كيف يمكن أن تساعد دراسة السبات الشتوي للدببة على تحسين صحة الإنسان؟

كيف يمكن أن تساعد دراسة السبات الشتوي للدببة على تحسين صحة الإنسان؟
دم الدب البني يتغير بين فترة السبات الشتوي والأشهر التي يزيد فيها نشاطه. دكتور أوليه فروبيرت (Ole Frobert) ودكتور توبياس بيتزولد (Tobias Petzold).
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الجلوس لفترة طويلة ضار بالصحة، وستظهر تبعاته على جسمك حتى لو لم تلاحظ الضرر حالياً. وجد الباحثون أن الامتناع عن الحركة لمدة 4 ساعات على الأقل يرتبط بارتفاع خطر تشكّل الجلطات الدموية لدى البشر.

ولكن هناك بعض الاستثناءات. لا يعاني الأشخاص المصابون بالشلل الدائم من ارتفاع خطر تشكّل الجلطات الدموية، بينما يعتبر الأشخاص الذين يتوقفون عن الحركة مؤقتاً، مثل الذين يقضون وقتاً طويلاً في أسرّة المستشفيات أو مقاعد الطائرات الضيقة، أكثر عرضة للإصابة بالجلطات.

دوران الدم لدى الدببة البنية

بحث العلماء في دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 13 أبريل/ نيسان 2023 في مجلة ساينس (Science) في مسألة دوران الدم لدى الدببة البنية، وهو نوع معروف بأنه يدخل في فترة من السبات تتراوح مدّتها بين 5 و8 أشهر كل سنة ويخرج منها دون أن يعاني من تشكّل الجلطات. يعود عدم تشكّل الجلطات في أجسام الدببة البنية التي تمارس السبات إلى انخفاض مستويات بروتين يحفّز عملية تشكّل الجلطات الدموية. اكتشف العلماء أن أجسام البشر تحتوي على هذا النوع من البروتينات أيضاً، وأنها قادرة على تنظيم مستوياته في بعض الظروف الخاصة.

اقرأ أيضاً: ما الذي تكشفه عظام الفك القديمة عن تطور الدببة القطبية؟

تقول مديرة معهد الطب التجريبي التابع للمجلس الوطني للأبحاث العلمية والتقنية الأرجنتيني، ميرتا شاتنر (Mirta Schattner)، التي لم تشارك في الدراسة الجديدة ولكنها كتبت مقالة وجهة نظر مرافقة لها: “لم أتوقع أبداً أن نلجأ للدببة، ولكن فكرة الاستعانة بالطبيعة لدراسة الظواهر الحيوية في جسم الإنسان ممتازة”.

آلية مضادة للتجلط

أجرى فريق دولي من الباحثين يقوده علماء من جامعة لودفيغ ماكسيميليانز في مدينة ميونخ مجموعة من الاختبارات على الدببة البنية والبشر الذين يعانون من مشكلات الحركة الطويلة الأمد، لمقارنة الآليات المضادة لتشكّل الجلطات في النوعين.

جمع الباحثون عينات الدم من 13 دباً بنياً طليقاً خلال فترة السبات وفي فصل الربيع بعد استيقاظها. لاحظ الباحثون في أثناء تحليل محتويات دماء الدببة التي دخلت في السبات أن هذه الدماء احتوت على عدد أكبر من العلامات التي تشير إلى أن أجسام الدببة تتمتع بآلية مضادة للتجلّط. تعتمد هذه الآلية على خفض نسب عدد من البروتينات، التي تشمل بروتين الصدمة الحرارية 47 “آتش إس بي 47” (HSP47) الذي ينظّم الاستجابات المناعية. يؤدي انخفاض نسبة هذا البروتين إلى تثبيط الالتهابات التي تحفّز عادة عملية تشكّل الجلطات الدموية.

عينة دموية من رئة دب بنيّ تحت المجهر. الأستاذ أوليه فروبرت (Ole Frobert) والأستاذ توبياس بيتزولد (Tobias Petzold).
عينة دموية من رئة دب بنيّ تحت المجهر. دكتور أوليه فروبرت (Ole Frobert) ودكتور توبياس بيتزولد (Tobias Petzold).

استخرج الباحثون عينات الدم من 23 شخصاً يعانون من إصابات في النخاع الشوكي وقارنوها بدماء 23 شخصاً من البالغين الأصحاء لاكتشاف ما إذا كانت التفاعلات التي تؤدي إلى خفض نسب بروتين الصدمة الحرارية 47 تحدث في أجسام البشر المعطّلين عن الحركة بشكل مزمن. لاحظ الباحثون أن مستويات بروتين الصدمة الحرارية 47 انخفضت لدى الأشخاص الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد الصفائح الدموية المتكتلة التي تشكّل الجلطات.

