يصيب داء ألزهايمر الأشخاص الذين يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكثر، حيث يعتبر الشكل الأشيع من أشكال الخرف التنكسي المُسبب للاضطراب المعرفي. وعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة لفهم أسباب الإصابة بداء ألزهايمر، لا تزال الأسباب غير واضحة، علماً أنه تم تحديد مجموعة من عوامل الخطر التي تزيد من فرص الإصابة. إلّا أن جميع تجارب العقارات الدوائية لتأخير ظهور أعراض المرض أو تراجعها باءت بالفشل، حيث ازدادت الوفيات الناجمة عن مرض ألزهايمر بنسبة 145% خلال العام الماضي.
هناك مجموعة من الأفكار الراسخة غير الدقيقة حول داء ألزهايمر حتّى اعتُبر المرض نتيجة لا مفر منها للشيخوخة، وأن العوامل الوراثية فقط هي من تتحكم في تسريعها أو تأخيرها. لكن توجهت أبحاث العقد الماضي نحو دراسة دور عوامل نمط الحياة كالنظام الغذائي والرياضة في تحديد المخاطر.
اقرأ أيضاً: كل ما تود معرفته عن مرض ألزهايمر
العوامل المؤثرة في حدوث داء ألزهايمر
يدعم "ريتشارد إيزاكسون"، مؤسس عيادة الوقاية من مرض ألزهايمر في وايل كورنيل ومستشفى نيويورك، فكرة أنه يمكن تجنب مرض ألزهايمر من خلال تعديل نمط الحياة، بما في ذلك الطعام الذي نتناوله والنشاط البدني الذي نمارسه، ويقول في ذلك: "هذه العوامل تؤخر لكنها لا تمنع بالكامل، فمثلما لا يمكنك منع حدوث النوبة القلبية أو السكتة الدماغية بشكل نهائي، لا يمكنك أيضاً منع حدوث داء ألزهايمر بشكل مُطلق، إلّا أن منع وقوع حالة واحدة بين كل ثلاث حالات أو تأخيرها كفيلٌ بدعم هذه الدراسات".
ثلثا مرضى الزهايمر من النساء، لكن ما السبب؟
افتُرض سابقاً أن هذا يعود إلى أن النساء تكون أعمارهن أطول من الرجال، الأمر الذي يمنح المرض مزيداً من الوقت لكي يظهر. إلّا أن بحث إيزاكسون كشف عن نظرية أخرى وهي أن بوادر داء ألزهايمر تبدأ بالظهور لدى بعض النساء في الفترة الانتقالية لسن اليأس قبل انقطاع الطمث، الأمر الذي يضع الاضطرابات الهرمونية وتراجع الهرمونات الأنثوية كالأستروجين والبروجسترون في دائرة الاتهام.
اقرأ أيضاً: لديك الكثير لتعلمه لأحفادك، وهو ما قد يفسر سنّ اليأس
تمت دراسة آثار انقطاع الطمث على أدمغة القوارض لعقود، إلّا أن هذه الأبحاث لم تُدرس بالشكل الكافي على أدمغة البشر بعد. توصلت الباحثة "ليزا موسكوني"، باحثة في العلوم العصبية من جامعة فلورنس الإيطالية، إلى أن آثار سن اليأس لا تقتصر فقط على جفاف الجلد وتساقط الشعر وزيادة الوزن، بل تطال مكونات الجهاز العصبي محدثةً "شيخوخة في الدماغ" حيث تشيخ الخلايا العصبية بشكل أسرع.
قامت موسكوني بالتعاون مع إيزاكسون بإجراء فحوصات متعددة بالرنين المغناطيسي للنساء في فترة ما حول سن اليأس للبحث في وجود أي ضمور في الدماغ أو تلف في الأوعية الدموية. كما تم إجراء التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني لفحص مستويات طاقة الدماغ والبحث عن لويحات مرض ألزهايمر.
أظهرت النتائج أن أدمغة النساء في منتصف العمر أظهرت بوادر خطر الإصابة بداء ألزهايمر أكثر من الرجال، حيث كان الرجال ممن تراوحت أعمارهم بين 40 و60 عاماً في حالة جيدة، بينما لوحظ انخفاض في طاقة الدماغ وزيادة في لويحات داء ألزهايمر عند النساء أثناء انتقالهن من مرحلة ما قبل انقطاع الطمث إلى انقطاع الطمث بالكامل.
