سمك السلمون من أكثر أنواع الأسماك رواجاً، ففي الولايات المتحدة مثلاً، يتناوله الأفراد بمعدل سنوي يبلغ نحو 1.6 كيلوغرام للفرد الواحد، وفقاً للمعهد الوطني للمسامك. لا يتجاوز السلمون شعبية من المأكولات البحرية سوى الروبيان. ولكن وفقاً لبحث جديد، لا تروّج الشركات لكمية السلمون بأكملها في البلاد بنزاهة.
وفقاً لدراسة نشرتها مجلة بلوس ون (PLOS One) بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، يحمل سمك السلمون المبيع في مطاعم السوشي ومحالّ البقالة في منطقة سياتل ملصقات خاطئة في نحو 18% من الحالات. يحدث خطأ في تصنيف الأنواع المختلفة من السلمون أحياناً؛ إذ إنه في حالة واحدة على الأقل، باعت جهة ما أسماك التروتة (Trout) على أنها سلمون. مع ذلك، وفقاً للتحليل الجيني الجديد، تحدث أكثر حالات التسمية الخاطئة شيوعاً في المطاعم، التي تقدم سمك السلمون المستزرع على أنه بري على نفقة العميل.
اقرأ أيضاً: هل ينذر اكتشاف بكتيريا إيكولاي في مطاعم ماكدونالدز بالمزيد من حالات التفشي عالمياً؟
ملصقات خاطئة تستهدف أسماك السلمون
من بين عينات متاجر البقالة البالغ عددها 67 عينة والتي قيّمها الباحثون في الدراسة الجديدة، حملت 9 عينات ملصقاً خاطئاً، ما يقابل نسبة 13% تقريباً. مع ذلك، لم يكن سمك السلمون في متاجر البقالة يحمل ملصقات بطرق تعود بالنفع على المتاجر بصورة منتظمة، ولم تكن هناك حالات روَّجت فيها المتاجر خطأً لسمك السلمون المستزرع على أنه بريّ. بدلاً من ذلك، باعت المتاجر أنواعاً برية أحياناً على أنها أنواع أخرى، كما كان السلمون البري أحياناً مصنفاً على أنه مستزرع في عدد قليل من الحالات.
تقول أستاذة علم الأحياء في جامعة سياتل باسيفيك والمؤلفة الرئيسية للدراسة، تريسي ديلغادو: "يبدو أن الأخطاء البريئة وقعت في بعض الأحيان". توضح ديلغادو أنه على الرغم من أن الأسماك الكاملة من أنواع مختلفة من السلمون تتمتع بسمات مميِّزة، وأن المتاجر تحصل على الأسماك السليمة غالباً، فإن العمال في قطاع المأكولات البحرية الذين يجهلون أنواع الأسماك قد يرتكبون الأخطاء في بعض الأحيان. ربما تحدث الأخطاء أيضاً بعد عملية المعالجة.
بالمقابل، التسمية الخاطئة للأسماك في المطاعم تبدو أوضح وأكثر استغلالاً للعملاء. من بين عينات السوشي البالغ عددها 52 عينة التي جمعها الباحثون وقيّموها، حملت 12 عينة أسماء خاطئة، ما يقابل نسبة 23% في مختلف المطاعم. كما روجت المطاعم لأسماك السلمون على أنها تنتمي إلى نوع أعلى تكلفة. صنّفت المطاعم سمك السلمون الأطلسي المستزرع على أنه بري في 10 من هذه الحالات، بينما صنفت نوعاً برياً أقل تكلفة على أنه أعلى تكلفة في حالتين.
توصلت ديلغادو إلى النتائج من خلال تكليف طلاب علم الوراثة بزيارة المطاعم والمتاجر وجمع عينات السلمون مباشرة على مدى فصلين دراسيين. اتبع الطلاب القواعد السليمة لحفظ الأسماك وتقليل خطر تلوثها للحد الأدنى؛ إذ إنهم ارتدوا القفازات واستخدموا أنابيب الاختبار والمبرّدات في العديد من الحالات. تقول ديلغادو: "أردت إدخال ثقافة البحث إلى الصفوف الدراسية وجعل طلابي يشعرون بأنهم يُجرون نشاطاً يسهم في العلم".
استخدمت ديلغادو وطلابها تقنيات التحليل الجيني القياسية، مثل تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR)، لتضخيم أجزاء الحمض النووي واستخراج شيفرة جينية قارنوها بعد ذلك بالتسلسلات المعروفة الخاصة بكل نوع من أنواع سمك السلمون. نظر الباحثون على وجه التحديد في جين سيتوكروم سي أوكسيداز الذي يؤدي دوراً في تنفس المتقدّرات واستقلاب الطاقة الخلوي. سيتوكروم سي أوكسيداز هو تسلسل جيني مهم بما يكفي ليكون محفوظاً ومتطابقاً تقريباً بين الأفراد، ويمكن الاستفادة منه في التمييز بسهولة بين الأنواع بسبب الاختلافات الطفيفة فيه.
