جماجم حجرية مكتشفة حديثاً تكشف عن التزاوج الحاصل بين الإنسان العاقل والنياندرتال شرق المتوسط

3 دقائق
جماجم حجرية مكتشفة حديثاً تكشف عن التزاوج الحاصل بين الإنسان العاقل والنياندرتال شرق المتوسط
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Gorodenkoff

أثبتت الأبحاث أن هناك آثاراً ضئيلة من الحمض النووي في جينوم الإنسان المعاصر تعود لأحد أقاربه المنقرضين منذ زمن طويل؛ إنسان نياندرتال (Homo neanderthalensis). عاش إنسان نياندرتال منذ نحو 400 إلى 40 ألف سنة، وهو أقرب أنواع البشر المنقرضة إلى الإنسان العاقل (هومو سابين). لقد أظهرت مجموعة من الأبحاث إن إنسان نياندرتال قد تزاوج مع الإنسان العاقل منذ نحو 100 ألف عام، وقد حددت دراسة جديدة نُشرت حديثاً في مجلة "بيولوجي" مكان حدوث هذا التزاوج.

يقول المؤلف المشارك للدراسة وأستاذ الأنثروبولوجيا التطورية في جامعة ديوك، ستيفن تشرشل، في بيان صحفي: «لقد أحدث الحمض النووي القديم ثورة في طريقة تقييمنا للتطور البشري. في الواقع، غالباً ما نفكر في التطور باعتباره فروعاً على شجرة، وقد أمضى الباحثون وقتاً طويلاً محاولين تتبع المسار الذي قادنا إلى الوصول إلى "الإنسان العاقل". لكننا بدأنا ندرك أن تطورنا لا يمكن تمثيله بفروع شجرة، بل هو بالأحرى أشبه بسلسلة من التيارات التي تتقاطع وتتباعد في مراحل متعددة».

اقرأ أيضاً: إنسان نياندرتال يفسر سبب حدوث آلام أسفل الظهر

هل تزاوج إنسان نياندرتال والإنسان العاقل حقاً؟

جمع فريق من الباحثين، ينتمون إلى جامعة ولاية كارولينا الشمالية وجامعة ديوك وجامعة ويتواترسراند في جنوب إفريقيا، بيانات منشورة سابقاً عن مورفولوجيا أو "بنية" الوجه لإنسان نياندرتال. كان لإنسان نياندرتال وجه أكبر من وجه الإنسان المعاصر، لكن حجم الوجه لا يكفي لتحديد الصلة الجينية بينه وبين الإنسان العاقل.

قام الفريق ببناء قاعدة بيانات، تشتمل على بيانات 13 إنسان نياندرتال و233 إنسان ما قبل التاريخ و83 إنساناً حديثاً، من الأبحاث العلمية الحديثة، مركزين على قياسات الجمجمة المعيارية كعنصر تحكم لدراسة حجم وشكل هياكل الوجه الرئيسية. حيث كانت هذه أفضل طريقة للفريق لتحديد ما إذا كان من المرجح أن إنسان نياندرتال قد تزاوج مع مجموعات الإنسان الأخرى وإلى أي مدى حدث هذا التزاوج.

اقرأ أيضاً: فك شيفرة التاريخ البشري من خلال دراسة الحمض النووي للأسلاف

استخدم الباحثون أيضاً المتغيرات البيئية (مثل عوامل المناخ) التي ترتبط بالتغيرات في خصائص الوجه البشري لتحديد احتمال أن تكون الروابط بين الإنسان البدائي ومجموعات الإنسان ناتجة عن التزاوج بدلاً من بعض العوامل الأخرى.

تقول مؤلفة الدراسة وأستاذة العلوم البيولوجية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، آن روس: «وجدنا أن خصائص الوجه التي ركزنا عليها لم تتأثر بشدة بالمناخ، ما سهّل تحديد التأثيرات الجينية المحتملة. ووجدنا أيضاً أن متغير شكل الوجه كان أكثر فائدة لتتبع تأثير تزاوج إنسان نياندرتال مع البشر بمرور الوقت. كان إنسان نياندرتال ببساطة أكبر من الإنسان العاقل. بمرور الوقت، أصبح حجم وجه الإنسان العاقل أصغر بعد أجيال من تزاوجه مع إنسان نياندرتال. لكن الشكل الفعلي لبعض خصائص الوجه ما زال يحمل دليلاً على التزاوج الذي حدث مع إنسان نياندرتال».

أبحاث إضافية

تتمثل الخطوة التالية لهذا النوع من الدراسة في أخذ قياسات لمجموعات بشرية أخرى، مثل شعوب "الثقافة النطوفية" (Natufian culture) التي عاشت قبل أكثر من 11 ألف عام في شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط فيما يُعرف الآن بفلسطين والأردن وسوريا. تدعم النتائج التي توصل إليها الفريق من خلال مقارنة هذه الجماجم الفرضية القائلة بأن معظم حالات التزاوج هذه تمت في منطقة تمتد من شمال إفريقيا إلى العراق. يقول تشرشل: «كانت هذه دراسة استكشافية. ولم أكن متأكداً من نجاح هذا النهج بالفعل بصراحة بالنظر إلى أن حجم العينة كان صغير نسبياً، ولم يكن لدينا الكثير من البيانات حول هياكل الوجه. ولكن النتائج التي حصلنا عليها في النهاية مقنعة حقاً».

ويضيف تشرشل: «الصورة معقدة جداً. نحن نعلم أنه كان هناك تزاوج، ولكن يبدو أن السكان الآسيويين المعاصرين لديهم كمية أكبر من الحمض النووي لإنسان نياندرتال مقارنة بالسكان الأوروبيين المعاصرين، ما أثار استغرابنا بالنظر إلى أن إنسان نياندرتال عاش فيما يعرف الآن بأوروبا. يشير ذلك إلى أن إنسان نياندرتال قد تزاوج مع البشر المعاصرين عندما غادر أسلافنا في عصور ما قبل التاريخ إفريقيا، ولكن قبل أن ينتشروا في آسيا. كان هدفنا من هذه الدراسة معرفة ما إذا كان بإمكاننا إلقاء المزيد من الضوء على هذه المسألة من خلال فحص بنية الوجه لإنسان ما قبل التاريخ وإنسان نياندرتال».

اقرأ أيضاً: رجل التنين: اكتشاف نوع بشري مجهول من أسلافنا

من المعروف أن إنسان نياندرتال صنع واستخدم مجموعة واسعة من الأدوات المتطورة واستخدم النار وعاش في مأوى وصنع الملابس وارتداها واصطاد الحيوانات الكبيرة وأكل النباتات أيضاً. وهناك أدلة على أنهم كانوا يدفنون موتاهم، ما يدل على تطور هذا النوع. في عام 2010، تم تسلسل أول جينوم كامل لإنسان نياندرتال.

المحتوى محمي