كيف تساعد الأحلام الواعية والواقع الافتراضي في علاج اضطراب ما بعد الصدمة؟

6 دقائق
الأحلام الواعية
حقوق الصورة: لينغشوبان/ ديبوزيت فوتوز.

في البداية ، لم يبدُ أن هناك أي شيء غريب في مقهى "سبينوزا". كان هذا المقهى الافتراضي، والذي صممه علماء هولنديون، يغص بأضواء الفلورسنت والسجاد الرمادي الرخيص وآلات البيع. دخل المقهى 13 طالباً جامعياً مزودون بنظارات الواقع الافتراضي. بعد فترة وجيزة، خضعوا لسلسلة من التجارب الغريبة بشكل متزايد: بدأ الزمن في التحرك بالعكس، وأدار الزبائن رؤوسهم للتحديق، وتوقّفت الجاذبية عن العمل. طُلب من الطلاب، والذين كانوا جزءاً من دراسة بحثية، أن يسألوا أنفسهم سؤالاً واحداً بشكل متكرر: "هل أنا أحلم؟"

صمم العلماء المحاكاة لتكون تدريباً على الأحلام الواعية، وهي حالة يدرك فيها الحالم أنه نائم. افترض الباحثون أنه بمجرد أن يجد الطلاب أنفسهم داخل حلم حقيقي، ربما يكون غريباً ومنفصلاً مثل مقهى سبينوزا، سيتذكرون أنهم كانوا نائمين، ويفتحون الباب أمام نوع مختلف ونادر من الوعي.

ما هي الأحلام الواعية؟

الأحلام الواعية هي أكثر من مجرد وعي بالذات. يكتسب الأشخاص الذين يخوضون هذه التجربة ذكريات ما حدث في الحلم، والقدرة على التلاعب ببيئتهم، والتحكم في أفعالهم، والتعجب من مدى غرابة عوالم أحلامهم. يقارن علماء النفس هذه الظاهرة بالمرور بتجارب الواقع الافتراضي الغامرة تماماً داخل الدماغ، والتي لدينا القدرة على برمجتها وتعديلها

يقول "بنجامين بيرد"، عالم الأعصاب المعرفي في جامعة ويسكونسن، ماديسون: "الأحلام الواعية تجعلك تتصل بذاتك الموسّعة". يبدو أن لهذه الممارسة تطبيقات علاجية حقيقية، فالأحلام الواعية قد تساعد الناس في التعامل مع حالة "الهلع الليلي" الناجم عن اضطراب الكوابيس، واضطراب ما بعد الصدمة، وقد تساعد أيضاً الآخرين على التعامل مع المخاوف التي يواجهونها أثناء النهار. حالياً، يحاول علماء النفس وعلماء الأعصاب، مثل أولئك الذين صمموا دراسة مقهى سبينوزا، والتي نُشرت مؤخراً في دورية "التقارير الفلسفية بي"، اكتشاف أحد التفاصيل المهمة أولاً: كيف يمكنك أن تحفّز الأحلام الواعية؟

اقرأ أيضاً: في حالات الطوارئ: كيف تساعدنا تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي؟

كيف يمكنك تحفيز الأحلام الواعية؟

عندما نغفو، قد يبدو أن أدمغتنا تتوقف عن العمل طوال الليل، لكنها في الواقع تنتقل إلى وضع مختلف. تصبح أجزاء معينة من الدماغ، تلك التي تساهم في العواطف والرؤية على وجه الخصوص، أكثر نشاطاً. يقول بيرد إن هذا هو السبب الذي يجعل الأحلام واضحة جداً من الناحية العاطفية والبصرية. في الوقت نفسه، يخف نشاط أجزاء الدماغ المسؤولة عن التفكير، والذي يشمل الوعي الذاتي، والتحكّم، والقدرة على التخطيط للمستقبل. وفقاً لبيرد، قد يفسر نقص النشاط في هذه المناطق من الدماغ، والتي تسمى "الشبكة الأمامية الجدارية"، لماذا نشعر وكأن الأحلام تحدث لنا، وكأنها مثل الأفلام، بدلاً من تغيّرها مع كل إجراء وقرار نتخذه، مثل الحياة الواقعية.

ما يحدث في الدماغ عندما تصبح أحلامنا واعية هو أقل وضوحاً. يلجأ العلماء عادةً لفهم أجزاء الدماغ التي تشارك في مهام معينة إلى التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، وهي عملية تتم باستخدام جهاز كبير يقيس التغيرات في تدفق الدم داخل الدماغ، والذي يمكن أن يبيّن أجزاء الدماغ الأكثر نشاطاً من غيرها. حتى الآن، لا توجد سوى دراسة حالة واحدة قام فيها العلماء بتصوير شخص يحلم حلماً واعياً بهذه التقنية، ولاحظ العلماء بناءً على هذه الدراسة نشاطاً متزايداً في الشبكة الأمامية الجدارية مقارنةً بالأحلام العادية، ما يشير إلى أن الأشخاص الذين يحلمون أحلاماً واعية قادرون على تنشيط هذا الجزء من الدماغ، وتفعيل القدرة على التفكير عالي المستوى. 

