إلى أين وصلت جهود البشر التي دامت قروناً في سبيل إنشاء خريطة لأسرار قاع البحر؟

إلى أين وصلت جهود البشر التي دامت قروناً في سبيل إنشاء خريطة لأسرار قاع البحر؟
نُشر المقال بعنوان "إنشاء خريطة للبحر" في عدد شهر فبراير/شباط 1985 من مجلة بوبيولار ساينس. بوبيولار ساينس (مجلة العلوم للعموم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عام 1984، حصل علماء الجيولوجيا البحرية على لمحة طال انتظارها للمناطق غير المرئية من كوكبنا. بعد دراسة بيانات الأقمار الاصطناعية لـ18 شهراً، كشف ويليام هاكسبي (William Haxby)، عالم الجيوفيزياء في مرصد لامونت-دوهيرتي الجيولوجي التابع لجامعة كولومبيا عن صورة بانوراميّة مذهلة لقاع البحر. كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها أي شخص صورة شاملة لما يقع تحت سطح المحيط بهذه الدقة؛ إذ احتوت هذه الصورة على البراكين والجبال تحت المائية ومناطق التصدّع والخنادق. قالت مارسيا بارتوسياك (Marcia Bartusiak)، الصحفية وكاتبة المواضيع العلمية في عدد شهر فبراير/شباط 1984 من مجلة بوبيولار ساينس (العلوم للعموم)، مبيّنة مشاعر الحماس الواضحة التي سادت في المجتمع العلمي حينذاك: “تكشف خريطة هاكسبي لقيعان بحار العالم عن وجود تضاريس تتمتّع بتنوّع لا يقل عن ذلك الذي نراه في قارات العالم السبع”. في ذلك الوقت، كانت تضاريس كوكب المريخ مألوفة أكثر بالنسبة للعلماء.

اقرأ أيضاً: بقع ساطعة على المريخ تثير الجدل حول وجود الماء على سطحه

وضوح تضاريس الكواكب البعيدة وغموض تضاريس المحيطات

بعد نحو 4 عقود، لا تزال صور أسطح الكواكب البعيدة أعلى جودة من صور قاع المحيط على الأرض. على الرغم من إحراز التقدّم في مجال استكشاف البحار بسبب الازدياد الكبير في قدرة الحواسيب على المعالجة وكفاءة تكنولوجيا التصوير بالأقمار الاصطناعية، بالإضافة إلى تطوير المركبات ذاتية الحركة القادرة على الوصول إلى أعمق الخنادق في المحيط، فإنه لم يتم بعد إكمال صورة عالية الدقة للمناطق الواسعة من القشرة الأرضية والواقعة تحت الماء. قد يتغيّر هذا الواقع قريباً، وسيحدث هذا التغيير في الوقت المناسب نظراً لتفاقم آثار التغيّر المناخي. نظراً لأن مياه المحيط تغطّي أكثر من 70% من سطح الأرض، سيزيد فهم شكل قاع البحر وتركيبه بشكل جيد من قدرتنا على التنبّؤ بظواهر مثل عرام العواصف (والتي ترتبط بحدوث الأعاصير) ومسارات أمواج التسونامي ومعدلات ذوبان الأنهار الجليدية، بالإضافة إلى مراقبة حالة المواطن البحرية التي يتم إجراء نشاطات تجارية فيها مثل إدارة المسامك والحفر والتعدين في أعماق البحر.

تقول كيتلن أدامز (Caitlin Adams)، منسّقة العمليات في مكتب أبحاث المحيط واستكشافه التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي: “يعتبر إنشاء الخرائط لقاع البحر أمراً مهمّاً للغاية في معظم المجالات، من الأمن القومي إلى مبادرات الاقتصاد الأزرق [مبادرات المحيطات المستدامة]”.

منذ إطلاق قمر سبوتنيك الاصطناعي الروسي في عام 1957، تم استخدام تكنولوجيا الأمواج الكهرطيسية مثل الرادار والليدار في شبكات الأقمار الاصطناعية بهدف رسم الخرائط لسطح الأرض والأجرام السماوية الأخرى. لكن الرادارات التقليدية تعمل على النحو الأمثل في رسم الخرائط للتضاريس القاحلة (مثل سطح المريخ والقمر واليابسة على الأرض) لأنها لا تخترق الماء إلا لبعضة أمتار، ما يحد من قدرة الأقمار الاصطناعية على دراسة الكواكب المليئة بالماء مثل كوكبنا.

