"الظهر منحنٍ ومحدب واليدان غير مستويتين، أمّا الوزن فزيادته واضحة"، هذه كانت صفات "آنا"، وهي تمثّل صورة الشكل الذي سيغدو عليه الإنسان الذي يعمل عن بُعد خلال 70 عاماً، أي بحلول عام 2100، حيث ابتكر باحثون من شركة فيرنيتشر أت ورك (Furniture At Work) باستخدام الذكاء الاصطناعي، وبناء على بحثٍ من جامعة ليدز، نموذجاً يوضّح كيف سيبدو الأفراد الذين يعملون من المنزل في مطلع القرن القادم. وللحقيقة التصميم ليس أجمل المشاهد التي ستراها، وهو كافٍ ليدب الذعر حيال كونه سيصبح حقيقة.
اقرأ أيضاً: هل كِبر حجم دماغ الإنسان هو خطأ تطوري؟
كيف يؤثّر العمل عن بُعد في بنية أجسامنا؟
عند تصميم النموذج، سُلط الضوء عليه على أنه قد يكون الوضع الطبيعي الجديد لمَن لم ينشئ بعد منطقة عمل مخصصة مناسبة، وهذا يعني الجلوس على مكتب ذي أبعاد مناسبة، أي هذا النموذج يعني مَن يقومون بالعمل من وراء أرائكهم أو حتى أسرّتهم. كان هدف الباحثين تسليط الضوء على أن نسبة كبيرة من العاملين من المنزل يفتقرون إلى مساحة عمل خاصة ومناسبة لهم.
"آنا" شخصية خيالية لا تبدو في أفضل حالاتها، وإن صح التعبير يمكن القول إنها تصور لما قد يشبهه الإنسان الذي يعمل من المنزل بحلول عام 2100 إذا واصل العمل في ظل ظروف رديئة وغير مريحة. لآنا حدبة ظهرية وعينان متورمتان محاطتان بالهالات السوداء، ويداها غير مستويتين ومتجهتين للداخل كالمخالب. يُثير هذا التصور المخاوف بشأن الخسائر التي قد يسببها العمل من المنزل على الصحة الجسدية لـ "الإنسان المستقبلي".
يؤثّر العمل من المنزل في جسم الإنسان من خلال 3 ركائز أساسية؛ أولها "الوضعية غير الصحية" التي تُسبب اضطرابات في العظام والعضلات، ستظهر خلال عدة سنوات مسببة تطور آلام مزمنة ناجمة عن تنكس غضاريف المفاصل، وهذا ما يُفسّر حدبة "آنا" وتشوه يديها وساعديها، ثانيها "التعرُّض لأشعة أجهزة الحواسيب" والتي تُفسّر الاضطرابات العينية طويلة الأمد والإجهاد البصري، وثالثها "اضطرابات الصحة النفسية" نتيجة غياب البيئة الصحية للعمل التي تشمل التعامل مع الزملاء وقضاء وقت الاستراحة في تبادل أطراف الحديث معهم.
اقرأ أيضاً: هل تشعر أنك أكبر أم أصغر من سنك الفعلي؟ إجابتك تؤثر على صحتك وطول عمرك
من جهةٍ أخرى، قضاء وقت طويل في المنزل لا يشجّع الفرد على البقاء نشطاً بدنياً، ويجعله أكثر ميلاً للاستلقاء والكسل، بينما يتطلب العمل في مكتب خارج المنزل النهوض من الفراش وارتداء الملابس وركوب الحافلة والعودة إلى المنزل بعد انتهاء الدوام، وعندئذ لا شك أنه يستحق "الاستلقاء في نهاية نهار العمل"، وهذا يعني أيضاً بالنسبة للعاملين من المنزل زيادة الوزن وضعف التعرُّض للهواء الطلق النقي، ما يؤدي بدوره إلى ضعف الجهاز المناعي.
وتفسير كل ذلك يعود إلى أن الجسم البشري يتكيّف مع السلوك الجسدي، فإذا أمضينا المزيد من الوقت في الاستلقاء أو التراخي، سيتغير جسمنا وفقاً لذلك، وهذا ما سيحدث لآنا (ولنا) بعد 70 عاماً من العمل من المنزل.
كيف يمكن تجنُّب السير في هذا الاتجاه؟
يقول بريان كلارك، مؤسس يونايتد ميديكال إيديوكيشن (United Medical Education)، في تصريح له: "تتضمن المخاطر الصحية طويلة الأمد للعمل عن بُعد من المنزل مخاوف نفسية وجسدية من اضطرابات الصحة العقلية، مثل الإجهاد النفسي والوحدة والإرهاق إلى تشوه العمود الفقري وزيادة الوزن وضعف جهاز المناعة"، وأوصى بعدم إهمال الجانب النفسي للأمر، وأكد أن تجنُّب هذه المخاطر يتطلب إعطاء الأولوية للتواصل الاجتماعي والرعاية الذاتية ووضع حدود واضحة بين العمل والوقت الشخصي.
كما أضاف أنه يجب على العاملين عن بُعد أخذ فترات راحة بشكلٍ منتظم لتمديد وتحريك أجسادهم للمساعدة على تجنب آلام الظهر والرقبة، وذلك بالطبع بعد تجهيز مكتب مناسب وكرسي مريح والتدرب على اتخاذ وضعية صحية في أثناء الجلوس والعمل، كما يعتبر البقاء بحالة نشاط بدني بنداً مهماً في حياة العاملين عن بُعد يجب ألّا يُهمل.
وبما يخصُّ الصحة العينية، ينصح الخبراء بالالتزام بقاعدة 20-20-20 والتي تتضمن إراحة العينين من النظر إلى الشاشة كل 20 دقيقة لمدة 20 ثانية، والنظر لمكان يبعد 20 قدماً عن ناظريك أو ما يُعادل 6 أمتار.
وعلى الرغم من أن هذا التصور قد يكون مصدراً للذعر، لكن يمكن النظر إليه بمثابة رسالة من المستقبل لتذكيرنا بالواجب الذي ينبغي فعله تجاه صحتنا، حتى نتوقف عن السير بهذا الاتجاه.