اقرأ أيضاً: هل هناك علاقة بين ارتفاع معدل سكر الدم والكوليسترول والإصابة بداء ألزهايمر؟
دور تراجع الأستروجين في حدوث داء ألزهايمر
وجهت نظرية موسكوني أصابع الاتهام نحو هرمون الأستروجين، الذي تنخفض مستوياته بشكل كبير أثناء انقطاع الطمث وعند الدخول في سن اليأس. تقول موسكوني بخصوص ذلك: "هرمون الأستروجين هو هرمون يحمي الأعصاب، ولذا يترك تراجع مستوياته الدماغ أكثر عرضة لخطر الإصابة باعتلال الأعصاب وتنكس الخلايا العصبية".
كانت "روبرتا برينتون"، مديرة المركز البحثي في علوم الدماغ بجامعة أريزونا، قد شاركت هذا الرأي منذ ثلاثين عاماً، حيث كانت أول باحثة تدرس استنفاد هرمون الأستروجين في أدمغة القوارض خلال فترة الانتقال من فترة ما قبل انقطاع الطمث إلى انقطاع الطمث التام. تقول برينتون: "سن اليأس يشابه سن البلوغ بشكل كبير من ناحية تغير بنية الدماغ، إذ أن فقدان الأستروجين يعني انخفاض استقلاب الغلوكوز في الدماغ بنسبة 20-25%، وكما نعلم يعتبر الغلوكوز الوقود الأساسي لتزويد الدماغ بالطاقة".
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تربط بين نمط الحياة وانخفاض معدلات الإصابة بالخرف بين سكان الأمازون الأصليين
ومع ذلك، تؤكد الباحثتان أن العلاقة ليست سببية، فعلى الرغم من ارتباط انقطاع الطمث بظهور أعراض داء ألزهايمر في دماغ الأنثى بشكل أبكر مقارنةً بدماغ الرجل، إلّا أن موسكوني تقول: "إن سن اليأس هو محفز أكثر منه سبب، ليس فقط لداء ألزهايمر، بل لضبابية التفكير والأداء المعرفي بشكل عام".
بعد تحديد عامل الخطر، هل من الممكن تجنب الإصابة؟
تعتقد موسكوني أن تطوير طرق علاج داء ألزهايمر والبدء به عند النساء اللاتي ما زلن في حالة ذهنية وإدراكية جيدة أفضل من البدء بالعلاج بعد تقدم الأعراض. إلّا أن العوائق لا تزال قائمة أمام الاكتشاف المبكر والعلاج الوقائي، ولا سيما في ظل نقص المعلومات حول الآلية المرضية للمرض ودور الأستروجين في حماية الأعصاب، ولكن هل من الممكن العلاج بالأستروجين للوقاية من التنكس العصبي والإصابة بداء ألزهايمر؟
هناك العديد من العوامل المعقدة في العلاج التقليدي بالأستروجين المتناول عن طريق الفم، إذ أنه لا يوصل المستويات المطلوبة إلى الدماغ فلا يؤمن بذلك الحماية المطلوبة للأعصاب والخلايا الدماغية. وبالمقابل، يحمل العلاج بالأستروجين من خطر الإصابة بمجموعة من السرطانات مثل سرطان بطانة الرحم والثدي.
اقرأ أيضاً: دليلك إلى هرمون الإستروجين المتهم في أمراض النساء
بالتالي، وتجنباً لأي أخطار مُحتملة، تعمل برينتون بمساعدة موسكوني على تطوير مكمل هرمون الأستروجين الذي يمكن حقنه مباشرة في الدماغ البشري، كما تم ابتكار تقنية جديدة لتصوير الدماغ لمراقبة آثار هذا الحقن. أكدت موسكوني أنها تؤمن بأن هذا العلاج سيفتح آفاق واسعة في العلوم العصبية والهرمونية وقالت: "قبل تجربته على أي امرأة أخرى، سأجربه على دماغي أولاً".