بما أن الماء يخمّد الأمواج الكهرومغناطيسية، هناك طريقتان فقط لرصد المناطق تحت المائية دون الغوص فيها؛ الأولى هي استخدام تكنولوجيا السبر والملاحة الصوتية (السونار)، أو السبر بالصدى، والثانية هي القياس الثقاليّ، والتي يتم بواسطتها كشف الاختلالات الثقالية التي تتسبب بها الأجسام الكبيرة. في كلتا الحالتين، يجب إجراء قياسات مباشرة؛ أي أنه يجب وضع الأجهزة تحت سطح الماء (بالنسبة للطريقة الأولى) أو بالقرب من سطح الماء (بالنسبة للطريقة الثانية)، ما يعني أنه لا يمكن تشغيل هذه الأجهزة إلا من السفن. وهنا تكمن المشكلة؛ إذ يمكن أن يستغرق مسح قاع البحر الذي تتجاوز مساحته 360 مليون كيلومتر مربّع باستخدام سفينة واحدة ما يصل إلى ألف سنة، على الرغم من أن التقديرات تتفاوت كثيراً.

اقرأ أيضاً: «بيرسيفيرانس»: ناسا تطرق أبواب المريخ للبحث عن الحياة الماضية

التقنيات المستخدمة لرسم خرائط لقاع المحيطات

هنا تدخل الأقمار الاصطناعية المعادلة. كما وضّحت بارتوسياك في عدد مجلة بوبيولار ساينس سابق الذكر، نتج إنجاز عام 1984 الكبير عن المزج بين تقنيات القياس الجديدة باستخدام الأقمار الاصطناعية، والتي تحمل اسم رسم خرائط الجاذبية (أو قياس الارتفاعات بالأقمار الاصطناعية)، والحواسيب ذات القدرة الكبيرة على المعالجة، ما مكّن فريق هاكسبي في مرصد لامونت من إنشاء خريطة قاع البحر الجديدة في بضع سنوات فقط.

حتى في غياب الرياح والأمواج، لن تكون أسطح محيطات الأرض مستوية مثل المياه في أحواض الأسماك. إذ إن سطح المحيط يتموّج بما يتوافق مع شكل المرتفعات والصدوع الموجودة في القاع. يعود ذلك إلى أن تأثير الجاذبية على المياه يصبح ملموساً عندما تؤثّر عليها الأجسام التي تقترب كتلتها من كتل خنادق قاع البحر والبراكين والجبال تحت المائية.

تستطيع الأقمار الاصطناعية المزوّدة بمقاييس الارتفاع الحساسة (والتي تقيس ارتفاع سطح المياه) تحسس تلك الاختلافات الدقيقة الناتجة عن تضاريس قاع البحر. على سبيل المثال، يجذب جبل تحت مائي يبلغ ارتفاعه 305 أمتار كمية من المياه تكفي لجعل سطح المحيط يرتفع بمقدار يصل إلى 15 سنتيمتراً. لكن بما أن المحيط يشبه إلى حد ما بطانية منفوشة تخفي جميع المعالم ما عدا تلك الأكثر بروزاً منها، تعتبر تكنولوجيا رسم خرائط الجاذبية محدودة بقيود فيزيائية.

اقرأ أيضاً: ماذا تتضمن خطة ناسا للتحول إلى الأقمار الصناعية الخاصة؟

يستطيع العلماء باستخدام هذه التكنولوجيا رصد الأجسام الكبيرة فقط وتقدير أشكالها بشكل تقريبي. نتيجة لدقة التفاصيل في خريطة هاكسبي التي تم إنشاؤها في عام 1984، بلغ عرض أصغر الأجسام نحو 32 كيلومتراً (ما يساوي عرض جبل كلمنجارو في تنزانيا تقريباً). لذلك، لم يكن العلماء قادرين على رصد أي أجسام أصغر. على الرغم من أن دقة تكنولوجيا قياس الارتفاعات بالأقمار الاصطناعية ازدادت بشكل كبير في العقود التالية، فإنها تظل غير كافية للكشف عن جميع التضاريس تحت المائية. اليوم، تبلغ أعلى دقة تستطيع هذه التكنولوجيا الوصول إليها نحو 1.5 كيلومتر (أو 7 أضعاف ارتفاع هرم خوفو). للمقارنة، يمكن أن تصل دقة خرائط اليابسة التي يتم إنشاؤها باستخدام الأقمار الاصطناعية إلى 50 سنتيمتراً لكل بكسل واحد، وهو ما يقابل جسماً له حجم صنبور إطفاء الحرائق. لا تستطيع سوى أجهزة السونار المثبّتة على السفن والمركبات تحت المائية أن تنتج خرائط عالية الدقة.

