هناك رغبة داخلية مستمرة ولا واعية لدى البشر في استهلاك الأغذية الغنية بالدهون والسكريات، ولكن ما سر ذلك؟ ولمَ الدهون والسكريات على وجه التحديد؟ يُجيب بحث جديد نُشِر في دورية "ساينس دايركت" (Science Direct) عن هذا التساؤل ويقدّم رؤى جديدة حول ذلك، والتي بدورها تُساعد في العمل على علاج البدانة من خلال معاكسة أسباب حدوثها الرئيسية.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: ساعات نوم أقل في الثلاثينيات تعني اضطراباً في عمل الذاكرة في الخمسينيات
رؤى جديدة يقدّمها البحث حول "الأكل المُحَفَّز"
قد يكمن حل هذا اللغز في "الخلايا العصبية في السبيل الهضمي"، حيث توصل الباحثون إلى أن بعض هذه الخلايا هو المحرك الرئيسي لحدوث الإفراط في تناول الطعام، حيث تشكّل هذه الخلايا جزءاً من شبكة دارات عصبية موجودة في الدماغ والأمعاء يعزز دورها الدارة المحفزة على تناول الأغذية الغنية بالدهون والسكريات.
في السبيل الهضمي، توجد شبكة أو دارة متعددة التشابكات العصبية من الخلايا العصبية الحسية المُبهمية، نسبةً إلى العصب المبهم. وتبين من خلال البحث أن الخلايا العصبية الموجودة في المعدة والأمعاء تتحسس للأغذية السُكرّية والأغذية الغنية بالدهون بشكل خاص، وتُطلق الدوبامين بناءً على ذلك، ما يزيد بدوره من الشعور الإيجابي -والذي يُشابه شعور الإدمان بطبيعته- المرتبط بتناول هذا النوع من الأغذية.
هذا يُفسّر أيضاً "الدافع دون الإدراكي" لتناول الأطعمة المسببة للبدانة، حيث لا تفعّل الإشارات العصبية هذه الرغبة بالإفراط بتناول هذه الأطعمة بشكل واعٍ، ما يشكّل بدوره حجر أساس يمكن الانطلاق منه للتحكم بالخلايا العصبية المحفزّة لإطلاق الدوبامين وتعزيز شعور المكافأة المُرتبط بتناول هذه الأطعمة، وبالتالي علاج أحد أهم مسببات البدانة.
السُبل العصبية تتحد لتعزيز الرغبة في تناول الطعام
استخدم فريق الباحثين في دراستهم تقنيات تساعد على مراقبة فاعلية ونشاط الخلايا العصبية المبهمية التي تتحسس للسكر والدهون لدى الفئران، وفي البداية توصلوا إلى أن نوعي الخلايا العصبية يسهمان في تعزيز إطلاق الدوبامين في مركز المكافأة في الدماغ عند التحسس لهذه الأطعمة.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تقترب من معرفة سبب متلازمة موت الرضيع المفاجئ
إذ اكتُشِف مساران للعصب المبهم في الأمعاء، أحدهما يشكّل دارة عصبية للتحسس للدهون والآخر للسكريات، وهذه الدارات العصبية تساعد على نقل المعلومات حول ما ندخله إلى أجهزتنا الهضمية إلى الدماغ، وأدمغتنا بدورها تشكّل استجابة عصبية خاصة نحو هذه الأطعمة.
وعندما نقول إن طعاماً ما يُحرض إطلاق الدوبامين في الدماغ، فعلينا أن نعي أن هذه الآلية تُشابه إلى حد كبير الآلية التي يتشكل بها الإدمان. حيث ينشأ الإدمان بأبسط أشكاله وعلى اختلاف أنماطه من نقطة وحيدة وهي تكرار إفراز الدوبامين في كل مرة يتم فيها الوصول إلى المادة الإدمانية، حيث لا يكون الدماغ مدمن على المادة نفسها وإنما على الحالة المُرتبطة بإفراز الدوبامين التي تحدث.
دمج الأغذية الغنية بكلٍّ من السكر والدهون يفاقم المشكلة
هذا ليس كل شيء، ففي هذه الدراسة حُدِد مسار عصبي يتحسس للسكر وآخر يتحسس للدهون وآخر مشترك لكليهما، وبعد إثبات أن لكل مسار دور اًواضحاً في التأثير على الدماغ، وجد الباحثون أن تفعيل المسار الثالث -أي المسار الذي يتحسس لتناول الأغذية الدهنية والسكرية معاً- ذو تأثير أكبر على الدماغ ويرتبط بتنشيط أكبر لإفراز الدوبامين من مركز المكافأة في الدماغ.
كان من اللافت للنظر أن سلوك الأكل المترتب على ذلك، وهو الإفراط في تناول الطعام، مستقلٌ بشكلٍ تام عن عدد السعرات الحرارية ومتعلق بشكلٍ أساسي بنوعية الغذاء، حيث يشبه الأمر الصدمة التي يتلقاها نظام المكافأة في الدماغ، وبغض النظر عن شدة هذه الصدمة سواء كانت 10 غرامات من السكر والدهون أو 100 غرام، تُطلق الكمية نفسها من الدوبامين في الدماغ والتي بدورها تحرّض الرغبة بالإفراط في تناول الطعام لدى الفئران.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: ألعاب الفيديو تؤدي إلى فقدان السمع وطنين الأذن المزمن
تُسلّط نتائج البحث الضوء أيضاً على أهمية تطبيق ذلك في علاج مسببات البدانة. فعلى الرغم من أن الإشارات العصبية المُحفّزة للسلوكيات الإدمانية المتعلقة بالطعام التي تحدث دون مستوى الوعي، فإن تثقيف المرضى الذين يعانون اضطرابات تناول الطعام بالآلية التي تحدث بها هذه الرغبة المُلحة بتناول الأطعمة الدهنية السكرية سيكون مصدراً مساعداً في علاج مَن يعاني علاقة مضطربة مع الطعام.