يحتوي جسم الإنسان على مكونات تشبه الصخور، وهي المعادن التي تعتمد على الكالسيوم لتكوين العظام والأسنان. من خلال عملية تسمى "التمعدن الحيوي" (biomineralization)، يُنتج الجسم هذه المواد التي تصبح أكثر صلابة مع تطور نموها. تحدث هذه العملية أيضاً في أجسام الحيوانات الأخرى التي تمتلك هياكل عظمية وأسناناً. كما ينطبق هذا الأمر على الحيوانات ذوات الأصداف؛ إذ تتشكل مادة أم اللؤلؤ قزحية اللون عن طريق عملية التمعدن الحيوي.
متابعة عملية التمعدن الحيوي
واجه علماء الأحياء في الماضي صعوبة في مراقبة آلية تنفيذ هذه العملية. أما الآن، فقد استطاع العلماء رصد هذه العملية من خلال صور واضحة وثلاثية الأبعاد. تتضمن تقنية مراقبة النمو الزماني والمكاني للعظام والأسنان (BEE-ST)، كما يسميها مبتكروها، إضافة صبغة إلى العظام أو الأسنان الناشئة، ثم مراقبة كيفية انتشار اللون خلال نمو المكونات المضيفة.
نشر مبتكرو هذه التقنية أعمالهم في مجلة ساينس أدفانسس (Science Advances) في 2 أغسطس/ آب. إذا كانت نتائج هذه التقنية صحيحة وموثوقة، فمن الممكن أن تكون مفيدة للأشخاص الذين يدرسون كيفية نمو العظام والأسنان، إضافة إلى الأشخاص الذين يرغبون بالتحكم في هذا النمو بأنفسهم.
يقول عالم الأحياء التطورية في جامعة ماساريك (Masaryk University) بمدينة برنو في جمهورية التشيك، وأحد مؤلفي البحث، يان كريفانيك (Jan Křivánek): "في الوقت الحالي، لا توجد أدوات متاحة لمراقبة سرعة نمو الأسنان وقياسها بدقة في الظروف المكانية والزمانية". لكن يأمل الباحثون أن يتغير ذلك بفضل هذه التقنية الجديدة.
اقرأ أيضاً: آلية مبتكرة لترميم إصابات العظام من الكولاجين
يمكن أن يحقق بعض الأساليب جزءاً من هذا الهدف. في الوقت الحالي، يمكن أن يعتمد كل من العلماء والكوادر الطبية على تقنية تسمى "التصوير المقطعي المحوسب" (micro-computed tomography)، إذ يمسحون جسماً ما باستخدام الأشعة السينية من زوايا متعددة، ثم يجمّعون عمليات المسح معاً لإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد. على الرغم من أن هذا الأسلوب يوفر رؤية ثلاثية الأبعاد للمراقبين، لكنه يعطي فقط لقطة واحدة في وقت محدد، بدلاً من تقديم صورة كاملة ومتسلسلة لعملية التطور والنمو.
استخدام الصبغة لمتابعة نمو العظام والأسنان
تتمثل إحدى الطرائق الأخرى في استخدام الصبغة. منذ عقود، كان الخبراء الذي يدرسون نمو العظام وتطورها يعلمون أن الصبغة والمواد المشابهة لها يمكن أن تتفاعل مع الكالسيوم الموجود في تركيبة العظام والأسنان. على الرغم من ذلك، لا تُعد هذه الطريقة خياراً مثالياً لمراقبة طريقة نمو الأعضاء التي تعتمد على وجود الكالسيوم في تركيبتها الأساسية. لأن أحد التحديات التي تواجه دراسة الهيكل الداخلي للعظام يتطلب إزالة الكالسيوم من العينة، ما يؤدي إلى فقدان الصبغة المستخدمة. يمكننا التغلب على هذه المشكلة عن طريق أخذ عينة صغيرة من السن أو العظام لدراستها، لكنّ هذه الطريقة تمنحنا فقط صورة ثنائية الأبعاد تعكس جزءاً صغيراً من الصورة الثلاثية الأبعاد الأكبر.