وفقاً لبيرد، درس العلماء أيضاً أدمغة الأشخاص الذين أبلغوا عن أحلام واعية متكررة خارج المختبر. بالمثل، أظهر هؤلاء الأشخاص زيادة في الاتصال بين الخلايا العصبية في الشبكة الأمامية الجدارية. يقول بيرد: "إنه أمر مثير للاهتمام"، لكن لا يمكن تعميم تجربة واحدة، ولم يحدد العلماء ما إذا كانت الأحلام الواعية مرتبطة بالاختلافات البنيوية التي لوحظت في أدمغة الأشخاص الذين يختبرونها بشكل متكرر. يقول بيرد: "إنها الأيام الأولى في هذا المجال، والأدلة العلمية ضعيفة جداً".

يمكن لعلماء النفس أن يقولوا بمزيد من اليقين أن الأحلام الواعية تميل إلى الحدوث أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة، وهي المرحلة الأخيرة من مراحل النوم الأربع، والتي تتكرر كل 90 دقيقة تقريباً. وفقاً لبيرد، تصبح كل مرحلة متكررة من نوم حركة العين السريعة أطول وأعمق خلال الليل، لذلك غالباً ما تحدث الأحلام الأكثر وضوحاً في الصباح الباكر، في الفترة الحدية بين النوم والاستيقاظ.

جرب العلماء مجموعة من الأساليب المختلفة لتحفيز الأحلام الواعية. على سبيل المثال، ابتكر الباحثون أقنعة وجه محوسبة تتحسس الوقت الذي يكون فيه الشخص في مرحلة نوم حركة العين السريعة وتضيء أضواءً ملونة تدخل أحلامهم بشكل مثالي وتذكرهم بأنهم نائمون، وهي طريقة ساعدت في إحدى الدراسات على تحفيز الأحلام الواعية في نصف المشاركين، بينما استطاع 17% منهم فقط تحفيز هذه الأحلام دون استخدام الأقنعة. 

حاول الباحثون أيضاً استخدام أدوية تثبّط النواقل العصبية التي تساهم في عملية نوم حركة العين السريعة وترتبط بها، ما يتسبب في تراكم هذه النواقل في الدماغ أثناء النوم. لاحظ بيرد وزملاؤه أن هذه الأساليب الدوائية ترفع معدلات الأحلام الواعية إلى 42% مقارنة بمجموعة من الأشخاص الذين تدربوا على تحفيز الأحلام الواضحة دون استخدام الأدوية. لكن يقول بيرد إن كل هذه الأبحاث تحتاج إلى مزيد من التكرار. يضيف "مارتن دريسلر"، أستاذ علم الأعصاب المعرفي في معهد "دوندرز للدماغ والإدراك والسلوك": "إنها حالة نادرة جداً ويصعب تحفيزها".

اقرأ أيضاً: استخدام الصراصير في الواقع المعزز لمحاربة رهاب الحشرات

اسأل نفسك: هل هذا حلم؟

لا تعتمد بعض الأساليب المجربة لتحفيز الأحلام الواعية على التكنولوجيا الحديثة. في إحداها، يسأل الحالم نفسه ببساطة "هل هذا حلم؟" عندما يكون خلال ساعات الاستيقاظ في مكان أو موقف يظهر بشكل متكرر في أحلامه. قام دريسلر وزملاؤه، والذين شاركوا في تأليف الدراسة الحديثة حول الواقع الافتراضي والأحلام الواعية، بتعديل هذه الطريقة لتصميم مقهى سبينوزا. يقول دريسلر: "كانت الفكرة هي أن نجعل التجربة واقعية قدر الإمكان، ولكن شبيهة بالأحلام قدر الإمكان أيضاً، والواقع الافتراضي هو الأداة المثالية للقيام بذلك".

ما دور الواقع الافتراضي في تحفيز الأحلام الواعية؟

وفقاً لـ "كلوديا بيكارد-ديلاند"، طالبة في مرحلة الدكتوراه في علم الأعصاب بجامعة مونتريال، قد يكون التأثير الواضح للواقع الافتراضي على أحلامنا مرتبطاً بحقيقة أنه، مثل الأحلام، يحاكي الواقع بشكل جيد. درست بيكارد-ديلاند مع زملائها في بحث نُشر في عام 2020 في دورية "الوعي والإدراك"، ما إذا كانت محاكاة الطيران باستخدام الواقع الافتراضي يمكن أن تدرّب المشاركين على تحفيز أحلام الطيران، وذلك مقارنة بالأشخاص الذين استخدموا جهاز "وي" لألعاب الفيديو. وجد الباحثون أن الأشخاص الذين تدربوا باستخدام الواقع الافتراضي لم يختبروا فقط المزيد من أحلام الطيران، ولكن كان لديهم سيطرة أكبر على تلك الأحلام. تقول بيكارد-ديلاند: "كانت تبدو التجربة حقيقية لدرجة أن المشاركين نسوا مواقع أجسادهم الحقيقية"، وحسب تعبيرها، الواقع الافتراضي هو شكل من أشكال "التحقق من الواقع" (أي مقارنة التجارب بالواقع)، وهذا أحد أسرار الأحلام الواعية. تضيف بيكارد-ديلاند: "عندما تكون في تجربة الواقع الافتراضي، فإنك تشكك باستمرار بواقعك". بعبارة أخرى، قد يكون من الممكن أن يصبح الواقع الافتراضي خلفية لعالم الأحلام الواعية من خلال تكرار عبارة "هذا حلم".