اقرأ أيضاً: دراسة صادمة: الكوكايين يصل إلى أسماك القرش والكائنات البحرية التي يستهلكها الإنسان
تباين القيمة بين أسماك السلمون باختلاف مصادرها
ينتمي السلمون المستزرع في الولايات المتحدة بأكمله تقريباً إلى نوع السلمون الأطلسي، وهو نوع مختلف عن سلمون المحيط الهادئ الذي يوجد في المسامك التجارية في ألاسكا وعلى طول الساحل الغربي للبلاد. السلمون الأطلسي الذي يباع في الولايات المتحدة مستزرع بأكمله. هناك خمسة أنواع مميزة من سمك السلمون في المحيط الهادئ، وبعضها أعلى قيمة من بعضها الآخر، ما جعل تحديد إذا كانت المؤسسات تضع الملصقات على منتجات الأسماك بدقة سهلاً. مع ذلك، لا يمكن تحديد المرحلة التي حدث فيها الخطأ في الملصقات بدقة من خلال التحليل في الدراسة الجديدة. ربما حدث ذلك في المطاعم أو في مراحل أعلى من سلسلة توريد الأطعمة، أي لدى الموزّعين، كما حدث في قضية من عام 2011 تبيّن فيها أن أحد موزّعي الأسماك الرئيسيين في منطقة سياتل وضع ملصقات خاطئة على منتجاته، ما أدى إلى سجنه.
تتوافق المعدلات الإجمالية للتسميات الخاطئة في المطاعم التي كشفتها الدراسة مع التقييمات السابقة للمأكولات البحرية في منطقة سياتل، على الرغم من إصدار تشريع على مستوى الولاية عام 2013 نص على جعل التسويق الخاطئ للأسماك غير قانوني. نص هذا التشريع أيضاً، على وجه التحديد، على ضرورة إضافة الملصقات التي تحتوي على الأسماء المعروفة للأنواع على منتجات المأكولات البحرية وتحديد إذا كانت الأنواع برية أو مستزرعة.
الاحتيال في قطاع المنتجات السمكية ليس مشكلة قديمة، لكن البحث الجديد يبين أن الولايات المتحدة لم تعالج هذه المشكلة على النحو السليم. تقول ديلغادو إنه ربما كان لسياسة واشنطن الأثر الإيجابي المقصود في متاجر البقالة، التي أثبتت أنها "موثوقة للغاية"، بدءاً من سلاسل المتاجر الوطنية إلى المتاجر الصغيرة المحلية. لكن المطاعم ما زالت متأخرة. تقول ديلغادو: "يجب إجراء المزيد من عمليات التفتيش"، وتأمل أن يجدد البحث الجديد الاهتمام بهذا الموضوع.
تشير ديلغادو إلى أن ولاية واشنطن أجرت الاختبارات على نحو روتيني بصفتها واحدة من أكثر أسواق الأسماك موثوقية بالنسبة للمستهلكين، وباعتبارها مصدر بعض أنواع سمك السلمون البري وقريبة من الموردين في ألاسكا، إضافة إلى أنها تتمتع بمعدلات منخفضة نسبياً في إضافة الملصقات الخاطئة. تقول ديلغادو إنه من المرجح أن تكون هذه المعدلات أعلى في المناطق الأخرى من البلاد التي تمر فيها أسماك السلمون بمراحل أكثر قبل الوصول إلى المستهلك.
من الواضح أن دفع مبالغ كبيرة للحصول على منتج جرى الإعلان عنه على نحو خاطئ أمر سيئ، وأن التعرض للخداع مزعج. تقول ديلغادو: "يريد الناس أن يعرفوا ما يأكلونه، وهم يتوقعون أنهم سيحصلون على المنتج الذي طلبوه إذا دفعوا ثمنه".
اقرأ أيضاً: اللحوم النباتية: هل هي حقاً صحية أكثر من اللحوم الحيوانية؟
تبعات أخطر لوضع ملصقات خاطئة على سمك السلمون
هناك تبعات أخطر لوضع الملصقات الخاطئة على منتجات السلمون. أعداد سمك السلمون آخذة في الانخفاض في ظل التهديدات الناجمة عن التغير المناخي والصيد الجائر وانتشار الأنواع الغازيَة والتلوث وممارسات استزراع الأسماك غير المسؤولة. بالإضافة إلى ذلك، فإن وضع الملصقات الخاطئة على المنتجات قد يعوق المستهلكين الواعين الذين يحاولون اتخاذ خيارات مسؤولة في عملية شراء المنتجات. علاوة على أنه يزيد تعقيد جهود الحفظ في المسامك؛ إذ إنه يؤدي إلى الخطأ في إحصاء الأنواع المبيعة والتي يصيدها الصيادون. تقول ديلغادو: "لن يكون تقييم العرض والطلب دقيقاً بالفعل إذا كانت المنتجات تحمل ملصقات خاطئة".
أخيراً، تشير الأبحاث السابقة إلى أن وضع الملصقات الخاطئة على المأكولات البحرية يمكّن الشركات من بيع الأسماك المستوردة من مصادر غير قانونية أو غير منظمة بالقانون تعرّض سلامة المسامك على مستوى العالم للخطر. عموماً، تجعل الممارسات المشبوهة والاحتيالية كلاً من الحفاظ على البيئة محلياً والمراقبة البيئية أصعب، إضافة إلى أنها قد تؤدي إلى ممارسات غير مستدامة في سياقات أخرى. لا تقتصر عواقب الإعلان المضلل على الفواتير التي يدفعها العملاء في المطاعم أو المأكولات التي يتناولونها.