دراسة جديدة: أدمغة المصابين باضطراب ما بعد الصدمة تسترجع التجارب السابقة بطريقة مختلفة

4 دقيقة
دراسة جديدة: أدمغة المصابين باضطراب ما بعد الصدمة تسترجع التجارب السابقة بطريقة مختلفة
فحص الباحثون في الدراسة المرضى باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي مثل هذا المبين في الصورة. التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي هو وسيلة غير باضعة لقياس النشاط الدماغي وتخطيطه. غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يشير بحث جديد إلى أن الذكريات المؤلمة للمرضى المصابين باضطراب ما بعد الصدمة تُمثّل بطريقة مختلفة تماماً في الدماغ عن ذكريات التاريخ الشخصي الحزينة “العادية”. تدعم نتائج دراسة ضيقة نُشرت بتاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في مجلة نيتشر نيوروساينس (Nature Neuroscience) الفكرة التي تنص على أن الذكريات المؤلمة تمثّل كينونة معرفية مختلفة عن الذكريات السيئة العادية. قد تفسّر هذه الفكرة بيولوجياً لماذا يتجلّى استرجاع الذكريات المؤلمة في ظهور الأفكار الاقتحامية المختلفة عن الذكريات السلبية الأخرى.

أجرى الدراسة الجديدة فريق من مدرسة إيكان للطب في ماونت سيناي في ولاية نيويورك الأميركية وجامعة ييل. ونظرت في الذكريات الشخصية الواقعية للمرضى في محاولة لربط تجاربهم في الحياة بوظائف الدماغ.

اقرأ أيضاً: دراسات جديدة تبين الأهمية الكبيرة لهذه المنطقة من دماغ الإنسان

ظهور الأفكار الاقتحامية كصورة عن الذكريات المؤلمة

قالت عالمة الأعصاب في مدرسة إيكان للطب في ماونت سيناي والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، دانييلا شيلر، في بيان صحفي: “تتجلّى عملية استرجاع الذكريات المؤلمة لدى المصابين باضطراب ما بعد الصدمة غالباً في ظهور الأفكار الاقتحامية المختلفة جداً عن عملية معالجة الذكريات السلبية ‘العادية’.

ولكن حتى الآن، لم يتوصّل الباحثون إلى فهم عميق للأسباب العصبية البيولوجية وراء هذا الاختلاف النوعي. تشير البيانات التي توصلنا إليها إلى أن الدماغ لا يعالج الذكريات المؤلمة مثل الذكريات العادية، وربما أنه لا يعالجها على أنها ذكريات على الإطلاق. لاحظنا أن مناطق الدماغ المعروفة بأنها تؤدي دوراً في معالجة الذكريات لا تنشط عند تذكّر التجارب المؤلمة”.

قالت شيلر لصحيفة نيويورك تايمز إن الدماغ يمكن أن يكون في حالة مختلفة عند استرجاع ذاكرتين مختلفتين، ويعتمد ذلك على نوع الذاكرة التي تُسترجع. يبدو أن الدماغ يعالج تجربة ما تحدث في الحاضر بدلاً من الماضي عند تذكّر الأحداث الصادمة.

اقرأ أيضاً: ظاهرة تحدث لأول مرة: العثور على دودة طفيلية حية في دماغ امرأة أسترالية

ما اضطراب ما بعد الصدمة؟

قد يصيب اضطراب ما بعد الصدمة الأشخاص الذين مرّوا بحدث صادم أو شهدوه (أو سلسلة من الأحداث أو مجموعة من الظروف). يقول الخبراء في الجمعية الأميركية للطب النفسي إن اضطراب ما بعد الصدمة قد يؤثر في الصحة النفسية والجسدية والاجتماعية و/أو الروحية. تتضمن الأحداث التي يمكن أن تتسبب باضطراب ما بعد الصدمة الكوارث الطبيعية والحروب أو القتال والاعتداء الجنسي والعنف بين الشركاء والتنمّر.

وفقاً لمؤسسة مايو كلينك، تُصنّف أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عموماً في 4 فئات. وهي الذكريات الاقتحامية والتجنّب والتغيّرات السلبية في التفكير والمزاج والتغيّرات في ردود الفعل الجسدية والعاطفية. قد تختلف الأعراض كثيراً تبعاً للمريض، وهي تشمل استرجاع الذكريات الخاطفة وتجنّب الأماكن المحددة أو الأشخاص المعيّنين واليأس. بالإضافة إلى ذلك، قد تختلف هذه الأعراض بمرور الوقت.

وفقاً لبيانات وزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية، سيصاب نحو 6% من الأميركيين باضطراب ما بعد الصدمة في مرحلة ما من حياتهم. يتعافى الكثيرون من هذا الاضطراب، ولن تنطبق عليهم المعايير التشخيصية التي تجعلهم مؤهلين لتلقّي العلاج عندها. يشمل بعض علاجات اضطراب ما بعد الصدمة العلاج السلوكي المعرفي وعلاج المعالجة المعرفية. هناك أيضاً 4 أنواع من الأدوية لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة (وهي سيرترالين وباروكسيتين وفلوكسيتين وفنلافاكسين)، ويتطلّب تناولها الحصول على توصية مشروطة.

