الأطباء يسجلون الموجات الدماغية للمرضى بهدف فهم الآلام المزمنة

الأطباء يسجلون الموجات الدماغية للمرضى بهدف فهم الآلام المزمنة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ marymyyr
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتحسس البشر الألم بطرق مختلفة. يستطيع البعض تحمّل جلسات الوشم التي تدوم ساعات، بينما يتألم آخرون كثيراً إذا وُخزت أصابعهم. نظراً لأن الألم ذاتيّ، واجه الأطباء صعوبات كبيرة في تقييم حالة المرضى الذين يعانون من الألم المزمن ومعالجتهم.

والآن، نجح أطباء الأعصاب في استخدام الإشارات الدماغية للأفراد للتنبؤ بمقدار الألم الذي يعانون منه بدقة. كشفت الدراسة الجديدة الضيقة ولكن غير المسبوقة التي نُشرت بتاريخ 22 مايو/ أيار 2023 في مجلة نيتشر نوروساينس (Nature Neuroscience) عن أدلة واضحة في الأمواج الدماغية يمكن استخدامها لقياس شدّة الألم المزمن موضوعياً ومقارنتها بالألم الحاد.

فهم الاختلافات بين الألم المزمن والألم الحادّ

الدراسة الجديدة هي جزء من تجربة سريرية أوسع تهدف إلى تطوير أساليب المعالجة الشخصية المبنية على تحفيز الدماغ، والتي يمكن أن تساعد الأميركيين الذين يعانون من الألم المزمن البالغ عددهم 51.6 مليون على التعامل مع هذه الحالة. بيّنت دراسة حديثة أخرى نُشرت في مجلة شبكة الجمعية الطبية الأميركية المفتوحة (JAMA Network Open) أن معدل الإصابة بالألم المزمن في الولايات المتحدة كان مرتفعاً مثل معدل انتشار المشكلات الصحية الشائعة الأخرى كمرض السكري والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم.

تقول طبيبة الأعصاب في معهد باسيفيك لعلوم الأعصاب في ولاية كاليفورنيا (Pacific Neuroscience Institute)، أكانكشا شارما (Akanksha Sharma)، التي لم تشارك في الدراسة الجديدة: “تمكّن مؤلفو الدراسة الجديدة من فهم الاختلافات بين تجربتي الألم الحاد والألم المزمن على المستوى العصبي وتصورهما لأول مرة. هذا إنجاز جديد ومهم؛ إذ يساعدنا على تعلّم كيفية تحسّس الدماغ البشري للألم الحاد والألم المزمن ومعالجتهما وفي أي مناطق يحدث ذلك، وفهم كيفية تغيّر بنية الدماغ استجابة للألم المزمن”.

اقرأ أيضاً: 5 أمراض تصيب مراكز اللغة في الدماغ

دعا مؤلفو الدراسة 4 أشخاص يعانون من الألم الطويل الأمد الخارج عن السيطرة، كان 3 منهم يتعافون من السكتة الدماغية بينما كان الأخير مصاباً بمتلازمة الطرف الشبحي، للخضوع لعملية زراعة أجهزة لتتبّع النشاط العصبي لديهم. فشلت جميع الأساليب العلاجية السابقة في التخفيف من الألم الذي يعاني منه المشاركون. يقول طبيب الأعصاب المتخصص في طب الآلام في جامعة كاليفورنيا في مدينة سان فرانسيسكو والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، براساد شيرفالكار (Prasad Shirvalkar): “جرب المشاركون الأدوية والحقن ولم يستفيدوا، وكانت العمليات الجراحية الدماغية الملاذ الأخير بالنسبة لهم.

التحفيز العميق للدماغ

خضع المشاركون لعملية تَحمِل اسم التحفيز العميق للدماغ، وهي عبارة عن إجراء طبي يعمل مثل منظّم ضربات القلب ولكن في الدماغ. زرع الفريق الطبي أقطاباً كهربائية في مناطق محددة لاستشعار النشاط الكهربائي وتسجيله في منطقتين ضمن الدماغ ترتبطان بالألم؛ القشرة الحزامية الأمامية والقشرة الجبهية الحجابية. تُستخدم هذه التقنية بشكل شائع لدراسة الحالات العصبية مثل الصرع ومرض باركنسون، ولكنها لم تُختبر من قبل في دراسة الألم المزمن.

أجاب المشاركون عن الاستطلاعات حول شدة آلامهم ونوعها لمدة 3-6 أشهر. وبعد الانتهاء من الاستطلاعات مباشرة، استخدم المشاركون أجهزة للتحكم بالأقطاب الكهربائية المزروعة وتسجيل نشاطهم الدماغي. بعد ذلك، صمم الباحثون نماذج حاسوبية باستخدام التسجيلات وإجابات المشاركين في الاستطلاعات، وحسبت هذه النماذج درجات لشدة الألم لكل مشارك. ساعدت التغيرات على تحديد ما أسماه الباحثون العلامات العصبية المخصصة أكثر من أي منطقة دماغية أخرى.

