يُقدّر عدد المصابين بداء باركنسون بأكثر من 10 ملايين مصاب حول العالم، وذلك حسب إحصائيات مؤسسة باركنسون، وهذا يعني أن أكثر من 10 ملايين حياة متأثرة بهذا الداء. لهذا، ازداد التركيز مؤخراً على تطوير العلاجات، إلّا أنه بخضم العلاجات وحتى الفعّالة منها هناك قطعة مفقودة وهي كيف لنا أن نُقدّر مدى فاعلية العلاجات على وجه الدقة؟ وهل تكفي المراقبة البشرية؟
للإجابة عن هذا السؤال، قامت مجموعة من الباحثين من جامعة أوكسفورد البريطانية بمقارنة فاعلية المراقبة البشرية مع فاعلية استخدام أجهزة التتبع الإلكترونية القابلة للارتداء في تمييز التغيرات الطفيفة في حركة الأفراد المصابين بداء باركنسون.
اقرأ أيضاً: الأطباء يسجلون الموجات الدماغية للمرضى بهدف فهم الآلام المزمنة
الأجهزة الإلكترونية تتفوق في مراقبة داء باركنسون على البشر
نُشرت الورقة البحثية في دورية "نيتشر" (Nature)، التي أكد الباحثون المشاركون فيها، ومن ضمنهم الطبيبة كريستالينا أنطونياديس (Chrystalina Antoniades) وهي باحثة في علوم الأعصاب السريرية من جامعة أوكسفورد، أن النتائج التي تم التوصل إليها ليست علاجاً لمرض باركنسون، بل وسيلة لمساعدة الأطباء والباحثين على تحديد فيما إذا كانت الأدوية الجديدة وغيرها من العلاجات فعّالة أمْ لا ومقارنة الفاعلية بين المرضى.
جُمِعت البيانات بعد تتبع 122 من أجهزة التتبع الإلكترونية التي يرتديها مرضى داء باركنسون، باستخدام خوارزميات التعلم الآلي المدربة لتحليل البيانات المستمدة من أجهزة الاستشعار، إذ وضعت أجهزة التتبع على الصدر وأسفل العمود الفقري بالإضافة إلى المعصم والقدم، حيث كانت هذه الأجهزة قادرة على تحديد شدة الاهتزازات والاتجاه الذي تحركت به إصبع القدم في أثناء الخطوة، بالإضافة إلى طول وانتظام الخطوات. والأمر الذي ساعد على رصد العلامات الحيوية هو أن أجهزة التتبع مزودة بمستشعرات ومقاييس التسارع والجيروسكوبات، كتلك التي تُستخدم في الساعات الرقمية والهواتف الذكية.
بينّت النتائج أن مراقبة تطور الأعراض الحركية لدى مرضى الاضطرابات العصبية مثل داء باركنسون كانت أكثر دقة من المراقبة البشرية، حيث كانت أجهزة التتبع قادرة على رصد زيادة الحركات والاهتزازات التي يعانيها مرضى باركنسون أو غيابها، ما يجعلها أكثر موثوقية في تقديم فكرة أدق في تحديد مدى نجاح التدخلات العلاجية، وخاصةً أن الأطباء يحتاجون إلى أن يكونوا واثقين في تقييمهم لكيفية تقدم المرض لدى المرضى جميعهم.
اقرأ أيضاً: امرأة تتمكن من شمّ رائحة مرض باركنسون قبل تشخيص زوجها به بعشر سنوات
ما الآفاق المستقبلية لنتائج البحث؟
النتائج التي تم التوصل إليها على درجة كبيرة من الأهمية؛ فتطوير دواء جديد لمرض مثل باركنسون ليس سهلاً، فكل دواء مطروح يخفي وراءه سنوات من التعب في مراحل التطوير إلى مراحل الاستخدام السريري ما يتطلب موارد هائلة. والفكرة الجوهرية أنه مع مرض لا يمكن التنبؤ به مثل باركنسون هناك العديد من الأدوية التي تبدو واعدة في المختبر ليتبين لاحقاً أنها لا تعمل مع المرضى، لهذا السبب يحمل هذا البحث أملاً واعداً في تسريع فترة دراسة فاعلية الأدوية وتسريع عملية تطويرها أو التوقف عن العمل عليها، ما يعتبر موفراً لكلٍّ من الوقت والموارد.
وبما يتعلق باستخدام تقنيات التتبع هذه مع أمراض أخرى، قالت الطبيبة أنطونياديس إنها متفائلة بشأن إمكانية استخدام مثل هذه المجسات لتتبع أمراض أخرى بما فيها داء ألزهايمر وغيره من الأمراض التي تتطلب الجمع بين الهندسة الحيوية والعلوم السريرية وعلم الحركة لفهمها وفهم تطورها بشكلٍ أفضل.
هل تعني النتائج التخلي عن المراقبة البشرية تماماً؟
قالت الطبيبة أنطونياديس بخصوص تقييم مرضى باركنسون: "في الوقت الحالي، يستخدم الأطباء مقاييس تصنيف تعتمد على الفحص البدني لتقييم الأعراض الرئيسية لمرضى باركنسون، ما يجعلنا نواجه مشكلة وهي وجود عنصر من الذاتية في التقييم، إذ قد لا يقدّم الأطباء المختلفون درجات متطابقة". مشكلة أخرى تحدثت عنها أنطونياديس وهي أن مقاييس التقييم تلك ليست متباعدة بشكل متساوٍ، فالفرق بين الدرجات 30 و40 على مقياس التصنيف قد لا يكون ذاته بين 40 و50 على سبيل المثال، ما يزيد احتمال الخطأ وتأخر التشخيص.
اقرأ أيضاً: هل هناك علاقة بين ارتفاع معدل سكر الدم والكوليسترول والإصابة بداء ألزهايمر؟
ومع ذلك أضافت: "الأطباء البشريون سيظلون جزءاً حيوياً من العملية حيث تُكمّل أجهزة الاستشعار ملاحظات الأطباء، وأرى أن هذا سيعزز قدرة الطبيب على القيام بالأمر بشكلٍ صحيح حتى"؛ إذ يمكن للأطباء استخدام الأساليب الجديدة الموضحة جنباً إلى جنب مع مقاييس التصنيف السريرية التقليدية، لتحسين دقة التشخيص من جهةٍ، ولتتبع تطور داء باركنسون من جهةٍ أخرى.