يبدو أن فيروس الإنفلونزا "إتش 1 إن 1"، أحد الفيروسات المنتشرة والمسببة لمرض الإنفلونزا الموسمية هو سليل مباشر للفيروس الذي تسبب بجائحة الإنفلونزا الكارثية التي وقعت عام 1918.
الأنسجة الرئوية القديمة قد تحمل الدليل
اكتشف فريق دولي من الباحثين مجموعة نادرة من 3 عينات من الأنسجة الرئوية البشرية يعود تاريخها إلى ما بين عامي 1900 و1931 محفوظة في متحف برلين للتاريخ الطبي ومتحف التاريخ الطبيعي في فيينا، النمسا. تمكن الباحثون من خلال تحليل هذه العينات من إكمال جينوم الفيروس الذي انتشر في المراحل المبكرة من جائحة الإنفلونزا التي وقعت عام 1918. ووجدوا عندما قارنوا هذا الفيروس بفيروس إنفلونزا الخنازير "إتش 1 إن 1" المعاصر أن كل عنصر من عناصر جينوم فيروس إتش 1 إن 1 قد يكون منحدراً من تلك السلالة الأولية بشكل مباشر.
إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فهذا يعني أن السلالات الفيروسية يمكن أن تتطور من تلقاء نفسها لتكتسب خصائص جديدة وتصيب أنواعاً جديدة، على عكس النظرية السائدة التي تنص على أن السلالات الفيروسية تتطور من خلال تشارك الفيروسات المختلفة في شفراتها الوراثية. نُشرت النتائج الجديدة في 10 مايو/أيار 2022 في مجلة "نيتشر كوميونيكيشن".
قال "سيباستيان كالفينياك-سبنسر"، مؤلف الدراسة الجديدة وعالم الأحياء التطورية في معهد روبرت كوخ في برلين لموقع "هيلث داي": "من المرجح أن فيروس الإنفلونزا الموسمية اللاحق الذي استمر في الانتشار بعد جائحة عام 1918 قد تطوّر بشكل مباشر وكلياً من الفيروس الجائحي".
اقرأ أيضاً: علاج الإنفلونزا ونزلات البرد بطرق علمية فعالة
الإنفلونزا الإسبانية: أكثر الجائحات فتكاً في التاريخ بعد الطاعون الدبلي
تعتبر جائحة عام 1918 والمعروفة أيضاً باسم جائحة الإنفلونزا الإسبانية، ثاني أكثر الجائحات فتكاً في التاريخ بعد جائحة الطاعون الدبلي مباشرةً. وتشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات يتراوح بين 17 و100 مليون شخص. لكن سبب تفشّي هذه الجائحة لا يزال غير معروف على الرغم من ضخامتها. تم تسجيل أول حالات الإصابة خلال جائحة عام 1918 في الولايات المتحدة، إلا أنه من المحتمل أن تكون الإصابات المبكرة انتشرت لأسابيع أو حتى شهور قبل أن يتم اكتشافها.
يعتبر التحليل الوراثي لفيروس جائحة عام 1918 عملية صعبة بسبب وجود عدد قليل فقط من عيّنات الأنسجة. إذ قال كالفينياك-سبنسر في بيان صحفي: "عندما بدأنا العمل، كان هناك 18 عينة فقط يمكن استخلاص التسلسلات الوراثية منها"، وأضاف: "لم تكن هناك أيضاً أية معلومات على مستوى الجينوم حول المرحلة المبكرة من جائحة عام [1918]. لذا فإن أي جينومات جديدة توثق مواقع انتشار الفيروس وفترات انتشاره يمكن أن تضيف إلى المعلومات المتوفرة لدينا حول الجائحة".
اقرأ أيضاً: لقد كان موسم الإنفلونزا هادئاً هذا العام – إليك السبب
يمكن أن يساعد إجراء الأبحاث في هذا المجال خبراء الصحة على فهم تطور الجائحات الفيروسية. يعتقد مؤلفو هذه الدراسة أن النتائج التي توصلوا إليها يمكن أن تكشف أيضاً عن أسباب تفشي فيروس إنفلونزا الخنازير إتش 1 إن 1 الذي وقع عام 2009. قال "ثورستن وولف"، المؤلف المشارك للدراسة الجديدة ورئيس قسم أبحاث الإنفلونزا والفيروسات التنفسية في معهد روبرت كوخ في بيان صحفي إنه كان من المعروف أن فيروس الإنفلونزا الذي انتشر عام 1918 أصاب الخنازير أيضاً خلال تلك الجائحة. ومن المحتمل أن تفشي عام 2009 نتج عن استعادة تلك السلالة لقدرتها على إصابة البشر.
ولكن يقول مؤلفو الدراسة الجديدة إن نتائجهم لا يمكن أن تحسم أي جدل يتعلق بتطور فيروس جائحة عام 1918 نظراً لأن عدد عينات الأنسجة الرئوية الجديدة التي درسوها كان قليلاً. يقول وولف: "لا تزال الإنفلونزا الإسبانية لغزاً في علم الفيروسات نظراً لوجود العديد من الأسئلة غير المحسومة والتي ما زلنا لا نعرف إجاباتها".