نجح فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا الأميركية في كشف الستار عن خلايا جديدة كانت مخفية داخل الممرات الدقيقة في الرئة، واتضح أنها تلعب دوراً حيوياً مهماً في عملية التنفس، ومن المتوقع أن يُساعد هذا الاكتشاف في ابتكار علاجات جديدة لبعض الأمراض المرتبطة بالتدخين. وقد نُشرت الدراسة في مجلة "نيتشر" (Nature) في 30 مارس/آذار 2022.
اكتشاف خلايا إفرازية في مجرى الهواء التنفسي
تتميز الدراسة الحديثة عن الدراسات السابقة في أنّ الباحثين استخدموا خلايا بشرية حقيقية من متبرعين بدلاً من الاعتماد على خلايا الفئران، ففي الحالات الطبيعية، لا تُجرى التجارب على البشر، لذلك يلجأ الباحثون إلى التجربة على الفئران، لأنها متشابهة مع الجسم البشري إلى درجة كبيرة. لكن هناك بعض التعقيدات في الجسم البشري، تمنع الباحثين من التعمق في فهمه، ومن أبرز الأمثلة على هذه التعقيدات الجهاز التنفسي.
الخلايا الجديدة عبارة عن خلايا إفرازية في مجرى الهواء التنفسي (RAS)، وتوجد في القصيبات وهي قنوات صغيرة ومتفرعة، ترتبط بالحويصلات الهوائية المسؤولة عن تبادل غازات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون مع مجرى الدم. ووجد الباحثون أنّ الخلايا الإفرازية في مجرى الهواء التنفسي موجودة أيضاً في بعض القوارض التي تتشابه مع البشر في الأنظمة التنفسية بصورة أكبر من الإنسان.
اقرأ أيضاً: أكثر من مرض تنفسي: ما يحدثه كورونا في الجسم وخارج الرئة
وظائف الخلايا الجديدة
لاحظ الباحثون أنّ الخلايا الجديدة تؤدي وظيفتين أساسيتين، وهما:
- زيادة كفاءة الرئتين: تفزر هذه الخلايا جزيئات تحافظ على السوائل الموجودة على طول القصيبات، ما يحفظ الشعب الهوائية من الانهيار، وبالتالي تزداد كفاءة الرئتين أثناء العمل.
- تشبه في عملها الخلايا الجذعية: وجد الباحثون أنّ الخلايا الجديدة تشبه الخلايا الجذعية في عملها بعض الشيء، ما يعني أنها تستطيع التمايز إلى أي نوع آخر من الخلايا في الجسم، وهي بذلك قادرة على إصلاح أي تلف في خلايا الحويصلات الهوائية، وتحويلها إلى خلايا جديدة. وتحافظ على صحة مجرى الهواء.
اقرأ أيضاً: حتى بعد الإقلاع: قد يترك التدخين تلفاً وفشلاً تنفسياً في الرئة
ما الدور المتوقع من الخلايا الجديدة في علاج الأمراض الرئوية؟
يعتقد الباحثون أنّ للخلايا الجديدة علاقة بعلاج بعض الأمراض المرتبطة بالتدخين، أبرزها مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD)، وهو مرض خطير يموت بسببه ما يزيد عن 3 مليون إنسان سنوياً وفقاً لـ "منظمة الصحة العالمية" (WHO)، ويحصل نتيجة التهاب بعض الممرات داخل الرئتين. وعادةً ما يُصاب الإنسان بهذه الالتهابات بسبب التدخين أو تعرضه للهواء الملوث. وفي النهاية، لا تحصل الرئة على الكمية الكافية من الأكسجين، ما قد يؤدي إلى مشاكل كثيرة، من ضمنها:
- انتفاخ الرئة: وهو مرض يصيب الرئة، ويُسبب تدميراً للحويصلات الهوائية، ما يجعل المصاب به مصاباً بضيق التنفس.
- الإصابة بالتهاب الشعب الهوائية المزمن: وهو عبارة عن مرض خطير، يرافقه سعال حاد وبلغم.
يرى الباحثون أنّ الخلايا الجديدة RAS، تساهم بشكل ما في تخفيف آثار الانسداد الرئوي المزمن من خلال تجديد خلايا الحويصلات الهوائية التالفة، لكن التدخين قد يدمر هذه الخلايا الجديدة تماماً، فلا تستطيع القيام بعملها، ويظهر مرض الانسداد الرئوي المزمن. وفي المعتاد، تُستخدم بعض الأدوية والمضادات الحيوية لتخفيف أعراض ذلك المرض المزمن. مع ذلك، لا تستطيع تلك الأدوية منع الرئة من التلف.
ينظر الباحثون إلى الخلايا الجديدة RAS نظرة أمل، فمن الممكن أن يستخدموا الخصائص التجديدية لتلك الخلايا في تطوير أدوية وأساليب علاجية جديدة فعالة لعلاج مرض الانسداد الرئوي المزمن. ما يساعد أولئك المرضى الذين يعانون من هذا المرض في المستقبل، ويفتح باب الأمل لعلاج الأمراض المرتبطة بالتدخين والمُضرة للرئة.