اقرأ أيضاً: العلاج السلوكي لاضطراب ما بعد الصدمة لا يسبب انتكاسة المخدرات

ما مناطق الدماغ التي يؤثّر فيها اضطراب ما بعد الصدمة؟

بيّنت الدراسات السابقة أن المنطقة في الدماغ التي تحمل اسم الحصين تتحكم في تشكيل ما يدعى بالذاكرة العرضية واسترجاعها. يرتبط اضطراب ما بعد الصدمة بوجود عيوب بنيوية في الحصين أكثرها شيوعاً هو انخفاض حجمه. يركّز الباحثون الذين يدرسون تأثير هذا الاضطراب في الدماغ على الاختلالات في العمليات التي يجريها الحصين.

تؤدي منطقة أخرى تحمل اسم القشرة الحزامية الخلفية دوراً مهماً في الفهم السردي للذكريات ومعالجتها. وهي تؤدي أيضاً دوراً مهماً بصورة خاصة في تصوّر الذكريات ذات الأثر العاطفي الأكبر. ترتبط التعديلات التي تطرأ على وظيفة القشرة الحزامية الخلفية وقدرتها على الاتصال بمناطق الدماغ الأخرى باضطراب ما بعد الصدمة كما ترتبط وظيفة الحصين به.

التمييز بين الذكريات المؤلمة والذكريات الحزينة

تحقق الفريق في الدراسة الجديدة إن كان الحُصين والقشرة الحزامية الخلفية يفرقّان بين ذكريات التاريخ الشخصي المؤلمة والذكريات الحزينة، وكيف يحدث ذلك. استخدم الباحثون تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لفحص أدمغة 28 مشاركاً من المصابين باضطراب ما بعد الصدمة.

وطرحوا على المشاركين مجموعة من الأسئلة. تتعلق هذه الأسئلة بالتجارب المؤلمة والأحداث الحزينة التي مرّ بها المشاركون، وباللحظات التي شعروا فيها بالاسترخاء. كتب أحد أعضاء الفريق قصة كل مشارك ثم قرأها أمامه في أثناء تصوير دماغه بالرنين المغناطيسي الوظيفي. راقب الباحثون النشاط الدماغي باستخدام هذه التقنية وقاسوه اعتماداً على معدّل تدفق الدم خلال العملية.

ولاحظوا أن النشاط في الحصين اتبع أنماطاً متشابهة لدى المشاركين جميعهم عندما ذكّرهم الباحثون بتجارب حزينة أو مريحة. يشير ذلك إلى أن تشكّل الذاكرة في هذه الحالة نموذجي أكثر.

مع ذلك، اختفى هذا التشابه في نشاط الحصين عندما قرأ الباحثون ما قاله المشاركون عن تجاربهم المؤلمة. وتمتّع حصين كل مشارك بنشاط مميز لا يشبه النشاط في أي حصين آخر. كان النشاط في مختلف مناطق الدماغ مجزأً وغير منتظم، كما أنه اتبع نمطاً لا يشبه الأنماط الأكثر تناسقاً التي يتبعها الدماغ في أثناء تشكيل الذاكرة العادية.

بالإضافة إلى ذلك، ازداد نشاط القشرة الحزامية الخلفية بازدياد عدد الأعراض التي يعانيها المريض.

اقرأ أيضاً: لماذا يمتلك بعض كبار السن ذاكرة خارقة وقدرات معرفية فريدة؟

ما تبعات النتائج الجديدة على العلاجات المستقبلية؟

قد تفسر النتائج الجديدة الصعوبة التي يواجهها المصابون باضطراب ما بعد الصدمة في تذكّر التجارب المؤلمة باتساق. كما أنها قد تساعد أيضاً على تفسير حقيقة أن المصابين بهذا الاضطراب قد يعانون الأعراض التي تتسبب بالعجز عند تذكّر التجارب السابقة.

قال عالم النفس السريري في جامعة ييل والمؤلف المشارك للدراسة، إيلان هارباز-روتيم، في بيان صحفي، تعمل أدمغة المصابين باضطراب ما بعد الصدمة بطريقة مختلفة عند تذكّر التجارب المؤلمة. قال هارباز-روتيم: “مع ذلك، عندما قرأنا للمشاركين قصصاً عن تجاربهم المؤلمة، كان النشاط الدماغي لكل منهم مميزاً ومجزأً وغير منتظم للغاية. لا تشبه هذه التجارب الذكريات على الإطلاق”.

قد تكون العلاجات المستقبلية التي تهدف إلى تمكين الدماغ من تمثيل الذكريات المؤلمة في الحصين بطريقة أكثر نموذجية مفيدة. وفقاً لهارباز-روتيم، يمكن أن تساعد الدراسة الجديدة الأطباء النفسيين على إرشاد المصابين باضطراب ما بعد الصدمة نحو اتباع أنماط تفكير تفيدهم أكثر يمكن أن تساعد الدماغ على التخلّص من الشعور بالتهديد المباشر الذي يمكن أن تولّده الصدمة.