تتوقع وكالة الأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة استمرار نمط ظاهرة النينا الطقسية حتى نهاية هذا العام، ليتشكل بذلك أول حدث "موجة ثالثة متتالية" في هذا القرن، حيث أثرت ظاهرة النينا لثلاث سنوات متتالية على أنماط المناخ العالمية مؤديةً إلى حدوث ظواهر طقسية متطرفة كالفيضانات وموجات الجفاف حول العالم.
مخاطر ظاهرة النينا
أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) نهاية الشهر الماضي أن ظروف ظاهرة النينا قد تعززت في شرق ووسط المحيط الهادئ الاستوائي مع زيادة قوة الرياح التجارية في الأسابيع الأخيرة. وتتوقع المنظمة استمرار نمط النينا الحالي خلال الأشهر الستة المقبلة، مع وصول هذا الاحتمال إلى 70% في الفترة الواقعة بين سبتمبر/أيلول وحتى نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2022، وانخفاض هذا الاحتمال تدريجياً إلى 55% بين ديسمبر/كانون الأول عام 2022 وحتى فبراير/شباط من عام 2023. يُذكر أن ظاهر النينا الحالية بدأت في سبتمبر/أيلول عام 2020.
حدثت ظاهرة موجات النينا الثلاثية مرتين فقط منذ عام 1950، واستمرت آخر موجة منذ أواخر صيف عام 1998 وحتى أوائل ربيع عام 2001.
يقول الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، في بيان صحفي: «من النادر أن نشهد ظاهرة النينا لثلاث سنوات متتالية. لا شك في أن آثار التبريد الناتجة عن هذه الظاهرة تبطئ ارتفاع درجات الحرارة العالمية مؤقتاً، ولكنها لن توقف أو تعكس اتجاه الاحترار على المدى الطويل. يحمل الجفاف المتفاقم في القرن الإفريقي وجنوب قارة أميركا الجنوبية، وكذلك هطول أمطار بمعدلات فاقت المتوسط في جنوب شرق آسيا وأستراليا، بصمات ظاهرة النينا. لسوء الحظ، يؤكد تحديث المنظمة الأخير بشأن ظاهرة النينا التوقعات المناخية الإقليمية التي تفيد بأن الجفاف المدمر في القرن الإفريقي سيتفاقم أكثر وسيؤثر سلباً على حياة الملايين من الناس هناك».
اقرأ أيضاً: في كوكب يحترّ: كيف تتكيف الحيوانات مع تغيّر درجات الحرارة؟
تشهد إثيوبيا وكينيا والصومال أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاماً. في 26 أغسطس/آب، توقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن يتفاقم الجفاف بعد انقطاع الأمطار لخمسة مواسم متتالية. قد يؤدي الجفاف هناك إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
تأثيرات ظاهرة النينا
تنطوي ظاهرة النينا على تبرّد حرارة سطح المحيط بشكل طبيعي ودوري في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي. ويقترن هذا التبريد بتغيراتٍ في دوران الغلاف الجوي المداري، وخاصة الرياح والضغط الجوي والأمطار. ولكن حدوث التبريد لا يعني أن الاحترار العالمي آخذ في الانحسار. خلال أحداث النينا، عادة ما تكون الرياح التجارية أقوى من المعتاد وتدفع المزيد من المياه الدافئة نحو آسيا.
تزداد تيارات المياه الصاعدة قبالة الساحل الغربي لأميركا، ما يؤدي إلى وصول المياه الباردة والغنية بالمغذيات إلى السطح. تدفع المياه السطحية الأكثر برودة في المحيط الهادئ بدورها التيار النفاث إلى الشمال، ما يتسبب بدوره في حدوث جفاف في الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة وهطول أمطار غزيرة وفيضانات في إقليم الشمال الغربي الهادئ وكندا. في الشتاء، تكون درجات الحرارة أعلى في الجنوب وأبرد في الشمال عن المعتاد في السنوات التي تحدث فيها ظاهرة النينا، ويمكن أن تتسبب النينا أيضاً باشتداد موسم الأعاصير أكثر.
بالمقابل، لظاهرة النينو تأثير معاكس على أنماط الطقس العالمية؛ حيث تضعف الرياح التجارية وتندفع المياه الدافئة نحو الساحل الغربي للقارتين؛ الأميركية الشمالية والجنوبية. يتحرك التيار النفاث في المحيط الهادئ جنوباً مولداً ظروفاً أكثر جفافاً ودفئاً من الظروف المعتادة في مناطق في شمال الولايات المتحدة وكندا، وظروفاً أكثر رطوبة في الجنوب الشرقي وساحل الخليج الأميركي.
تُعرف هذه الأحداث مجتمعة باسم التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيو/النينا، (ENSO) اختصاراً. ووفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فقد ساهمت التطورات العلمية الأخيرة في تحسين فهمنا لهذه الظاهرة، كما سمحت النماذج المناخية الحديثة بزيادة دقة تنبؤاتنا من نطاق شهر إلى تسعة أشهر مقدماً، حيث توفر هذه التنبؤات للدول فرصة أفضل للاستعداد لمواجهة الأخطار المرتبطة بهذه الظاهرة، مثل الأمطار الغزيرة والجفاف والفيضانات.
ويقول تالاس: «ستواصل المنظمة تقديم المعلومات المصممة خصيصاً للقطاع الإنساني ودعم القطاعات الحساسة المتأثرة مثل الزراعة والأمن الغذائي والصحة، بالإضافة إلى العمل على الحد من مخاطر الكوارث. كما تبذل المنظمة أقصى جهودها لتحقيق الهدف المتمثل في ضمان وصول الجميع إلى أنظمة الإنذار المبكر في السنوات الخمس المقبلة، وحمايتهم بالتالي من المخاطر المرتبطة بالطقس والمناخ والماء».