أراد كريفانيك وزملاؤه مراقبة طريقة نمو أسنان الفئران، لكنهم أرادوا أيضاً طريقة أكثر تطوراً ودقة لرؤية عمليات تفاعل الكالسيوم داخل الأسنان، بدلاً من الأساليب الأخرى التي تتطلب إزالة الكالسيوم والصبغة. لذلك، قرروا تكييف طريقة استخدام الصبغة لتناسب احتياجاتهم. لحسن الحظ، طوّر الباحثون في السنوات الماضية عدة تقنيات لمشاهدة البنية الداخلية للأسنان دون الحاجة إلى إزالة الكالسيوم. إذ تمكنوا من حقن صبغة داخل سن أو عظم في مرحلة النمو، ثم التقطوا صوراً ثلاثية الأبعاد لهذا السن أو العظم على مدار فترة زمنية محددة.
كما حقن الباحثون كميات أخرى من الصبغة في فئران التجارب على مدى بضعة أيام؛ لتتبع توزيع الصبغة داخل الأسنان أو العظام ومراقبة كيفية تطورها مع مرور الوقت. عندما وضع العلماء الأسنان لاحقاً تحت المجهر، لاحظوا وجود سلسلة من الخطوط التي يمثل كل منها حقنة مختلفة من الصبغة.
اقرأ أيضاً: هل هناك طرق أفضل لعكس الشيخوخة اليوم من الراديوم الذي كان يُعتبر إكسيراً للشباب يوماً ما؟
خلال هذه العملية، أدرك الباحثون أن تقنيتهم يمكن أن تُستخدم لأغراض أوسع من مجال دراسة أسنان الفئران؛ إذ أظهروا إمكانية تطبيق هذه التقنية على عظام الفئران أيضاً. ثم وسع الباحثون نطاق الدراسة من الفئران إلى أنواع أخرى من الحيوانات، إذ حقنوا الصبغة في مجموعة متنوعة من الفقاريات، مثل الحرباء (الزواحف)، ودجاج الأدغال (الطيور)، والضفادع (البرمائيات)، وأسماك الزرد (الأسماك).
استغرق كريفانيك وزملاؤه عدة سنوات لإجراء هذه العمليات، لكنهم يعتقدون في النهاية أنهم ابتكروا طريقة موثوقة لمراقبة نمو الأسنان والعظام. لكنّ استخدام هذه التقنية لا يقتصر على هذا الغرض فحسب. يقول كريفانيك: "نحن على ثقة تامة بأن هذه التقنية ستُطور بصورة أكبر لتُستخدم في مجالات أخرى".
استخدام الطريقة في مجال هندسة الأنسجة
أحد هذه المجالات يسمى "هندسة الأنسجة"، وهو علم يختص بدراسة الأنسجة في الجسم البشري وتعديلها وتطويرها. يمكن أن يشمل مصطلح "الأنسجة" أي شيء بدءاً من الجلد إلى العضلات والأعضاء الداخلية، وحتى المواد التي تتميز بقوة وصلابة عالية وتوجد في العظام والأنسجة. باستخدام وسائل مثل الخلايا الجذعية، يمكن للعلماء تقوية الأنسجة أو تحسينها أو حتى محاولة إعادة استنساخها. يمكن أن تساعد هذه التقنية في التئام العظام المكسورة أو تكوين أسنان جديدة لتعويض الأسنان التالفة عن طريق تجديد الأنسجة السنية.
اقرأ أيضاً: عظام «أسلاف الفيلة» تكشف وصول البشر للأمركيتين قبل ما يزيد على 23 ألف سنة
لكن، لكي يتمكن المهندسون المهتمون بتقنية الهندسة العظمية من تصميم أي شيء وتطويره، يجب عليهم فهم طريقة عمل المواد التي يستخدمونها وتفاعلها في أثناء عملية النمو والتطور. يعتقد كريفانيك أن هذه التقنية يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في هذا المجال؛ إذ يقول: "فتحت هذه التقنية آفاقاً جديدة للبحث والتطوير، لذلك، دعونا نرى كيف سيستخدمها المجتمع العلمي".