تايتانيك: حدث ملهم علميّاً

في عام 1912، وعندما غرقت سفينة تايتانيك في المحيط الأطلسي الشمالي، لم تكن تكنولوجيا السونار مخترعة بعد. ألهم هذا الحدث الكارثي العديد من الابتكارات في مجال السبر بالصدى. وخلال أقل من عقد من الزمن، أصبحت أجهزة السونار، والتي تستخدم تكنولوجيا الإسقاط الصوتي لقياس المسافات، رائجة ليس فقط في مجال الملاحة والحروب البحرية، بل في رسم الخرائط لقاع البحر.

اقرأ أيضاً: تجربة شخصية تغني علم الجيولوجيا: تعرف إلى الجيولوجية التي رسمت خرائط لأعمق نقطة على سطح الأرض

في عام 1957، قام كل من بروس هيزن (Bruce Heezen) وماري ثارب (Marie Tharp)، وهما باحثان من مرصد لامونت، بنشر أول خريطة شاملة لقاع أحد محيطات الأرض عندما أصدرا خريطة فيزيوغرافيّة لقاع المحيط الأطلسي الشمالي، والتي قاما بإنشائها باستخدام تكنولوجيا السونار. كانت هذه الخريطة تشبه صورة بالأمواج فوق الصوتية لهذا المحيط.

من خلال كشف المعالم التضريسية لقاع البحر، والتي اكتُشف بعضها لأول مرة في أثناء إنشاء الخريطة (مثل الوادي المتصدع في حيد وسط المحيط)، بدا أن هذه الخريطة تؤكّد نظرية الانجراف القاري التي وضعها العالم الألماني ألفريد فيغنر (Alfred Wegener)، والتي تم استبعادها عند اقتراحها لأول مرة في عام 1912. بحلول أواخر ستينيات القرن الماضي، وبعد إنشاء عدة خرائط لقاع البحر باستخدام تكنولوجيا السونار، كان لدى علماء الأرض ما يكفي من الأدلة لاستنتاج أن سطح كوكب الأرض يتألف من عدد من الصفائح المنزلقة التي تنجرف عبر طبقة الوشاح المنصهرة تحتها وتصطدم ببعضها أو تنزلق مبتعدة عن بعضها، تماماً كما افترض فيغنر. ساعدت الخرائط المفصّلة لقاع البحر في فهم ظاهرة الصفائح التكتونية. وكان الإجماع العلمي حينذاك، كما هو الآن، هو أن رسم الخرائط الأكثر تفصيلاً سيكشف عن المزيد من أسرار الكواكب.

تقول شانون هوي (Shannon Hoy)، منسّقة البعثات في مكتب أبحاث المحيط واستكشافه التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي: “عندما نتمّكن من رؤية المعالم الأصغر، سنحصل على المزيد من المعلومات عن العمليات الجيولوجية والمتعلقة بعلم المحيطات، والتي تؤثّر على كوكبنا”. على سبيل المثال، تشير هوي، والتي تعمل على المركبات تحت المائية ذاتية الحركة إلى نظام “المليون تل” البيئي المرجاني العميق الذي تم رسم خريطة له لأول مرة في العقد الثاني من القرن الجاري، والذي يمتد على طول ساحل المحيط الأطلسي من ولاية كارولينا الجنوبية إلى ولاية فلوريدا.

تعيش الشعاب المرجانية في هذا النظام الذي يبلغ عمقه نحو 610 أمتار في الظلام، وتنمو لأطوال لا تتجاوز بضعة أمتار وتحصل على غذائها من تيار الخليج. وهي أكبر الشعاب المرجانية المعروفة في أعماق البحار. يصل عمر بعض الشعاب المرجانية الحية في هذا النظام إلى 700 عام، وتحتوي قاعدته على هياكل مرجانية تبلغ أعمارها آلاف السنين. لذلك، يُشبَّه هذا النظام بغابة بدائية غنية بأشكال الحياة البحرية. تقول هوي: “لم نكن لنتمكّن من اكتشاف هذا النظام باستخدام بيانات الأقمار الاصطناعية”.

