منحوتات الإبل الحجرية في السعودية يعود تاريخها إلى ما قبل أهرامات الجيزة

4 دقائق
منحوتات الإبل الحجرية في السعودية
مصدر الصورة: فايز نور الدين عبر Getty Images.

تُعتبر المنحوتات الصخرية القديمة في المملكة العربية السعودية بمثابة تذكير بزمنٍ بعيد كانت فيه المنطقة الصحراوية التي نعرفها اليوم تتكوّن في الغالب من البحيرات والأراضي العشبية؛ إذ أصبح هذا النظام البيئي الخصب الذي عززه هطول الأمطار الغزيرة خلال فترةٍ رطبة في عصر الهولوسين، موطناً لكل من أسلافنا البشريين والحياة البرية التي نحتوا أشكالها في سفوح المنحدرات.

بداية الرحلة مع الجِمال المنحوتة

بدأت هذه القصة في عام 2018، عندما اكتشف علماء الآثار سلسلة من المنحوتات الحجرية العملاقة للجِمال في محافظة الجوف الشمالية الغربية؛ لكنهم لم يستطيعوا اكتشاف أي مادة عضوية لأخذ عينات منها ودراستها؛ حيث بنى علماء الآثار تقديراتهم على نقوش مماثلة وجدت في مدينة البتراء. ونتيجةً لذلك؛ يُعتقد أن هذه الإبل الحجرية القديمة يبلغ عمرها حوالي 2000 عام.

لكن أشارت دراسةٌ أحدث إلى شيء مختلف تماماً؛ إذ وبدراسة أشياء مثل أنماط التعرية وعلامات الأدوات وعظام الحيوانات التي تم التنقيب عنها في موقعٍ قريب، خلص فريقٌ من الباحثين الأوروبيين والشرق أوسطيين إلى أن منحوتات الجمال كانت أقدم بكثير مما كان يُعتقد سابقاً. ويزعم بحثهم الذي نُشر في دورية العلوم الأثرية (Journal of Archeological Science) في وقتٍ سابق من هذا الشهر، أن المنحوتات يمكن أن يتراوح عمرها بين 7000 و 8000 عام.

بعض الدراسات السابقة كانت لديها شكوك مماثلة لكنها لم تتمكن من تقديم الأدلة اللازمة لتأكيدها. وفي العام الماضي، اقترح غيوم شارلو، عالم الآثار الفرنسي، الذي عثر في الأصل على المنحوتات في الجوف، أنها يمكن أن تكون جزءاً من تقليدٍ أقدم وأكثر انتشاراً للفن الصخري الذي يعود إلى العصر الحجري الحديث، والذي يتميز بتصوير الإبل بالحجم الطبيعي. كان الاختلاف الوحيد هنا هو أن تلك المنحوتات الموجودة في الجوف كانت ثلاثية الأبعاد أكثر بقليل.

أدوات القياس المختلفة

منحوتات الإبل الحجرية في السعودية
Shutterstock.com/Saud AlQarni

مفتوناً بفكرة أن الإبل الحجرية قد تشكل صيحةً فنية، حاول الفريق المذكور أعلاه من علماء الآثار معرفة ما إذا كان بإمكانهم تقييم عمرها ليس من خلال المقارنات الأسلوبية؛ ولكن من خلال "دراسة تكنولوجية" بحسب تعبيرهم؛ والتي أسفرت عن نتائج أكثر دقة، باستخدام مجموعة متنوعة من أدوات القياس لتحديدها.

بعد أن تعرضت المنحوتات للعناصر الموجودة في البيئة لآلاف السنين، كانت في حالةٍ سيئةٍ؛ مما جعل من الصعب دراستها. لكن لحسن الحظ؛ تمكن علماء الآثار من استخدام «التأريخ المحفز بصرياً» (OSL) لتتبع عملية التعرية إلى نقطة زمنية كانت فيها الجمال لا تزال غير متأثرة إلى حد ما. ومن أجل إجراء هذا التحليل، فقد كان لابد من إنتاج الكثير من الصور التفصيلية. تم تصوير المنحوتات عدة مرات في اليوم؛ حيث يؤثر موقع الشمس بشكلٍ كبير على الرؤية، وقام علماء الآثار أيضاً بتصوير المنحوتات في الليل باستخدام الضوء الاصطناعي؛ مما منحهم بياناتٍ إضافيةً للعمل عليها.