(هذه العلامات هي درجات شدّة الألم) صورة أمامية بالأشعة السينية لأحد المشاركين في الدراسة، تُظهر الأقطاب المزروعة لتسجيل النشاط الدماغي (البقع باللون الأحمر) المتصلة بأجهزة تحفيز الدماغ وتسجيل نشاطه ثنائية الاتجاه المزروعة على كلا الجانبين. براساد شيرفالكار
(هذه العلامات هي درجات شدّة الألم) صورة أمامية بالأشعة السينية لأحد المشاركين في الدراسة، تُظهر الأقطاب المزروعة لتسجيل النشاط الدماغي (البقع باللون الأحمر) المتصلة بأجهزة تحفيز الدماغ وتسجيل نشاطه ثنائية الاتجاه المزروعة على كلا الجانبين. براساد شيرفالكار

تقول شارما: “يمكن أن تساعد هذه المعلومات على تطوير المزيد من الخيارات العلاجية المخصصة للمرضى. “إذا تمكنا من “رؤية” تجربة الألم التي يمر بها المريض بشكل موضوعي، يمكننا تعديل تلك المناطق من الدماغ من خلال تدخلات جديدة تهدف لتخفيف الألم أو تغيير طريقة الشعور به”.

اقرأ أيضاً: التعرض للضوضاء المرورية يرتبط بارتفاع مخاطر الإصابة بالخرف

دور القشرة الجبهية الحجابية في تجربة الألم

بيّنت تسجيلات نشاط الدماغ أيضاً فروقاً بين الألم المزمن والألم الحاد. كانت علامات الألم المزمن أكثر ارتباطاً بالتغيرات في النشاط العصبي للخلايا العصبية في القشرة الجبهية الحجابية. وفقاً لشيرفالكار، لم يدرس الباحثون دور هذه المنطقة من الدماغ في تجربة الألم بما يكفي. من ناحية أخرى، تشتهر القشرة الحزامية الأمامية بدورها في إدراك الألم ومعالجته في جميع أنحاء الجسم. ووجد الباحثون أنها أكثر ارتباطاً بالألم الحاد.

علم مؤلفو الدراسة الجديدة أنهم لا يستطيعون تطبيق أنواع النشاط الدماغي المستخدمة في رسم مخططات الألم الحاد في الأبحاث العلاجية على الألم المزمن في العالم الحقيقي. يقول شيرفالكار: “الألم المزمن ليس نوعاً أكثر ديمومة من الألم الحاد؛ إذ إنه ظاهرة دماغية مختلفة جوهرياً وله داراته العصبية المختلفة”.

يمكن أن يساعد فهم الاختلافات في البنية العصبية بين أدمغة المرضى الذين يعانون من الآلام الحادة وأولئك الذين يعانون من الآلام المزمنة على دفع تطوير علاجات تحفيز الدماغ المخصصة لأشد أنواع الآلام إلى الأمام. يقول الطبيب المتخصص في إدارة الألم في مركز ميموريال كير أورانج كوست الطبي في ولاية كاليفورنيا (MemorialCare Orange Coast Medical Center)، مدحت مياكاييل (Medhat Mikhael)، الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، إن النتائج الجديدة ستساعد على علاج أصعب حالات الألم المزمن، خاصة تلك الناجمة عن السكتات الدماغية وإصابات الدماغ.

اقرأ أيضاً: ماذا تعلّمنا أدمغة النحل النشيط عن التطور البشري؟

على الرغم من أن شارما تعتقد أن النتائج الجديدة مهمة، فإنها تنصح بتوخّي الحذر في تفسير البيانات وتعميمها على حالات آلام الأعصاب جميعها، وذلك نظراً لأن الدراسة الجديدة شملت 4 أشخاص فقط. يقول مؤلفو الدراسة إن هدفهم التالي هو إجراء التجربة على 6 مرضى ثم الانتقال إلى تجارب المرحلة الثانية التي ستشمل 20 أو 30 مريضاً. يتعرض المشاركون أيضاً إلى خطر حدوث مضاعفات بليغة تؤثر في استمرارية الحياة بسبب عمليات الزراعة الجراحية في الدماغ. يقول شيرفالكار إن الأساليب غير الباضعة في الوقت الحالي، مثل تخطيط كهربية الدماغ والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، لا تسجّل النشاط الدماغي لفترات طويلة من الزمن. مع ذلك، فهو يأمل أن تتمكن شركات التكنولوجيا يوماً ما من صنع أجهزة صغيرة يمكن ارتداؤها لتتبع الموجات الدماغية.

قالت المديرة التنفيذية ومؤسِّسة المركز الوطني للحماية من الألم (National Pain Advocacy Center)، كيت نيكلسون (Kate Nicholson)، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع بوبساي: “يعتمد علاج الألم على التقارير الذاتية، أو على الطريقة التي يصف فيها المريض الألم لمقدمي الرعاية. لا يثق مقدمو الرعاية بجميع التوصيفات التي يقدمها المرضى، كما أنهم لا يتعاملون مع أنواع الآلام جميعها بالطريقة نفسها. لهذه الأسباب، فإن البحث عن أنماط ظاهرية ومقاييس موضوعية للألم هو موضوع البحث الجوهري في مجال علاج الألم. ويبدو أن التدابير الموضوعية [مثل تلك المكتشفة في الدراسة الجديدة] واعدة في إحداث تغيير نوعي في مجال تقييم الألم وعلاجه إذا كانت صحيحة وثبتت فعاليتها”.