تكنولوجيا السونار في رسم قاع المحيطات

تم إحراز تقدّم كبير في تكنولوجيا السونار منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي. واليوم، تُصدر الأنظمة متعددة الحزم الأمواج الصوتية التي لها شكل المروحة والتي تصل إلى أعماق تتجاوز 9.5 كيلومتر في المحيط. في الأعماق التي تتراوح بين 2.3 و6.4 كيلومتر، وهو مجال عمق 75% من مياه المحيط، يمكن لأجهزة السونار متعددة الحزم المثبّتة على السفن مسح مناطق من المحيط تبلغ مساحتها 8 كيلومترات في كل مرة، وهي تتمتّع بدقّة تتراوح بين 183 و366 متراً (كلما زاد عمق المياه، انخفضت دقة الخرائط). هذه الدقة أعلى بكثير من دقة الخرائط التي يتم إنشاؤها باستخدام تكنولوجيا قياس الارتفاعات بالأقمار الاصطناعية. في المناطق الضحلة، يمكن أن تتراوح دقة الخرائط التي يتم إنشاؤها باستخدام تكنولوجيا السونار بين 30 و99 متراً. وعندما يتم تركيب أجهزة السونار على المركبات تحت المائية ذاتية الحركة، يمكن أن تصل الدقة إلى متر واحد.

في عام 2017، عقدت منظّمة الأمم المتحدة المؤتمر الافتتاحي للمحيطات، وأعلنت أن العقد الثالث من القرن الجاري هو عقد المحيط، داعية دول وشركات العالم لمعالجة مشكلة تردّي حالة المحيطات. أحد التحدّيات العشرة التي طرحتها المنظّمة في هذه المبادرة هو “إنشاء تمثيل رقمي للمحيطات”. في الوقت الذي أقامت فيه الأمم المتحدة هذا المؤتمر، بلغت نسبة قيعان المحيطات الممثلة رقمياً والتي تم رسم خرائط لها باستخدام تكنولوجيا السونار 6% فقط. وتم الإعلان عن مبادرة جديدة في هذه المؤتمر تنص على رسم خرائط لقيعان المحيطات بأكملها بحلول نهاية العقد الثالث من القرن الجاري. أُطلق على هذه المبادرة اسم قاع البحر 2030، وهي عبارة عن مشروع تعاوني ترعاه منظّمة مخطط قياس الأعماق العام للمحيطات (General Bathymetric Chart of the Oceans) ومؤسسة نيبون اليابانية (Nippon Foundation).

بحلول شهر يونيو/ حزيران 2022، أفاد مشروع قاع البحر 2030 بأنه تم إنشاء خريطة تغطّي 23.4% من مساحة المحيطات باستخدام تكنولوجيا السونار الحديثة، وهي نسبة تقترب من 4 أضعاف مساحة المناطق التي تمت تغطيتها منذ عام 2017. يجمع العلماء في هذا المشروع بيانات الأمواج الصوتية من أي سفينة ترغب في مشاركتها، مثل سفينة الأبحاث أوكيانوس إكسبلورر (Okeanos Explorer) التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، ما ساعد في إنشاء الخريطة بسرعة.

تقول أدامز، مشيرة إلى نسبة المحيطات التي تم مسحها حالياً: “قد يبدو ارتفاع النسبة من 20% إلى 23% خلال العام الماضي ضئيلاً”، وتضيف: “لكن هذا الفرق يقابل مساحة تساوي مساحة قارة أوروبا. وفي كل سنة، سنزيد هذه النسبة”. لكن إنجاز مشاريع رسم الخرائط سيتطلّب استخدام جميع السفن التي يمكن استخدامها، وذلك لتحقيق أهداف هذه المشاريع التي يُقدّر أنها قد تستغرق قروناً من الزمن خلال السنوات الثمان المتبقية في العقد الجاري.

