هل تعد الكمامات فعّالة في الحماية من الهواء الملوث بدخان الحرائق؟

هل تعد الكمامات فعّالة في الحماية من الهواء الملوث بدخان الحرائق؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Daria Nipot

نعرف جميعاً ما هي الكمامات الواقية. منذ عام 2020، اعتمد الكثيرون هذه الكمامات بصفتها وسيلة دفاعية ضد القطرات المحمولة جواً التي تنقل مرض كوفيد ومسببات الأمراض الأخرى. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة رفعت مؤخراً حالة الطوارئ الصحية العامة الخاصة بالجائحة، فقد نشأت أزمة أخرى أصبح من الصعب تجاهلها، وهي حرائق الغابات المولّدة للدخان التي ازدادت شدّة بسبب التغيّر المناخي.

تقول أستاذة الصحة البيئية والمهنية في جامعة كاليفورنيا في مدينة إيرفاين، جَن وو، إن اتباع الإجراءات الاحترازية مثل ارتداء الكمامات يمكن أن يساعدك على حماية نفسك من الغازات السامة التي تولّدها الحرائق عندما تكون كثافة الدخان مرتفعة في الهواء. على وجه التحديد، يجب عليك أخذ ارتداء كمامات إن 95 (N95) أو الكمامات المشابهة في الاعتبار. يعد الاستعداد مسبقاً للتعامل مع الهواء المنخفض الجودة بالغ الضرورة؛ إذ إنه من المرجح أن تتفاقم آثار هذه المشكلة مع ارتفاع درجة الحرارة في العالم.

يتسبب البشر مباشرةً بنحو 85% من حرائق الغابات، لكن التغيّر المناخي البشري المنشأ يُهيئ الظروف الملائمة لازدياد معدل الحرائق الشديدة. وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فقد أدّت الزيادة في درجات الحرارة والجفاف إلى نشوب حرائق غابات أوسع وأكثر شدة وأطول أمداً. يتمثل أحد المخاوف المتعلقة بازدياد شدّة موسم الحرائق في زيادة نسب ملوثات الهواء التي تنبعث مع الدخان الناجم عن حرائق الغابات.

وإذا كنت تعتقد أن حرائق الغابات لن تشكّل خطراً عليك في المنطقة التي تعيش فيها، فكُنْ على دراية بأن الدخان يمكن أن ينتقل إلى مسافات طويلة. ما عليك سوى رؤية كيف تسببت أعمدة دخان الحرائق في كندا في انتشار الدخان شرق الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: لماذا لم يتم تطوير لقاح للفيروسات الأنفية حتى الآن؟

لماذا دخان حرائق الغابات سامٌ لهذه الدرجة؟

تولّد حرائق الغابات مزيجاً من الغازات الخطيرة في عملية الاحتراق، وتشملُ هذه الغازات أولَ أوكسيد الكربون والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات والأوزون. يمكن أن يتسبب التعرُّض الطويل الأمد لهذه المواد الكيميائية بعددٍ من المشكلات الصحية، يجعل أحادي أوكسيد الكربون عملية إيصال الأوكسجين إلى الدماغ أصعب، بينما يمكن أن يتسبب الأوزون بتلفٍ دائم في المجاري الهوائية، وقد يؤدي استنشاق الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان.

يتمثلُ أحد مصادر القلق الرئيسية في كمية الجسيمات الدقيقة التي تحمل اسم بي إم 2.5 (PM 2.5) التي تُطلق في الهواء في أثناء الحرائق. (يشير تعبير "بي إم 2.5" إلى قطر هذه الجسيمات الذي يبلغ 2.5 ميكرونات، ما يجعلها أصغر من خلايا الدم الحمراء)، هذه الجسيمات صغيرة جداً لدرجة أنها يمكن أن تطفو غير مرئية في الهواء لمدة تصل إلى عدة أسابيع. تحمل الرياح هذه الجسيمات من مواقع الحريق إلى مناطق تبعد مئات الكيلومترات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استنشاق هذه الجسيمات بسهولة، وهي تتسبب بالتهاب الرئة والأعضاء الأخرى في الجسم. تقول وو إن الخطورة لا تقتصر على الرئتين، بل إنها تشمل الجسم بأكمله؛ فمن المحتمل أن تلحق هذه الجسيمات السامة الضرر بالقلب والدماغ عندما تدخل إلى مجرى الدم وتنتقل إلى أعضاء أخرى غير الرئتين.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث عندما تصاب الخلايا بفيروسين تنفسيين في الوقت نفسه؟

يقول اختصاصي أمراض الرئة في كلية الطب في جامعة ستوني بروك، نورمان إدلمان (Norman Edelman): "استنشاق هذه الجسيمات أكثر خطورة من تدخين علبة سجائر كاملة". يتسبب التهيّج الناجم عن جسيمات بي إم 2.5 بالألم في الصدر وشعور حارق في الأنف والحلق، يمكن أن يؤدي استنشاق هذه الجسيمات أيضاً إلى نوبات الربو لدى الأشخاص الذين ربما لم يعانوا من الربو من قبل، كما أنه يجعل التنفس صعباً بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض الرئة.

