دراسة جديدة: النباتات تصرخ عند تعرضها للإجهاد طلباً للنجدة

دراسة جديدة: النباتات تصرخ عند تعرضها للإجهاد طلباً للنجدة
ديبوزت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أن النباتات لا تستطيع التحدث كالبشر، لكنها ليست صامتة. إذ يمكن أن تهتز وتصدر موجات صوتية عند تعرّضها للإجهاد نتيجة العطش أو عندما تُقطع جذوعها. ويصعب على البشر سماع هذه الأصوات لأنها ذات تردد عالٍ جداً.

لكن الآن أصبح بإمكان علماء الأحياء سماع تلك الموجات الصوتية من مسافة بعيدة. فقد استطاعت عالمة الأحياء، ليلاك هداني (Lilach Hadany)، بالتعاون مع زملائها من تسجيل هذه الأصوات. ونشروا نتائجهم في مجلة سِل (Cell) يوم الخميس.

الصوتيات الحيوية النباتية

يعد عمل هداني وزملائها جزءاً من مجال متخصص وواعد يسمى الصوتيات الحيوية النباتية. على الرغم من أن العلماء يدركون أن النباتات ليست مجرد زينة جامدة في البيئة، (إذ إنها تتفاعل مع محيطها من خلال إطلاق بعض المواد الكيميائية كآلية دفاعية على سبيل المثال)، فهم لا يعرفون بالضبط كيفية إصدار الأصوات والاستجابة لها. إن حل هذا اللغز يمكن أن يمنح المزارعين طريقة جديدة للعناية بالنباتات، بالإضافة إلى أنه قد يفتح الباب أمام اكتشافات مدهشة: فالنباتات تملك حواساً لم نكتشفها من قبل.

اقرأ أيضاً: البول سماد فعال للغاية ولكن هل هو آمن؟

يقول الباحث في علم الصوتيات الحيوية النباتية في جامعة بون في ألمانيا، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، فرانتيشيك بالوشكا (František Baluška): يزداد وضوح الأصوات الصادرة عن النباتات بعد تعرّضها لنوع من الإجهاد. لكن التجارب السابقة للصوتيات الحيوية النباتية كانت تقوم على الاستماع إلى النباتات من مسافة قريبة جداً لقياس الاهتزازات. في هذه الأثناء، تمكنت هداني وزملاؤها من التقاط أصوات النباتات في جميع أنحاء المكان.

النباتات تصدر أصواتاً عند تعرضها للإجهاد

في البداية، اختبر فريق الدراسة هذه الأفكار على نباتات الطماطم والتبغ، إذ تم ري بعض النباتات بانتظام، بينما تم إهمال البعض الآخر لعدة أيام، وهي عملية تحاكي ظروفاً شبيهة بالجفاف. أخيراً، تم قطع النباتات المتبقية من جذورها.

كان يبدو أن النباتات التي تخضع لظروف مثالية تزدهر وتنمو. لكن النباتات التي اقتُطعت والتي أُصيبت بالجفاف فعلت شيئاً غريباً: لقد كانت تصدر أصوات نقر كل بضع دقائق.

لكن بالطبع، إذا كنت تمشي في بستان طماطم أصابه الجفاف، أو إذا كنت تستخدم منجلاً لقطع أغصان الكرمة، فلن تسمع صراخ النباتات الحزينة. تصدر النباتات أصواتاً عبر الموجات فوق الصوتية: وهي ترددات عالية جداً لا تستطيع الأذن البشرية سماعها. لذلك من الصعب على الباحثين سماع هذه النقرات.
يقول عالم البيئة، الأستاذ في جامعة بريستول في المملكة المتحدة، والذي لم يكن مؤلفاً لهذه الورقة البحثية، دانييل روبرت (Daniel Robert): “لا يملك كل الناس المعدات اللازمة لإجراء اختبار الموجات فوق الصوتية، كما لا يستطيع الجميع فهم هذه الترددات العالية”.

3 نبتات طماطم في بيت بلاستيكي وأمامها مايكروفون
تسجيل أصوات 3 نبتات طماطم في بيت بلاستيكي. أوهاد لوين إبستاين (Ohad Lewin-Epstein)

كان الباحثون قادرين على تسجيل أصوات مماثلة في نباتات أخرى لم يتم ريّها، ومنها القمح والذرة وعنب النبيذ والصبار الشوكي والهنبيت (عشبة ربيعية منتشرة في نصف الكرة الشمالي).

