من لقاح فايزر تعزز استجابات الأجسام المضادة، وقد أعلنت شركة فايزر عن نفس النتيجة في بيانٍ صحفي. ووجد فريق بحثي في المملكة المتحدة أن تلقي ثلاث جرعات من اللقاح أعطت بين 70 و75% من الحماية ضد المرض في الواقع، واختبر الفريق إعطاء جرعة معززة من لقاح الرنا المرسال بعد التطعيم بلقاح أسترازينيكا وتوصل إلى نفس النتيجة. من جانبها، أعلنت شركة جونسون أند جونسون أن إعطاء جرعتين من لقاحها كان فعالاً بنسبة 85% في الوقاية من المرض الشديد في إحدى التجارب السريرية.
ونظراً لأن لقاح موديرنا يعتمد على نفس تقنية لقاح فايزر، فمن المحتمل أن تكون الجرعة المعززة منه فعالةٌ بنفس القدر لجميع اللقاحات أيضاً. كانت شركتا فايزر وموديرنا قد أعلنتا أنهما تعملان على تطوير لقاح معزز خاص بمتغير أوميكرون في حال دعت الحاجة. لكن كبير المستشارين الطبيين في البيت الأبيض، أنتوني فوسي، قال قبل عيد الميلاد: «ليست هناك حاجة إلى نوع مخصص من اللقاحات المعززة في هذه المرحلة».
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تؤثر اللقاحات على تطوّر فيروس كورونا؟
هل متغير أوميكرون أقل خطورة؟
من الواضح الآن أن أوميكرون لا يؤدي، في المتوسط، إلى زيادة حالات الاستشفاء التي ترتبط بشكل واضح بالعدوى الجديدة. لقد وجد تقرير صادر عن إحدى شركات الرعاية الصحية الكبيرة في جنوب إفريقيا أن الأشخاص المصابين بأوميكرون كانوا أقل عرضة للدخول إلى المستشفى مقارنةً بالموجة الأولى من كوفيد-19. كما أفادت إحاطةٌ قدمتها وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة أن الشخص المصاب بأوميكرون أقل عرضةً لدخول العناية المشددة مقارنةً بالأشخاص المصابين بمتغير دلتا.
لكن لدى العديد من الأفراد بعض المناعة، إما بسبب إصابة سابقة أو بفضل اللقاح، أو بسبب مزيجٍ من الحالتين. كما أن "المشهد المناعي" الحالي يجعل من الصعب تقييم الشدة "الجوهرية" لأوميكرون. يشير التقرير الذي ذكرناه آنفاً من جنوب إفريقيا أيضاً إلى أن أولئك الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، والذين تقل احتمالية تلقيهم للتطعيم، كانوا أكثر عرضة بنسبة 20% للدخول إلى المستشفى بسبب مضاعفات كوفيد-19 مقارنة بالموجة الأولى. وأشار تقرير المملكة المتحدة المذكور آنفاً أيضاً إلى أنه لم يأخذ في الاعتبار وجود مناعةٍ لدى الأشخاص من العدوى السابقة، بينما عزت دراسةٌ أخرى الحماية التي يتمتع بها الناس ضد أوميكرون إلى الإصابات السابقة.
ومع ذلك، بدأ الباحثون في التعبير عن ثقتهم في أن متغير أوميكرون أقل خطورة بطبيعته. ويعتمد الباحثون في ذلك على الافتراض القائل بأن احتمال إصابته للرئتين أقل، بالإضافة إلى البيانات التي تظهر على أرض الواقع. في إحاطةٍ لها في ديسمبر/كانون الأول من عام 2021، عرضت باحثة الأمراض المعدية في جنوب إفريقيا آنا فون جوتبيرج بيانات تظهر أن حالات دخول المستشفى بسبب أوميكرون كانت أقل في وقتٍ مبكر من بداية التفشي الذي سببه، وقالت: «هناك بعض الإشارات إلى أن المرض الذي يسببه متغير أوميكرون ربما يكون أقل حدة، لكن يتعين علينا الانتظار بضعة أسابيع أخرى».
لا نتوقع إجاباتٍ شافية قريباً. لقد استغرق تحديد ما إذا كانت معدلات الاستشفاء المتزايدة في المملكة المتحدة ناتجة عن فيروس أكثر خطورة أو أكثر انتشاراً عدة أشهر في حالة متغير دلتا. وحتى الآن، لا تزال البيانات في هذا الشأن غير واضحة.
يقول جيريمي كامل، عالم الفيروسات في جامعة ولاية لويزيانا هيلث شريفبورت: «يبدو أن العامل الأهم الذي يفسر عدد الوفيات من متغير دلتا هو عدد الحالات التي تسبب فيها، وليس لأنه أكثر خطورة في بعض الحالات. فحتى لو كان متغير أوميكرون أكثر اعتدالاً، فقد يؤدي لوفاة الكثير من الناس إذا انتشر بسرعة مثل متغير دلتا. وحتى لو لم يتسبب بوفاة الأشخاص بشكلٍ مباشر، فقد يؤدي لزيادة عدد الوفيات بشكلٍ غير مباشر، فعندما تكون المستشفيات غارقةً في موجةٍ من الحالات المتوسطة، قد لا يجد الأشخاص الذين يحتاجون إلى عناية طبية طارئة (مثل ضحايا حوادث السير أو النوبات القلبية) أو عمل جراحي مكاناً لهم، وبالتالي يزداد احتمال وفاتهم بشكلٍ غير مباشر بسبب متغير أوميكرون.