ما الكمامات التي يجب ارتداؤها للحماية من الدخان؟

على غرار الاحتياطات ضد كوفيد-19، فإن كمامات التنفّس مثل إن 95 هي التي يوصى البالغون باستخدامها. تصفّي هذه الكمامات الهواء من الجسيمات التي تتجاوز أقطارها 0.3 ميكرونات. بيّنت دراسة نُشرت عام 2021 في مجلة جيو هيلث (GeoHealth)، أن كمامات إن 95 توفّر الحماية الأفضل ضد دخان حرائق الغابات مقارنة بكمامات المستشفيات والكمامات القطنية. قدّر مؤلفو الدراسة أن حالات الدخول إلى المستشفى ستقل بنسبة 30% إذا ارتدى كلُّ شخصٍ هذه الكمامات في أثناء حرائق الغابات. في المقابل، تقلل الكمامات الجراحية عدد حالات الدخول إلى المستشفى بنسبة 17% فقط، وتحتلُ الكمامات القطنية المرتبة الأخيرة؛ إذ إنها تقلل عدد هذه الحالات بنسبة 6% فقط.

تمثّلُ كمامات بي 100 (P100) أو كيه إن 95 (KN95) خياراً آخر؛ إذ إنها تصفّي الهواء الملوّث من الجسيمات الصغيرة أيضاً. التحذير الوحيد الذي يجب ذكره هو أن كمامات إن 95 وبي 100 الضيقة يمكن أن تجعل التنفس أصعب إذا كنت تعاني من مشكلات رئوية سابقة. يحتوي بعض كمامات إن 95 على صمامات زفير تجعل التنفّس أسهل، ولكن قد لا توفّر هذه الكمامات المستوى نفسه من الحماية الذي توفّره الكمامات التي لا تحتوي على الصمامات. إذا استخدمت كمامة تحتوي على صمام، فخذ في الاعتبار ارتداء كمامة قماشية أو أي طبقة أخرى لتصفية الهواء بكفاءة أكبر.

وفقاً لإدلمان، استخدام أي نوع من الكمامات أفضل من عدم استخدام الكمامات على الإطلاق؛ إذ يقول: "الكمامات القماشية هي الأقل فاعلية، وتصفّي كمامات المستشفيات الهواء جزئياً على الأقل من بعض الجسيمات الكبيرة التي تدخل الأنف والحنجرة". وجدت دراسة أجريت عام 2022، أن أجهزة التنفس والكمامات الجراحية تحمي تماماً من جسيمات الرماد الناجمة عن حرائق الغابات التي يزيد قطرها على ميكرون واحد، بينما تحجب الكمامات القماشية دخول الجسيمات الأكبر إلى الرئتين جزئياً.

تنخفض فاعلية الكمامة إذا ارتديتها بطريقة خاطئة، بغض النظر عن نوعها. يجب عليك تثبيت الكمامة بإحكام على وجهك بطريقة تجعلها تغطّي أنفك وفمك. اضغط للأسفل على جانبي أنفك حتى تغلق منافذ الهواء، وتأكد من أن الشريطين (أو حلقتي الأذن) يمران فوق الأذنين وأسفلهما.

لا توجد قاعدة محددة حول عمر الكمامة، ولكنك لن تتمكن من استخدامها دائماً. يعتمد ذلك على عدد مرات خروجك من المنزل. يجب عليك فحص الكمامات والتخلّص من التالفة منها أو تلك الفضفاضة أو المبللة أو المتسخة من الداخل.

اقرأ أيضاً: أكثر من مرض تنفسي: ما يحدثه كورونا في الجسم وخارج الرئة

هل يجب على الأطفال ارتداء كمامات إن 95؟

كمامات إن 95 مخصصة للبالغين وليس للأطفال. لا تسد هذه الكمامات منافذ الهواء عندما يرتديها الأطفال ولا تصفّي الهواء من الملوثات بكفاءة لأنها غير مصنوعة بأحجام تناسب الأطفال، حتى إذا قررت استخدام كمامة قماشية أو جراحية، فهناك مشكلة أخرى تتمثل في التأكد من أن يرتديها الأطفال على النحو الصحيح وألّا يخفّضوها تحت أنوفهم أو ذقونهم. بدلاً من ذلك، توصي وو بالحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال خارج المنزل عندما تكون جودة الهواء منخفضة. استخدام جهاز لتنقية الهواء في المنزل مفيد أيضاً.

ما الفترة التي يحب أن تقضيها خارج المنزل حتى تحتاج إلى ارتداء كمامة؟

ليس من السهل تقدير هذه الفترة، يقول الخبيران إن الدراسات لم تبحث على نحو شامل فيما إذا كانت الفترات الزمنية تؤثّر في احتمال الخطر. بدلاً من ذلك، ينصح إدلمان بتقييم المخاطر شخصياً؛ إذ يقول: "يتعلّق الخطر بالجرعة، وكلما ازداد عدد الجسيمات التي تتنفسها، ازداد احتمال ظهور الأعراض". استنشاق الهواء الملوث لبضع ثوانٍ لن يتسبب بضرر كبير مثل العمل خارج المنزل من التاسعة حتى الخامسة مساءً. الخلاصة هي أنه يجب عليك ارتداء الكمامة عندما تشعر بالخطر لتحمي نفسك من دخان حرائق الغابات.

المحتوى محمي