هل قِصر القامة سببه سوء التغذية؟ وهل سنشهد ارتفاعاً في أعداد قصيري القامة؟

هل قِصر القامة سببه سوء التغذية؟ وهل سنشهد ارتفاعاً في أعداد قصيري القامة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ loveallyson
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتبر التقزم أو نقص الطول الخطي من أبرز عواقب سوء التغذية في مرحلة الطفولة وأكثرها انتشاراً على مستوى العالم، حيث إن بعض أسباب سوء التغذية خلال هذه المرحلة الحساسة ناجم عن البيئة الفقيرة، بينما بعضها الآخر ناجم عن الجهل، وهو قابل للوقاية إلى حدٍ كبير.

إضافة إلى التقزم، يستمر الجدل عموماً حول ما إذا كان الأطفال المعرضون لسوء التغذية قبل سن 24 شهراً قادرين على اللحاق بالنمو والوظائف المعرفية لأقرانهم في وقت لاحق من حياتهم، إذ تعد العواقب الجسدية المحتملة التي تصاحب ذلك عقبة أمام التنمية البشرية، وهذا ما ركّزت عليه هذه الورقة البحثية التي ترأسها الطبيب أشرف سليمان، وهو أخصائي أطفال في مستشفى حمد العام في قطر.

كما شارك في هذه الورقة البحثية إلى جانب الطبيب أشرف مجموعة من أخصائي طب الأطفال الذين يعملون في مستشفى حمد العام في قطر، وعلى رأسهم ندى الأعرج وشيماء أحمد وفوزية اليافعي ونور حامد، إضافةً إلى ندى سليمان التي تخرجت من جامعة نورث داكوتا الأميركية كباحث مُساعد.

ما هو التقزم الغذائي؟

التقزم الغذائي هو تأثر نمو الطفل خلال الحمل وحتى السنة الرابعة من عمره بسوء تغذية الأم خلال الحمل وتغذيته بعد الولادة، نظراً لأنها من المحددات الرئيسية للنمو. ونقول إن الطفل يعاني من التقزم عندما يقل طوله بالنسبة لعمره وجنسه بمقدار انحرافين معياريين عن الطول الطبيعي عندهما، وإذا كان الفارق يعادل 3 انحرافات معيارية أو أكثر عندئذ نقول إن الرضيع يعاني من تقزم شديد.

وقد يخالط الالتباس مصطلحي التقزم والهزال، فالهزال هو النحافة الشديدة بالنسبة للطول، وينتج الهزال عن النقص الحاد في الغذاء أو المرض الحاد، بينما التقزم يكون ناتجاً عن سوء تغذية مزمن. لهذا تكون العواقب والآثار السلبية للهزال قابلة للعكس بينما تكون لا رجعة فيها في التقزم. 

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: للبشر المتشابهين بالشكل السلوكيات والجينات نفسها

إحصائية تحدد دور سوء التغذية في الطفولة والمراهقة على النمو

جُمعت بيانات 57 مسحاً لسكان البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بين عامي 2003 و2013 في هذه الورقة البحثية التي نُشرت في دورية المكتبة الوطنية الأميركية للعلوم الطبية، وقُدر مجمل عدد الأطفال والمراهقين بـ 129,276 تتراوح أعمارهم بين 12-15 عاماً.

بعد البحث، تبين أن نسبة المصابين بالتقزم بين صفوف المراهقين كانت 10.2%، بينما بلغت نسبة النحافة 5.5%، الأمر الذي يعتبر مهماً عندما نقارن هذه النتائج بنسبة انتشار التقزم بين مراهقي أوروبا التي تبلغ 4.5% فقط، الأمر الذي يؤكد الدور الذي يؤديه سوء التغذية في تحديد النمو الأعظمي للأطفال والمراهقين.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تسهم في تفسير الاختلافات في أطوال البشر

عواقب التقزم الغذائي القصيرة والطويلة الأمد

بعض عواقب تقزم الأطفال فوري وبعضها الآخر طويل الأمد وبحاجة إلى سنين للبحث والدراسة لإحصائه. وبشكلٍ عام تشمل المضاعفات القصيرة الأمد زيادة معدل وفيات الرضع، وخاصة الذين يولدون ناقصي الوزن، كما يزداد شيوع الاعتلال وضعف نمو الرضيع.

وفي المراحل العمرية الأكبر، يكون الطفل الذي يعاني من التقزم ذا قدرات تعليمية ومهارات معرفية محدودة مقارنة بأقرانه، كما تزداد فرص حدوث الإنتانات والأمراض غير المعدية لديه. وأبعد من ذلك، يكون الأطفال المصابون بالتقزم أكثر عرضة لتراكم الدهون في وسط الجسم، الذي بدوره يزيد من مقاومة الإنسولين ويرفع خطر الإصابة بداء السكري وضغط الدم والاضطرابات الاستقلابية وشحميات الدم.

كما كانت الشهية عند المراهقين المصابين بالتقزم أعلى، والسبب يعود لأن الإشارات التي تتحكم في الوزن وتناول الطعام معقدة وذات مسارات متداخلة مع الوطاء أو ما تحت المهاد، الذي يتأثر بالحالة التغذوية بما في ذلك الفقر وسوء التغذية أثناء الحمل، جاعلاً الجسم على أهبة دائمة للتصدي للمجاعة في حال حدوثها، ما يؤدي إلى تفعيل مراكز التخزين الشحمية في الجسم.

كما أن سوء التغذية يعني نظاماً غذائياً فقيراً بالبروتين، وهذا يعني انخفاضاً كبيراً في الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاج إليها الأطفال على وجه الخصوص للنمو، والتي يؤثّر نقصها سلباً في النمو من خلال تأثيرها على مسار الراباميسين الحساس لتوافر الأحماض الأمينية، حيث يُشرف هذا المسار على تنظيم نمو الصفيحة الغضروفية والعضلات والهيكل العظمي والنخاع الشوكي.

 هل سنشهد انتشاراً في معدل قِصر القامة مستقبلاً؟

يرتبط التقزم الناجم عن سوء التغذية المزمن عند الأطفال بانخفاض إنتاج عامل النمو الشبيه بالإنسولين 1، ويترتب على ذلك انخفاض في توافر الطاقة بنسبة 50%، وتوافر البروتين بنسبة 33%. 

من جهةٍ أخرى، تترتب على انخفاض إنتاج العامل الشبيه بالإنسولين زيادة معاوِضة في إنتاج هرمون النمو. وعلى الرغم من أن هذه الزيادة تُسرّع من عملية النمو، فإنها تُسرّع بالمقابل من البلوغ، ويرتبط البلوغ بتعظم غضاريف النمو الذي بدوره يؤثّر في الطول مستقبلاً.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: اضطرابات النوم تضاعف خطر الإصابة بالسكتة الدماغية

يجيبنا هذا عن الاستفسار فيما إذا كنا سنشهد نقصاناً في معدلات الطول في المستقبل، فإن استمرت المناطق الفقيرة بإهمال تطبيق السياسات التي تدعم صحة الأم الحامل العامة والغذائية بشكلٍ خاص، والرضع والأطفال لحين 4 سنوات، فربما سنشهد فارقاً ملحوظاً في حظ النمو بين سكان المناطق الجغرافية المختلفة. لهذا السبب يجب أخذ علاج الأطفال الذين يعانون من التقزم كأولوية في الصحة العامة.