تغيُّرات في الحمض النووي مرتبطة بالسرطان لدى مدخني السجائر والسجائر الإلكترونية

3 دقيقة
تغيرات في الحمض النووي مرتبطة بالسرطان لدى مدخني السجائر والسجائر الإلكترونية
حقوق الصورة: shutterstock.com/Andrey_Popov

ملخص: كشفت دراسة نشرتها المجلة الأميركية لعلم الخلايا التنفسية وعلم الأحياء الجزيئي في أغسطس 2024، أن السجائر الإلكترونية قد لا تكون بديلاً أكثر أماناً للتدخين التقليدي، حيث يحفّز كلاهما تغييرات جينية متماثلة. في الدراسة حلل باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا أنماط مثيلة الحمض النووي في الخلايا الفموية من 30 شاباً، بمتوسط عمر ​​23.5 عاماً، مصنفين إلى: مستخدمي السجائر الإلكترونية والمدخنين التقليديين وغير المدخنين. أشارت النتائج إلى وجود مناطق مثيلة تفاضلية (DMRs) لدى مستخدمي السجائر الإلكترونية والمدخنين التقليديين، مع مناطق مثيلة تفاضلية مشتركة بين المجموعتين، حيث ارتبطت المناطق المشتركة بمواقع جينية معروفة بتنظيم مسارات الإشارات البيولوجية المهمة التي تدفع تطور المرض. سلّطت الطبيبة ستيلا توماسي الضوءَ على إمكانية أن تعمل هذه العلامات الجينية كعلامات حيوية تنبؤية لخطر الإصابة بالسرطان، ما يمهّد الطريق لاستراتيجيات المراقبة والعلاج الشخصية. وتفتح الدراسة أيضاً آفاقاً لتطوير توقيع جزيئي للسجائر الإلكترونية، ما قد يساعد على صياغة استراتيجيات الصحة العامة فيما يتعلق بمخاطرها المتنوعة.

على الرغم من الاعتقاد بأن السجائر الإلكترونية بديل أكثر أماناً للتدخين التقليدي، فإن دراسة جديدة نشرتها المجلة الأميركية لعلم الخلايا التنفسية والجزيئات في أغسطس/آب 2024، تشير إلى خلاف ذلك. 

أظهرت الدراسة أن التأثيرات الجينية للتدخين الإلكتروني تماثل تلك الناتجة عن التدخين التقليدي؛ إذ يسبب كلاهما تغيّراً في الجينات المسؤولة عن تثبيط الأورام.

ما هي مثيلة الحمض النووي؟

هدفت الدراسة، التي أجراها باحثون من كلية كيك للطب بجامعة كاليفورنيا الجنوبية (Keck School of Medicine of USC)، إلى التحقيق في التأثيرات الجينية للتدخين الإلكتروني مقارنة بالتدخين وعدم استخدام منتجات النيكوتين، لذا حللوا أنماط مثيلة الحمض النووي في الخلايا الفموية للشباب البالغين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية أو يدخنون أو لا يستخدمون منتجات النيكوتين.

مثيلة الحمض النووي هي عملية كيميائية ترتبط فيها مجموعة الميثيل بجزيء الحمض النووي، وهي ضرورية لأداء الوظائف الخلوية. يمكن وصفها بالمفتاح الذي يمكنه تشغيل الجينات أو إيقافها، أي تضمن أن تكون الجينات الصحيحة نشطة في الأوقات المناسبة، لذا فإن أي شذوذ أو خطأ في عملية المثيلة قد يؤدي إلى إيقاف الجينات النشطة أو العكس، أي قد تؤدي إلى خلل في العمليات الخلوية الطبيعية، ما قد يسبب بدوره السرطان أو أمراضاً أخرى. 

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: آثار التدخين السلبية في الجهاز المناعي تستمر سنوات بعد الإقلاع عن التدخين

قياس المثيلة لدى المدخنين

شملت الدراسة 30 شاباً بمتوسط عمر 23.5 عاماً، مقسمين إلى 3 فئات:

  • مدخنو السجائر الإلكترونية: والذين دخنوها 3 مرات على الأقل في الأسبوع، مدة 6 أشهر على الأقل، دون أن يستهلكوا السجائر العادية.
  • مدخنو السجائر العادية: الذين دخنوا السجائر العادية 3 مرات في الأسبوع، مدة عام على الأقل، دون استخدام السجائر الإلكترونية.
  • غير المدخنين: لا يستهلكون السجائر العادية ولا الإلكترونية.

