تمكّن باحثون من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست»، من قمع نشاط الذكريات الجينية قصيرة المدى، وهي جينات معروفة باسم الحمض النووي الريبي المرتبط مع بروتين بيوي «piRNA»، عند الديدان الخيطية، وهي طريقة يمكن تطويرها لعلاج الأمراض الوراثية عند البشر.
الحمض النووي الريبي المرتبط مع بروتين بيوي piRNA
قبل أن نبدأ، يجب أن نوضح ما هو «piRNA»، إنه حمض نووي ريبي يرتبط ببروتينات تسمى بيوي«Piwi»، وهي بروتينات ضرورية لتكوين الحيوانات المنوية، وتعمل على تثبيت هذا الحمض. يوجد هذا الحمض فقط في الخصيتين، ويمكن أن يوجد منه مليون نسخة في الخلايا المنوية، موزعة ضمن النواة وسيتوبلازم الخلية.
عندما يرتبط بروتين بيوي مع البروتينات في الحمض النووي الريبي piRNA، يتم تثبيط أو إيقاف عمل العناصر الوراثية المتنقلة، المسماة الينقولات أو الجينات القافزة. وإذا تم إنقاص تركيز بروتينات بيوي، يزداد عدد الينقولات.
اقرأ أيضاً: كاوست تطور نموذجاً بالغ الدقة للتصدي للهجمات السيبرانية
الينقولات
الينقولات هي امتدادات قصيرة لا تعد ولا تحصى من الحمض النووي تنتشر على حساب الجينوم. لذلك تسمى الحمض النووي الطفيلي. تتكاثر بشكل متكرر وتُدخل نفسها في مواقع دنا DNA جديدة في الجينوم. تنقل المعلومات الجينية من موقع في الجينوم إلى آخر. تحدث عملية النقل هذه أثناء نمو الخلايا التكاثرية (الحيوانات المنوية) وفي المراحل المبكرة للتطور الجنيني، عندما تنقسم الخلايا بكثرة.
في كل مرة يحدث هذا، يتم تعديل تسلسل الحمض النووي، وهذا له عواقب وخيمة، على سبيل المثال، يمكن أن تستقر الينقولات في جزء جيني يحتوي على معلومات عن بروتين ضروري لعملية التمثيل الغذائي، فلا يعود بالإمكان قراءة الجين بعد ذلك بشكل صحيح. وفي مثال آخر، الجين APC، يشفر بروتين يمنع تطور السرطان، إذا تم تعطيله عن طريق دمج الينقولات، يمكن أن يحدث سرطان القولون.
اقرأ أيضاً: جامعة الملك عبدالله السعودية تطور نظاماً لتعقب طفرات كورونا
ما الجديد الذي قدمه الباحثون في جامعة الملك عبدالله؟
اختار عالم الوراثة «كريستيان فروكيار-جنسن» وزملاؤه في جامعة الملك عبدالله مسار piRNA لقمع نشاط الجينات المستهدفة عن عمد. وأجروا التجارب على الديدان الخيطية، التي تُجرى عليها أبحاث علم الوراثة بكثرة. ابتكر الفريق تسلسلات RNA اصطناعية مكونة من 21 حرفاً تتفاعل مع آلية piRNA الطبيعية لإسكات الجينات المقصودة.
في التجربة، صمم الباحثون جزيئات الحمض النووي الريبي الموجهة ضد جينين مشاركين في تحديد جنس الدودة، وبالتالي تحريف نسبة ذرية الذكور إلى الإناث، كما طبقوا التجربة على العديد من الجينات الأخرى، مع الحفاظ على الجينوم، فقد قال فروكيار-جنسن: «لقد أعددنا برمجة مسار يحمي عادةً جينوم الكائن الحي. تعد تقنيتنا خطوة مهمة في تمكين الهندسة البيولوجية الدقيقة والقابلة للتطوير لكائن حي بسيط للغاية».
يتبع تثبيط الجينات في البشر نفس المسار، لذلك يفكر الباحثون باستخدام piRNA كعلاج محتمل عند البشر. ما يتيح فرصاً جديدة للنهوض بالبحوث الطبية الحيوية الأساسية وتطوير الأدوية.
اقرأ أيضاً: الجينوم السعودي: أكثر من مجرد برنامج للحد من الأمراض الوراثية
الآن، يتم استخدام أدوات أخرى لإسكات الجينات، مثل تقنيات كريسبر، بهدف علاج المرضى المصابين بالأمراض الوراثية. لكن هذه الأساليب لا تعمل دائماً بشكل جيد مع جميع الأهداف الجينية في الديدان.
يوسع هذا النهج الجديد مجموعة الأدوات الجزيئية لمعالجة الجينات ويسمح بإجراء تحقيقات أكثر تفصيلاً في أنواع المختبرات النموذجية. كما طور الباحثون بوابة ويب متاحة للعلماء من أي مكان لإنشاء تصاميم piRNA الخاصة بهم.
يركز هذا البحث بشكل خاص على فهم كيف يمكن وراثة الذكريات الجينية قصيرة المدى عبر الأجيال. لذلك، فحصوا المدة التي قد يستمر فيها إسكات الجينات بوساطة piRNA، من الوالدين إلى النسل وما بعده.
تبين من النتائج أنه يمكن إيقاف الجينات المختلفة لفترات زمنية مختلفة أيضاً، تتراوح من جيل إلى ستة أجيال. ومع ذلك، يمكن للباحثين أيضاً جعل إسكات الجين دائماً عن طريق استنفاد مسار piRNA بأكمله.