تعاون دولي لتحقيق إنجازات في المحيطات

يقول جيمي ماكمايكل-فيليبس (Jamie McMichael-Phillips)، مدير مشروع قاع البحر 2030: “ليس لدينا ما يكفي من الموارد لإنجاز المشروع بأنفسنا”، ويضيف: “لكن لدينا ما يكفي من الموارد لجمع البيانات التي يقدّمها الآخرون لنا وإنشاء الخرائط باستخدامها”. يُرجع ماكمايكل-فيليبس الفضل لمشروع قاع البحر 2030 في توفير الإلهام الذي “يشجّع الشركات والقطاعات الصناعية والحكومات والجهات الخيرية والعلماء على إنشاء الخرائط للمحيط”، حسب تعبيره. سيوفّر هذا المشروع أيضاً لهواة الإبحار الترفيهي القادرين على استخدام تكنولوجيا السونار أجهزة خاصة تجمّع بيانات عمليات سبر المحيط، ما سيمكّنهم من المشاركة في المشروع.

يتّفق ماكمايكل-فيليبس مع هوي على أن التفاصيل التي توفّرها الخرائط التي تم إنشاؤها باستخدام تكنولوجيا السونار، والتي تعتبر الأكثر كفاءة في إنشاء تصور عن قاع البحر، تساعدنا في فهم عالمنا بشكل أفضل بكثير من تكنولوجيا قياس الارتفاعات بالأقمار الاصطناعية. يستشهد ماكمايكل-فيليبس بالعديد من الأمثلة، مثل اكتشاف مصممي الخرائط في مشروع قاع البحر 2030 لأحد أكبر أنظمة الشعاب المرجانية في العالم قبالة سواحل تاهيتي في عام 2022. تم إيجاد هذه النظام الذي يبلغ طوله 3.2 كيلومتر في منطقة الشفق ذات الإضاءة الخافتة، وهو يقع على عمق 30-60 متراً.

مع ذلك، لا تزال خريطة منظّمة مخطط قياس الأعماق العام للمحيطات المتاحة للجمهور غير مكتملة. وهي تتألف من مجموعة من الخطوط الرفيعة التي تمثّل المناطق التي تمت تغطيتها بأمواج السونار. على الرغم من أن ماكمايكل-فيليبس لا يتوقع حدوث أي اختراقات تكنولوجية في مجال أجهزة السونار أو الأقمار الاصطناعية من شأنها أن تسرّع عملية إنشاء الخرائط لقاع البحر، فإنه لاحظ أن هناك بعض السفن السطحية غير المأهولة التي تساهم في إنجاز هذه العملية، مثل سفينة سيل درون (SailDrone) التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

يشير ماكمايكل-فيليبس إلى أن وجود الأشخاص على متن السفن هو أحد أهم العوامل التي تحد من إمكاناتها؛ إذ إن ذلك لا يزيد من وزنها فقط بل يتطّلب التوقّف المتكرر خلال الرحلات للحصول على الإمدادات ولتجنّب الظروف الخطرة. يقول ماكمايكل-فيليبس: “عملت سابقاً كمسّاح هيدروغرافيّ في البحرية الملكية. وأمضيت الكثير من الوقت في العمل في المحيط القطبي الجنوبي ضمن ظروف قاسية للغاية”، ويضيف: “لذلك، سنتمكّن من التخلّص من هذه القيود باستخدام السفن غير المأهولة”.

لم تصرح هوي بما إذا كانت تعتقد أن مشروع قاع البحر 2030 سيحقق أهدافه؛ إذ تقول: “السفن صغيرة الحجم نسبياً، والمحيط كبير للغاية”. مع ذلك، فهي ترجع الفضل لهذا المشروع في التشجيع على مشاركة البيانات والتعاون بين المنظّمات المختلفة بطريقة غير مسبوقة، ما تسبب في توليد اهتمام كبير سيجعل إنشاء خريطة تشمل جميع محيطات الأرض ممكناً.

سواءً كان الموعد النهائي لإكمال خريطة قاع المحيط واقعياً أو غير واقعي (وهو عام 2030)، قد يتم في العقد الثالث من القرن الجاري تركيب الصورة الأغنى والأغرب لمعالم الأرض المجهولة وغير المألوفة، وسيشبه ذلك الكشف البطيء عن عالم بعيد وغريب بالنسبة لنا. تقول هوي: “إن إنشاء خريطة باستخدام الأرصاد المباشرة سيمثّل ثورة في مجال دراسة الأرض”.