تمكن العلماء في مختبر "علم الأحياء الجزيئية" التابع لكلية الطب في جامعة هارفارد بقيادة الباحث "ديفيد سنكلير"، من جعل الفئران الكهلة تعود شابة مرة أخرى، وأُطلق على هذا التأثير مُسمى "بنيامين بوتون" نسبةً إلى فيلم "The Curious Case Of Benjamin Button" الذي أدى دور البطولة فيه "براد بيت"، والذي يتناول قصة رجل يولد مسناً في دار رعاية المسنين ويصغر كلما تقدم بالعمر.
تحديد البروتينات المسؤولة عن تجديد الخلايا
تم تحديد عدد من البروتينات التي تحول الخلايا الكهلة إلى خلايا جذعية قادرة على التجدد والتمايز، حيث قام سنكلير وفريقه بعد أن أمضوا 20 عاماً في دراسة طرق عكس مسارات الوقت، بإعادة تعيين الخلايا المسؤولة عن الشيخوخة في الفئران التي تعاني من تأذي الشبكية وضعف في البصر، وتمكنوا من إعادة البصر إلى أعينها.
وقال سنكلير: "إذا عكسنا الشيخوخة، فلا ينبغي أن تحدث هذه الأمراض، لدينا من التكنولوجيا اليوم ما يجعلنا قادرين على الوصول إلى عمر الـ 100 دون القلق بشأن الإصابة بالسرطان في الـ 70 من العمر وأمراض القلب في الـ 80 من العمر، وألزهايمر في الـ 90 من العمر". كما أضاف: "يعالج الطب الحديث المرض إلا أنه لا يعالج السبب الكامن وراءه، ألا وهو الشيخوخة".
اقرأ أيضاً: ساعة الشيخوخة: هل يمكن توقع عمر الإنسان حقاً؟
تفعيل زر إعادة الضبط
قام الباحث سنكلير وفريقه سابقاً بتحديد جينات الخلايا المسؤولة عن الشيخوخة، وقاموا بتفعيلها عند أحد الفئران التوائم، وكانت النتيجة أن الفأر ذو جينات الشيخوخة التي تم تفعيلها بدا ضعيفاً وذو وبر رمادي، بينما بقي الآخر فتياً ونشيطاً. انطلاقاً من هذه النقطة ولدت الفكرة في ذهن الباحث سنكلير، ألا وهي "إن كان من الممكن التعديل الوراثي لجعل التقدم في السن أسرع، لم لا يمكن تحقيق العكس؟".
قبل ذلك، كان الباحث الياباني في العلوم الطبية الحيوية "شينيا يامانكا" قد أعاد بالفعل برمجة خلايا جلد الإنسان البالغ لتتصرف مثل الخلايا الجذعية الجنينية أو ما تُسمى "الخلايا متعددة القدرات"، القادرة على التطور والتمايز إلى أي خلية في الجسم، وحصل هذا الاكتشاف على جائزة نوبل في عام 2007، وأُطلق على الخلايا الجذعية المستحدثة اسم "عوامل يامانكا". العقبة الوحيدة كانت أن الخلايا البالغة التي تحولت من الخلايا الجذعية عبر عوامل يامانكا كانت تفقد هويتها، أي أنها تنسى أنها خلايا دموية أو قلبية أو جلدية، كما أنها رديئة في التجديد، وذلك وُفق ما ذُكر في دراسة نشرت عام 2006.
بعض التعابير الجينية تُحسن الخواص الخلوية وتطيل العمر
توصل "شينيا يامانكا" إلى أن إعادة البرمجة الجزئية عن طريق تعديل التعبير الجيني قصير المدى لـ 4 جينات وهي "Oct4" و"Sox2" و"Klf4" و"c-Myc" يحسن الخواص الخلوية والفيزيولوجية للشيخوخة ويطيل العمر عند الفئران المعرضة للشيخوخة المبكرة. تُحسن هذه التعابير الجينية من قدرة الجسم الحي على التعافي من أمراض التمثيل الغذائي والأمراض العضلية في الفئران البرية. كما تم تسليط الضوء على دور التنظيم "اللاجيني" كمحرك لشيخوخة الثدييات، كتعديل نمط الحياة وغيرها.
اقرأ أيضاً: اكتشاف طفرات وراثية جديدة تسبب الشيخوخة
إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عند البشر
يقول سنكلير: "تحتاج الدراسات حول ما إذا كان التدخل الجيني، الذي أعاد تجديد خلايا الفئران سيفعل الشيء نفسه بالنسبة للبشر إلى سنوات قبل الانتهاء من التجارب البشرية وتحليلها، وذلك لدراسة فيما إذا كان آمناً وناجحاً وقابلاً للتطبيق على مجموعات بشرية أكبر قبل الحصول على موافقة فدرالية. وأضاف: "بينما ننتظر العلم ليحدد ما إذا كان بإمكاننا إعادة ضبط جيناتنا، هناك العديد من الطرق الأخرى لإبطاء عملية الشيخوخة وإعادة ضبط ساعاتنا البيولوجية".
وقدم مجموعة من النصائح مثل التركيز على نوعية النظام الغذائي واستهلاك الخضار والفاكهة والبروتينات الحيوانية وعلى رأسها الأسماك البحرية، كما أكد على أهمية تقليل كمية الوجبات واتباع نظام الصيام المتقطع نظراً لكونه يُحسن من أداء الخلايا العصبية. يعتبر الحصول على قسط كافٍ من النوم وممارسة الرياضة أحد الأركان الأساسية لمحاربة الشيخوخة، حيث تُحسن الرياضة من الحالة النفسية بنفس الدرجة التي تُحسنها ممارسة التأمل، والذي بدوره يؤخر عجلة التقدم بالعمر حيث أن الأشخاص المتفائلون يعيشون مدة أطول من غيرهم.
اقرأ أيضاً: بهدف إطالة العمر: دراسة تكشف الآليات الرئيسية للشيخوخة
تؤثر كل هذه السلوكيات على "الإبيجينوم"، وهو التأثير فوق الجيني للشيخوخة، كما تؤثر على البروتينات والمواد الكيميائية الخاصة بالجينات والتي توجهها حول ما يجب القيام به وأين يقوم بذلك ومتى تقوم بذلك، بمعنى آخر يقوم "الإبيجينوم" بالإشراف على عمل الجينات، وهذا يؤكد الدور الجوهري لتعديل نمط الحياة في إبطاء عجلة الشيخوخة.