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن خلايا الدماغ التي تزداد نشاطاً بعد الموت؟

دراسة مقهى اسبينوزا حول الأحلام الواعية

بالنسبة لدراسة مقهى سبينوزا، طلب فريق الباحثين من الطلاب العودة إلى المقهى 6 مرات على مدار أسبوعين. تدرّب الطلاب لمدة أسبوعين آخرين على ممارسة مجموعة من ألعاب الواقع الافتراضي الأخرى، والتي اختارها الباحثون لتكون شبيهة بالأحلام قدر الإمكان. طوال تلك الفترة، بالإضافة إلى الأسابيع التي سبقتها والأسبوع الذي تلاها، سجّل الطلاب مذكرات عن تفصيلات أحلامهم. أخيراً، خضع الطلاب لـ 3 دراسات نوم في المنزل باستخدام جهاز يسجل حركة عيونهم. طُلب من المشاركين تحريك أعينهم في نمط معين (يسار، يمين، يسار، يمين) بمجرد أن يدركوا أنهم يحلمون، وهي طريقة شائعة في أبحاث الأحلام الواعية.

عند نهاية الدراسة، أفاد 12 من أصل 13 شخصاً ذهبوا إلى مقهى سبينوزا أنهم اختبروا أحلاماً واعية. تم تأكيد 3 حالات من أصل 12 من خلال حركات عيون المشاركين، بينما أبلغ 4 مشاركين فقط من مجموعة منفصلة تدربوا على الأسلوب التقليدي (أي أن يسألوا أنفسهم "هل أنا أحلم؟" بدون استخدام الواقع الافتراضي) عن أنهم اختبروا أحلاماً واعية. لم يتم تأكيد أي من هذه التجارب بشكل مستقل في دراسة النوم. أخيراً، لم يبلغ أي مشارك من المجموعة التي لم تتدرب على الإطلاق عن اختبار الأحلام الواعية.

لم تكن دراسة مقهى سبينوزا هي الأولى التي بينت وجود ارتباط بين استخدام الواقع الافتراضي واختبار الأحلام الواعية. منذ عقود، لاحظ العلماء أن ممارسة ألعاب الفيديو تجعل الناس أكثر عرضة لاختبار أحلام واعية، ربما يعود ذلك إلى الطبيعة الغامرة للألعاب. مع ذلك، ووفقاً لبيرد، نحتاج إلى إجراء المزيد من الأبحاث قبل أن نقول إن الواقع الافتراضي أو ألعاب الفيديو يمكن أن تساعدنا في تحفيز الأحلام الواعية. يجب أن تشمل هذه الأبحاث عدداً أكبر من المشاركين وطرقاً أكثر دقة للتحقق من طبيعة الأحلام.

ما هي فائدة الأحلام الواعية؟

تتجاوز الأحلام الواعية حد الواقع الافتراضي، إذ أنها وسيلة علاج واعدة للأشخاص الذين يعانون بانتظام من الهلع الليلي. يواجه 3-7% من الأميركيين صعوبات في أداء وظائفهم اليومية بسبب الكوابيس، ويجعل اضطراب الكوابيس في بعض الحالات الناس يخافون من النوم، ويسبب الاكتئاب والقلق، ويؤدي إلى أفكار انتحارية. إن فهم الأحلام الواعية يمكن أن يمنح هؤلاء الناس حلاً لهذه المشاكل التي يواجهونها في نومهم، أو حتى طريقة للتلاعب بالكوابيس لتصبح أقل رعباً.

يأمل بيرد أكثر في التطبيقات العلاجية للأحلام الواعية التي لا تتعلق بالكوابيس. تخيل العمل مع معالجك الخاص للتخطيط لحلمك القادم، ثم استخدام الحلم بالتكامل مع ذكرياتك ومعتقداتك بطريقة لا يمكنك تطبيقها أثناء اليقظة. قد تستخدم الأحلام الواعية لمواجهة شخص سبب لك الأذى في الماضي. يمكنك التحدث إلى الشخصيات الموجودة في أحلامك لمحاولة فهم الأفكار والمخاوف التي يمثلونها. يقر بيرد بأنه لا توجد أبحاث علمية حول هذه الإمكانات العلاجية، بعيداً عن اضطراب الكوابيس، ويقول: "لكننا سمعنا مراراً وتكراراً أن هذه التجربة أثرت بشكل كبير على العديدين،"، ويضيف: "لدى الناس فرصة فعلية للتفاعل مع الجانب النفسي من أحلامهم بشكل مباشر".

المحتوى محمي