جمع الباحثون عينات الخلايا الفموية من خدود المشاركين جميعهم، مع الأخذ بعين الاعتبار العمر والعرق والجنس والعوامل المؤثرة؛ مثل كمية الطعام المتناولة أو الكحول التي يستهلكها المشارك.

ولقياس المثيلة، حلل الباحثون خلايا المشاركين باستخدام تقنية التسلسل عالية الدقة، المعروفة باسم تسلسل ثنائي كبريتيت الجينوم الكامل (Whole genome bisulfite sequencing)، لدراسة أكثر من 25 مليون موقع عبر الجينوم.

على وجه التحديد، بحثوا عن وجود ما يُعرف بـ "المناطق الميثيلية التفاضلية" (Differentially Methylated Regions) أو (DMRs)، وهي مناطق في الحمض النووي تختلف فيها حالة المثيلة في عينات بيولوجية مختلفة، أي قد تكون مثيلة بدرجة أكبر أو أقل في إحدى مجموعات المشاركين، فوجدوا 831 منطقة ميثيلية تفاضلية (DMRs) لدى مدخني السجائر الإلكترونية، و2863 لدى مدخني السجائر العادية، ثم وجد الباحثون 346 منطقة ميثيلية تفاضلية (DMRs) مشتركة بين المدخنين ومستخدمي السجائر الإلكترونية، وذلك في مواقع جينية معروفة بتنظيم مسارات الإشارات البيولوجية المهمة التي تدفع تطور المرض.

بعبارة أخرى، تماثلت التغيرات في مثيلة الحمض النووي والتي تسهم في تطور الأمراض، بما فيها السرطان، لدى المدخنين مع مدخنين السجائر الإلكترونية.

على وجه التحديد، أشارت النتائج إلى أن منطقة الميثيلية التفاضلية (DMRs) الأكثر أهمية والمشتركة بين كلا نوعي المدخنين كانت في جين "فرط الميثيل في السرطان 1" (Hypermethylated In Cancer 1) أو (HIC1)، وهو الجين المثبط للورم.

غالباً ما يتعطل هذا الجين لدى المدخنين عن طريق الميثلة في مرحلة مبكرة جداً من تطور السرطان، ولدى المعرضين لخطر الإصابة بالسرطان وأمراض مزمنة أخرى. 

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تربط السجائر الإلكترونية مع زيادة خطر حدوث السرطان

تطبيقات البحث

توفّر نتائج هذه الدراسة أساساً جزيئياً لفهم المخاطر الصحية المحتملة لاستهلاك السجائر العادية والإلكترونية، حيث يمكن لنتائج الدراسة التي ساعدت على فهم التغيرات الجينية المرتبطة بالتدخين أن تكون علامة بيولوجية تنبؤية يستخدمها الأطباء في تحديد مَن يحتاج إلى مراقبة دقيقة بسبب خطر الإصابة بالسرطان، والمساعدة على كشفه في وقتٍ مبكر، وتطوير استراتيجيات مستهدفة للوقاية وعلاج المشكلات الصحية المرتبطة بالتدخين والتدخين الإلكتروني، بما فيه تقديم المشورة الشخصية، ومراقبة العلامات الجينية، والتدخلات التي تهدف إلى عكس أنماط مثيلة الحمض النووي الضارة.

توضّح الأستاذة المشاركة في علوم السكان البحثية والصحة العامة في كلية كيك للطب بجامعة كاليفورنيا الجنوبية والمؤلفة الرئيسية للدراسة الطبيبة ستيلا توماسي (Stella Tommasi): "أن هذه الدراسة تقدّم الكثير من الفرص، فهي تظهر لنا أن هناك العديد من الجينات المرشحة التي يمكن استكشافها لتقييم خطر الإصابة بالأمراض بين المدخنين".

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: التدخين قد يؤدي إلى زيادة دهون البطن الخطيرة

علاوة على ذلك، يمكن أن تكون نتائج هذه الدراسة هي البداية لإنشاء توقيع جزيئي للتدخين الإلكتروني، على اختلاف نكهاته ومحتواه من المواد المضافة، واستخدامه في تقييم المخاطر المرتبطة بالتدخين الإلكتروني في عموم السكان.