اقرأ أيضاً: هل سمعت البكتيريا من قبل؟ علماء يكشفون الستار عن أصوات البكتيريا

ما مصدر أصوات تألم النباتات؟

يعتقد علماء الأحياء أن مصدر هذه النقرات قد يكون الأوعية الخشبية، أي الأنابيب التي تنقل المياه والعناصر الغذائية إلى النبات. تؤدي اختلافات الضغط إلى دخول فقاعات الهواء إلى السائل. لتكبر الفقاعات حتى تنفجر، وهذا الانفجار هو الصوت الذي التقطه العلماء. تسمى هذه العملية التكهف.

يدرس علماء الفيزياء والمهندسون عادةً عملية التكهف، ويعتبرونها دليلاً على حدوث ضرر ما غالباً. إذ يمكن أن يؤدي انفجار الفقاعات إلى حدوث عطب في المضخات والمراوح والتوربينات الهيدروليكية وغيرها من الأجهزة التي تعمل تحت الماء. ولكن من ناحية أخرى، يمكننا الاستفادة من عملية التكهف: على سبيل المثال، في أجهزة تنظيف المجوهرات بالموجات فوق الصوتية.

على الرغم من أنه من المعروف أن التكهف يحدث في النباتات في ظل ظروف معينة، (عندما تكون جافة مثلاً)، لكن العلماء ليسوا متأكدين من أن هذه العملية يمكن أن تفسر بشكل كلي أصوات النبات التي يسمعونها. يقول روبرت: “قد لا تكون هناك آلية واحدة فقط”.

يعتقد المؤلفون أن دراستهم يمكن أن تساعد المزارعين على الاستماع إلى النباتات من مسافة بعيدة ومراقبتها في البيوت البلاستيكية. وفي خطوة لدعم هذه الأفكار المستقبلية، قامت هداني وزملاؤها بتدريب نموذج التعلم الآلي لتحليل الموجات الصوتية وتمييز الأصوات التي تصدرها النباتات تبعاً للإجهاد الذي تتعرض له. إذ يمكن لهذا النوع من التكنولوجيا أن يعطي المزارعين تنبيهاً قبل فوات الأوان وذبول الخضار.

اقرأ أيضاً: اكتشاف البروتين الذي يغلق مسام النبات ضد مسببات الأمراض

الحيوانات قد تسمع صراخ النباتات

يعتقد روبرت أن الحيوانات، على عكس البشر، قد تكون قادرة بالفعل على سماع أصوات النباتات. على سبيل المثال، قد تنتقي الحشرات الأماكن المناسبة لهبوطها أو لوضع بيوضها من خلال الاستماع إلى أصوات تلك النباتات واختيار الأنسب منها بناء على صحتها.

يقول روبرت: “إذا كانت هناك خاصية يمكن ملاحظتها مثل الصوت (أو الضوء أو الحقول الكهربائية) في البرية، فإن بعض الكائنات الحية ستتطور لاستخدامها والاستفادة منها. ولهذا السبب نملك آذاناً”.

وإذا كان الأمر كذلك، فقد تكون هذه العملية عكسية، إذ قد تستجيب النباتات أيضاً للأصوات. لقد أظهر علماء مثل بالوشكا بالفعل أن النباتات يمكنها سماع الأصوات الخارجية. على سبيل المثال، تشير الأبحاث إلى أن بعض الشعيرات الورقية تتفاعل مع الاهتزازات الناتجة عن مضغ الديدان لها. وقد رأى الباحثون في المختبر أن أطراف جذور بعض النباتات تنمو عبر التربة في اتجاه الأصوات الواردة.

إذا كان الأمر كذلك، يعتقد بعض علماء الأحياء أن النباتات قد تكون لها حواس أكثر تطوراً مما كنا نعتقد.

يقول بالوشكا: “يجب أن تكون النباتات مدركة لما يجري حولها لأنها يجب أن تتفاعل كل لحظة مع تغيرات البيئة المستمرة. لذا، يجب أن تكون قادرة على فهم البيئة إلى حدٍ ما”.