تنجم الأمراض العصبية إمّا عن أذيات رضية أو التهابية غير مُعالَجة وتؤدي إلى تنكس الخلايا العصبية وموتها، كما يحدث عند الإصابة بـ "الخرف" حيث يتم فقدان الخلايا العصبية بدون تعويض لها ما يؤدي لحدوث خلل في اتصال هذه الخلايا ببعضها بعضاً، الأمر الذي يؤدي لتأثر السلوك والتفكير والمشاعر. بالمقابل قد تكون بعض الأمراض العصبية موروثة مثل "ألزهايمر"، وهو التراكم غير الطبيعي لبروتينات شاذة في خلايا الدماغ الأمر الذي يؤثر على الذاكرة ويعيق الأداء الذهني السليم.
توجد مجموعة من عوامل الخطورة مثل قلة النشاط البدني وزيادة الوزن والسمنة والإصابة بمرض السكري والتي تزيد احتمال الإصابة بالخرف وألزهايمر؛ إذ يعاني كبار السن الذين لا يمارسون الرياضة من مشاكل في الذاكرة أو التفكير وقد يؤثر ذلك على إمكانية إصابتهم بالأمراض العصبية التنكسية مستقبلاً. وكانت هذه مجموعة الأسباب وعوامل الخطورة التي حذّر منها علماء الأعصاب، إلّا أن دراسة حديثة من جامعة كاليفورنيا الأميركية كشفت أن نمط الحياة قد يلعب دوراً في الحماية من طيف الأمراض العصبية أو الإصابة بها، كما ظهر عند قبائل الأمازون الأصليين.
نسب الإصابة بالخرف وألزهايمر بين قبائل الأمازون الأصليين
في الوقت الذي يبحث فيه علماء الأعصاب في جميع أنحاء العالم عن حلول لمرض ألزهايمر والخرف، كشفت دراسة جديدة أن قبيلتين من السكان الأصليين في منطقة الأمازون البوليفية، وهما (تسيماني) و(موسيتين)، تعانيان من أدنى معدلات الإصابة بالخرف في العالم، إذ وجد فريق بحث دولي أن 1% فقط من كبار السن من سكان تسيماني وموسيتين يعانون من الخرف، بينما يعاني 11% من كبار السن في الولايات المتحدة منه.
درس الباحثون نتائج التصوير المقطعي المحوسب (CT) للدماغ، إضافةً إلى التقييمات المعرفية والعصبية لدراسة وتشخيص الخرف والضعف الإدراكي بين هاتين القبيلتين، وشخصوا إصابة 5 سكان فقط بالخرف من بين 435 شخصاً من قبيلة تسيماني وحالة واحدة فقط من بين 169 من سكان قبيلة موسيتين.
اقرأ أيضاً: هل توجد صلة بين فقدان حدة البصر والإصابة بالخرف؟
سبب انخفاض نسبة إصابة سكان الأمازون الأصليين بالخرف وألزهايمر
فوجئ الباحثون عندما اكتشفوا أن المشاركين في الدراسة، والذين عانوا من الاختلال المعرفي المعتدل، بوجود تكلسات غير عادية وبارزة في الشرايين داخل الجمجمة. وعلى الرغم من أن التكلسات كانت أكثر شيوعاً بين الأفراد المصابين بضعف الإدراك، إلّا أن الباحثين لاحظوا وجودها في التصوير المقطعي المحوسب لمن لا يعانون من الخرف أو الاختلال المعرفي المعتدل، الأمر الذي يفرض الحاجة للقيام بالمزيد من البحث لفهم دور عوامل الأوعية الدموية كعامل خطر للإصابة بالخرف.
ولهذه الغاية، عاد فريق البحث إلى قريتي تسيماني وموسيتين لإعادة زيارة أولئك الذين تم تقييمهم مسبقاً، ووجدوا أن سكان تسيماني نشيطين بدنياً حيث يقومون بالصيد والزراعة وجمع الطعام من الغابة، كما وجدوا أن الأمر كذلك بالنسبة لسُكان موسيتين المولعين بالأعمال الزراعية.
بالمقارنة مع معدلات الإصابة بالخرف الأكثر ارتفاعاً بين سكان الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا ونمط حياتهم، تبين أن نمط الحياة يلعب الدور الأهم نظراً لوجود مخاطر أكبر للإصابة بالخرف عند الإصابة بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم واستهلاك الكحول والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية. والسبب هو أن هذه العوامل تسرع شيخوخة الدماغ والأوعية الدموية ما يؤثر على معدل الإصابة بالأمراض العصبية التنكسية.
اقرأ أيضاً: هل يوجد ارتباط بين تعاطي الكحول والخرَف؟ الأمر معقَّد
قالت "مارجريت جاتز"، مؤلفة الدراسة وأستاذة علم النفس وعلم الشيخوخة والطب الوقائي في مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية في جامعة كاليفورنيا: "إنه شيء يتعلق بنمط الحياة في فترة ما قبل الثورة الصناعية، والذي كان عاملاً وقائيّاً ساهم في خفض معدل حدوث الخرف عند سكان تسيماني وموسيتين".
كانت عوامل الخطر هذه منخفضة للغاية بين سكان تسيماني وموسيتين، إذ أظهر بحث سابق نُشر في دورية "لانست" أن سكان تسيماني يتمتعون بقلوب صحية حتّى كبار السن منهم، كما وُجِد انتشار أقل لتصلب الشرايين التاجي مقارنةً بأي مجتمع آخر.وقال "أندريه إيريما"، أستاذ مُساعد في جامعة جنوب كاليفورنيا ومؤلف مشارك في الدراسة الحديثة، في بيان له: "أظهر سكان تسيماني ضموراً دماغياً أقل مقارنةً بأقرانهم من الأميركيين والأوروبيين". كما أوضح "بنجامين ترامبل"، مؤلف مشارك في الدراسة وأستاذ مشارك في مدرسة التطور البشري والتغيير الاجتماعي ومركز التطور والطب في جامعة أريزونا: "ما نعرفه هو أن الحياة الصناعية المستقرة والحضرية تعتبر جديدة تماماً عند مقارنتها بالطريقة التي عاش بها أسلافنا لأكثر من 99% من وجود البشرية". وأضاف أن أعداد الأشخاص المصابين بالخرف في جميع أنحاء العالم سيتضاعف بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050.