آليات تطورية للتكيف مع السبات وما يعنيه ذلك للبشر

يبين تشابه العمليتين في أجسام الدببة والبشر إلى أن التوقف المطوّل عن الحركة يحفّز تفعيل الآلية المضادة للتجلّط. وفقاً لشاتنر، يكون أثر البروتينات الالتهابية أقوى من أثر الآلية المضادة للتجلّط عندما يقضي البشر عدة أيام فقط في الفراش، تقول: “من المثير للاهتمام تحديد جدوى تثبيط آلية التجلّط لدى المرضى المصابين بالإبطاء الحاد للحركة. إنه هدف جديد في علم الأدوية يمكننا السعي إلى تحقيقه”.

اقرأ أيضاً: عظام «أسلاف الفيلة» تكشف وصول البشر للأمركيتين قبل ما يزيد على 23 ألف سنة

تعتبر آليات مكافحة التجلّط واحدة من عدة تكيفات يمكن لعلماء الأحياء دراستها من خلال دراسة سبات الدببة. طورت الدببة آليات مختلفة تمكّنها من البقاء في سبات خلال فصل الشتاء دون أن تصاب بمجموعة واسعة من المشكلات الصحية عند استيقاظها. على سبيل المثال، تستخدم الدببة دهون أجسامها مصدراً للطاقة دون أن تضطر لخفض كتلة عضلاتها. كما طورّت هذه الحيوانات القدرة على الحد من عملية تجديد خلايا العظام، ما يقيها من الإصابة بهشاشة العظام في أثناء السبات. بالإضافة إلى ذلك، تعدّل أجسام الدببة بعض العمليات الحيوية عند الدخول في السبات؛ إذ إنها تغير معدل ضربات القلب. ودراسة الطريقة التي تخفض فيها أجسام الدببة من معدل ضربات القلب لأشهر متواصلة يمكن أن تساعد الأطباء على فهم الآليات التي تتسبب بالأمراض القلبية لدى البشر بشكل أعمق.

استخراج عينات من الدم من دب بنيّ مُهدّأ. الأستاذ أوليه فروبرت (Ole Frobert) والأستاذ توبياس بيتزولد (Tobias Petzold).
استخراج عينات من الدم من دب بنيّ مُهدّأ. دكتور أوليه فروبرت (Ole Frobert) ودكتور توبياس بيتزولد (Tobias Petzold).

لكن من المحتمل أن تكون إمكانية دراسة هذه الآليات الجسدية التنظيمية قصيرة الأجل. وفقاً لعالمة الأحياء البرية التي تعمل في مركز ألاسكا للعلوم التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأميركي، هيذر جونسون (Heather Johnson)، التي لم تشارك في الدراسة الجديدة، تؤثر تبعات التغير المناخي مثل ارتفاع درجات الحرارة وقِصر فصول الشتاء في أنماط سبات الدببة. تقول جونسون: “لاحظنا أن فترة سبات الدببة أصبحت أقصر، بينما ازداد طول فترات نشاطها”. يحفّز ارتفاع درجات الحرارة في الشتاء الدببة على الاستيقاظ فترة أطول لأن الظروف ملائمة للبحث عن الطعام.

أبلغ البعض أيضاً عن ملاحظتهم أن الدببة لم تعد بحاجة إلى الدخول في السبات مطلقاً لأنها تستطيع التغذّي على طعام البشر طيلة فصل الشتاء. تقول جونسون إنه على الرغم من أن العلماء لا يمتلكون ما يكفي من المعلومات للتنبؤ بتأثير التغير المناخي في بقاء الدببة، فإنهم يلاحظون بالفعل بعض الآثار التي تتمثل في ازدياد عدد الدببة التي لا تدخل في السبات الشتوي خلال موسم الصيد المفتوح وتتفاعل مع البشر أكثر. ليس من المعروف كيف ستتغير أجسام الدببة بسبب تكيفها مع التغير المناخي. قد تفقد الدببة الآليات المضادة للتجلّط التي تتمتع بها حالياً في أي وقت، ما سيمثّل خسارة كبيرة لهذه الحيوانات ويقلل احتمالية التوصل إلى علاج لمرض تجلّط الدم (أو الخُثار).