خلال هذه المرحلة، اتخذ المشروع البحثي منعطفاً غير متوقع؛ حيث أدى التقييم الدقيق للمنحوتات والصخور التي تم نحتها منها إلى اكتشاف ليس واحداً أو اثنين، بل سبعة نقوش حيوانية أخرى بالحجم الطبيعي كانت باهتةً لدرجة أنها لا يمكن رصدها بالعين المجردة. وبالنظر إلى أكوام الأنقاض التي دفعتها الجرافات جانباً؛ اكتشف علماء الآثار أيضاً نقشتين صغيرتين واثنتين مجزأتين.

رغبةً منهم في التأكد قدر الإمكان، استخدم علماء الآثار عدداً من أدوات القياس الأخرى لاختبار فرضيتهم بصرف النظر عن التأريخ المحفز بصرياً؛ إذ استخدموا أيضاً مطياف الأشعة السينية لاختبار حساسية التماثيل لمادة كيميائية قابلة للتحلل تسمى المنغنيز. كما تم تأريخ القطع الحجرية الموجودة في المواقع المجاورة، وكذلك عدد من العظام. عادةً يتم تأريخ الهياكل العظمية بناءً على كمية كولاجين العظام التي تحتوي عليها. ومع ذلك، فنظراً لأنه لا يتم حفظ الكولاجين بشكلٍ جيد في البيئات الصحراوية، فقد اختار علماء الآثار اختبار المعادن الموجودة فيها مثل «بيو أباتيت» و«كربونات هيدروكسيباتيت» بدلاً من ذلك، وتم تقدير تاريخها في النهاية على أنه يعود إلى حدود 7000 إلى 8000 سنة.

"دعونا نتقابل عند الإبل الحجرية"

Shutterstock.com/Hyserb

بصرف النظر عن تحديد عمر المنحوتات؛ أعطت القياسات أيضاً علماء الآثار نظرةً حول الأشخاص الذين قاموا بنحتها والأغراض الاجتماعية التي قد تكون التماثيل قد خدمتها. فعند تحليل الموقع بشكلٍ شخصي، خلص الخبراء إلى أن بناء كل جمل يجب أن يستغرق ما بين 10 و 15 يوماً. وبالنظر إلى حجم المنحوتات -بالحجم الطبيعي للجمال أو أكبر في معظم الحالات- يبدو أنه لا يمكن إكمالها بدون سقالات. وعليه؛ يشير النطاق الهائل لهذه العملية الإبداعية -من الوقت المستغرق إلى نوع الأدوات المستخدمة- إلى أن هذه المنحوتات يجب أن تكون قد خدمت هدفاً مهماً.

هذه الفكرة مدعومة بتصميم المنحوتات نفسها؛ والتي يبدو أنها تحكي قصةً خاصةً بالمجتمع الذي أنشأها. قالت الدكتورة ماريا غواغنين؛ المتحدثة باسم معهد ماكس بلانك الألماني: "تشير زيادة الوزن والإشارات إلى موسم التزاوج في نقوش الإبل إلى أنها قد تكون مرتبطةً بشكلٍ رمزي بالدورة السنوية للمواسم الرطبة والجافة التي ترتبط بها هذه التغيرات البيولوجية."

على الرغم من أهمية المنحوتات لأجيال من المستوطنين وصيانتها؛ إلا أن الغرض المحدد منها -سواء كان دينياً أو مجتمعياً- لا يزال غير واضح. لكن أوضحت الدكتورة غواغنين، في نفس القصة الإخبارية التي نشرتها صحيفة «The National» التي تصدر باللغة الإنجليزية ومقرها أبو ظبي، أن إحدى وظائف مواقع الفن الصخري بشكلٍ عام ليست فقط في الرمزية الفعلية والاعتقاد الذي قد يكون مرتبطاً بها؛ بل إنها طريقة لتمييز المكان - أي هذا هو المكان الذي يلتقي فيه الناس من ذلك العصر.

على الرغم من أن مستوطنة ما قبل التاريخ في شبه الجزيرة العربية كانت متناثرة ومتفرقة ومؤقتة في كثير من الأحيان، فإن منحوتات الإبل الحجرية في الجوف تشير إلى أن هؤلاء المستوطنين الأوائل كانوا أكثر مما كان يُعتقد سابقاً. ونقلاً عن علماء الآثار، فإن أبحاثهم في مكان التجمع الرمزي هذا؛ الذي ربما يكون أقدم من معلَم ستونهنج وأهرامات الجيزة مجتمعين، يجلب نظرةً ثاقبةً جديدةً على الصورة المجتمعية والاحتفالية المعقّدة لفترة ما قبل التاريخ في شمال شبه الجزيرة العربية.