الكوابيس هي تجربة مزعجة بالنسبة للجميع. والآن، وجد علماء النوم من جامعة جنيف في سويسرا طريقة لجعل النوم مريحاً أكثر وخالياً من مصادر الإزعاج. وجدت دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 في مجلة كورنت بايولوجي (Current Biology) أن المزج بين تقنية معرفية تحمل اسم العلاج التدريبي الصوريّ وتقنية إعادة التنشيط المستهدِف للذاكرة في أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة يقلل من عدد الكوابيس التي يعاني منها المشاركون كل ليلة. شملت الدراسة 36 شخصاً يعانون من اضطراب الكوابيس المعتدل إلى الشديد (أي الذين يعانون من أكثر من حادثة واحدة في الأسبوع)، وهي حالة يعاني منها 4% من البالغين حول العالم.
العلاج التدريبي الصوري
يقول مدير معهد طب النوم في مركز نورثويل هيلث الصحي في مدينة نيويورك، توماس كيلكيني (Thomas Kilkenny)، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: "تبيّن هذه الدراسة أن العلاج التدريبي الصوريّ فعّال لوحده في التخفيف من أعراض اضطراب الكوابيس"، ويضيف: "لكن يتمثّل الاكتشاف الجديد في أن إضافة تقنية إعادة التنشيط المستهدف للذاكرة إلى هذا العلاج لا يخفف من الأعراض فحسب، بل يزيد أيضاً من عدد الأحلام الإيجابية".
يعاني المصابون باضطراب الكوابيس من مشكلات تتجاوز رؤية الأحلام المزعجة من حين لآخر؛ إذ يتسبب هذا النوع النادر من اضطرابات النوم في رؤية الكوابيس بشكل متكرر، ما يؤدي عادة إلى مشكلات تتعلق بالغفو والنوم. يتمثّل أحد الأسباب التي تجعل خبراء النوم يواجهون صعوبة في التخلص من الكوابيس بشكل نهائي في أنهم لا يعرفون بعد ما الذي يتسبب في حدوث هذه الظاهرة في المقام الأول. يقول كيلكيني إنه لا يوجد تفسير متوافق عليه لحدوث الأحلام، ناهيك عن الكوابيس. ويضيف قائلاً إن أحد التفسيرات الشائعة ينص على أن الأحلام تساعد الدماغ على تخزين الذكريات المهمة والتخلص من تلك غير المهمة وتنظيم الأفكار والمشاعر المعقدة. في المقابل، يفترض الباحثون أن الكوابيس المتطرفة هي أحلام ترتبط بمصادر القلق أو الصدمات التم لم يتم علاجها.
اقرأ أيضاً: ماذا يرى المكفوفون في أحلامهم؟
يعتبر العلاج التدريبي الصوري تقنية شائعة الاستخدام لعلاج الأشخاص الذين يعانون من الكوابيس بشكل متكرر. يطلب الأطباء النفسيون من المرضى عادة وصف الكوابيس المتكررة وتحديد محفّزاتها المحتملة. بعد ذلك، يعمل الأطباء مع المريض على "تأليف" نهاية جديدة للكابوس تتضمن نتائج مرضية أكثر. على سبيل المثال، إذا كان كابوس المريض يتضمّن شخصاً يطارده في زقاق مظلم، قد يشجّع الطبيب المريض على تخيل وجود شخص آخر في الزقاق يمكن أن يطلب منه المساعدة، أو أن يتخيل حمل سلاح يستطيع استخدامه لقتل الشخص الذي يطارده. الهدف من تخيل نهاية مختلفة هو تغيير الحلم لآخر أقل إثارة للخوف وأكثر أماناً.
إعادة التنشيط المستَهدف للذاكرة
هدف مؤلفو الدراسة الجديدة إلى زيادة معدل نجاح العلاج التدريبي الصوري باستخدام تقنية معرفية أخرى تنطوي على استخدم محفزات خارجية مختلفة كإشارات بهدف تنشيط ذكريات سارّة أكثر مر بها المريض خلال اليوم. استخدم الباحثون تقنية إعادة التنشيط المستهدف للذاكرة من خلال تشغيل صوت مرتبط بتجربة إيجابية. نظرياً، سيدفع تعزيز هذه الارتباطات الدماغ للتركيز على تخزينها في الذاكرة طويلة الأمد بدلاً من تخزين الذكريات السلبية التي تحفّز الكوابيس.
خضع المشاركون في الدراسة إلى جلسات للعلاج باستخدام تقنية إعادة التنشيط المستهدف للذاكرة، حيث تخيّلوا سيناريوهات بديلة لنهايات كوابيسهم. بالإضافة إلى ذلك، طُلب من نصف المشاركين إتمام مهمة إضافية. وهي تخيّل نهاية للكوابيس وربط النهاية السارة بصوت محدد. يقول كيلكيني: "العامل الأهم هو أن يكون المحفّز الخارجي قابلاً للربط بالأفكار التي يرغب المريض بتذكّرها". في الدراسة الجديدة، كان الصوت عبارة عن نغمة على البيانو مدتها ثانية واحدة تم عزفها كل 10 ثوانٍ وتشغيلها من خلال سماعات الرأس عندما كان المرضى يتخيّلون النهايات الإيجابية للكوابيس لمدة 5 دقائق. على مدار الأسبوعين التاليين، خضع المشاركون للعلاج التدريبي الصوري كل مساء قبل النوم مع الاستماع إلى نفس الصوت. في أثناء نوم المشاركين، استخدم الباحثون عصابات رأسية لاسلكية تتحسس دخول أدمغتهم في مرحلة نوم حركة العين السريعة. وهي المرحلة التي تحدث فيها الأحلام والكوابيس الواضحة. وعند دخول أدمغة المشاركين هذه المرحلة، تشغّل العصابات نغمة البيانو بشكل متكرر.
ساعدت تقنية العلاج التدريبي الصوري على تقليل عدد الكوابيس التي رآها المشاركون من المجموعتين. مع ذلك، شهد الأشخاص الذين خضعوا لجلسات إعادة التنشيط المستهدف للذاكرة في أثناء نوم حركة العين السريعة الانخفاض الأكبر في عدد الكوابيس الأسبوعي، وكانوا أكثر عرضة لتشكيل الأحلام من الذكريات الإيجابية. بالإضافة إلى ذلك، استمر هذا الانخفاض في عدد الكوابيس لديهم بعد 3 أشهر من الدراسة.
اقرأ أيضاً: كيف تتشكل الأحلام في أدمغتنا؟
قال الطبيب النفسي في مختبر النوم التابع لمستشفيات جامعة جنيف والمؤلف الرئيسي للدراسة، لامبروس بيروغامفروس (Lampros Perogamvros)، في بيان صحفي: "لاحظنا انخفاضاً سريعاً في عدد الكوابيس، بالإضافة إلى أن الأحلام أصبحت أكثر إيجابية من الناحية العاطفية"، وأضاف: "بالنسبة للباحثين والأطباء، تعتبر هذه النتائج مفيدة للغاية لدراسة المعالجة العاطفية في أثناء النوم وتطوير علاجات جديدة".
لا تقتصر فوائد تقنية إعادة التنشيط المستهدف للذاكرة على التخفيف من أعرض اضطراب الكوابيس؛ إذ ذكر مؤلفو الدراسة أن الآلية الثنائية التي استخدموها يمكن أن تكون فعّالة في علاج المصابين باضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات القلق واضطرابات المزاج، والذين يعانون من الأرق والأحلام المشحونة عاطفياً بشكل روتيني.