تسمع آذاننا الموسيقى والكلام مرات عدة في اليوم دون أن نلاحظ ذلك أحياناً. وتساعدنا أدمغتنا بدورها على التفريق بين الأغاني أو صوت صديق يروي لنا قصة. اكتشف فريق من العلماء مؤخراً الآلية الكامنة وراء هذه العملية، ما قد يسهم في تطوير خيارات علاجية جديدة لمساعدة المرضى الذين يعانون فقدان القدرة على الكلام (أو الحُبسة) على استعادة هذه القدرة.
وُصفت النتائج في دراسة نشرت بتاريخ 28 مايو/أيار 2024 في مجلة بلوس بايولوجي (PLOS Biology). قال اختصاصي علم النفس المعرفي في جامعة نيويورك والمؤلف المشارك للدراسة، أندرو تشانغ، في بيان صحفي: "على الرغم من اختلاف الموسيقى والكلام من نواحٍ كثيرة، من درجة الصوت وطابعه إلى عذوبة الصوت، تبين النتائج التي توصلنا إليها أن الجهاز السمعي يستخدم معايير صوتية بسيطة للغاية للتمييز بين الموسيقى والكلام".
اقرأ أيضاً: إليك أغرب الحقائق عن الدماغ
قياس الضوضاء
ما يفهمه العلماء بعمق هو كيفية قياس تردد الإشارات الصوتية باستخدام واحدة قياس تسمى "الهرتز" (Hertz). كلما زاد عدد وحدات الهرتز، زاد عدد التكرارات، أو الدورات، في الثانية. يمشي البشر عادة بوتيرة تتراوح بين خطوة ونصف وخطوتين في الثانية، أو 1.5- 2 هرتز. يبلغ تردد أغنية "الخرافة" (Superstition) لستيفي وندر 1.6 هرتز تقريباً. على سبيل المقارنة، يبلغ تردد الكلام عادة ضعفين أو 3 أضعاف من هذا المعدل؛ أي 4-5 هرتز.
يظل مستوى صوت الأغاني، أو معدل تضمين السعة، ثابتاً تقريباً بمرور الوقت؛ إذ يتراوح بين 1 و2 هرتز. يتراوح معدل تضمين السعة لكلام البشر بين 4 و5 هرتز، ما يعني أن مستوى الصوت يتغير على نحو متكرر. على الرغم من أننا نتعرض للموسيقى والكلام في كل مكان تقريباً طوال الوقت، لا يعلم العلماء بعد كيف يميّز الجهاز السمعي بينهما بهذه الدرجة من السهولة والتلقائية.
سماع الأصوات في الضجيج
أجرى الفريق في الدراسة سلسلة من 4 تجارب. استمع أكثر من 300 مشارك إلى سلسلة من المقاطع الصوتية من موسيقى مركّبة وضوضاء تشبه الكلام. تمتعت المقاطع بسعات مختلفة وسرعة مختلفة لتضمين السعات ودرجات انتظام مختلفة. مع ذلك، أتاحت المقاطع الصوتية للأذن والدماغ تحسس مستوى كل من الصوت والسرعة فقط، كما قال الباحثون للمشاركين إن الأصوات كانت عبارة عن موسيقى أو كلام يبدو كل منهما على أنه ضوضاء. طلب الفريق من المشاركين تحديد إن بدت مقاطع الضوضاء الغامضة هذه أشبه بالموسيقى أو الكلام. ثم راقبوا النمط الذي اتبعه المشاركون وهم يحددون إن كانت المئات من مقاطع الضوضاء عبارة عن كلام أو موسيقى، وحللوا هذا النمط.
وفقاً للفريق، تمثل هذه الآلية المقابل السمعي لظاهرة "رؤية الوجوه في السحب". إذا تمتّعت الموجة الصوتية بسمة معينة تتطابق مع ما يدركه المستمع على أنه موسيقى أو كلام، فقد يبدو حتى مقطع من الضوضاء البيضاء وكأنه موسيقى أو كلام. اكتشف الفريق أن الجهاز السمعي لدى البشر يستخدم معايير صوتية بسيطة وأساسية للتمييز بين الكلام والموسيقى. بدت المقاطع التي تتمتع بتردد أخفض من 2 هرتز ومعدل تضمين سعة أكثر انتظاماً كأنها موسيقى بالنسبة للمشاركين. في حين كانت المقاطع التي تتمتع بتردد أعلى يبلغ 4 هرتز تقريباً ومعدل تضمين سعة غير منتظم أشبه بشخص يتحدث. قال تشانغ: "عموماً، تبدو المقاطع الصوتية الأبطأ والمنتظمة التي تتضمن الضوضاء أشبه بالموسيقى، في حين تبدو المقاطع الأسرع وغير المنتظمة أشبه بالكلام".
اقرأ أيضاً: 8 أدوات لمنع الضوضاء وعزل الصوت أثناء المكالمات
تطبيقات مستقبلية
قد يساعد فهم الآلية التي يتبعها الدماغ للتمييز بين الكلام والموسيقى أولئك الذين يعانون فقدان القدرة على الكلام، وهو اضطراب لغوي يصيب أكثر من مليون أميركي عادة بعد السكتة الدماغية أو إصابات الدماغ المؤلمة، علماً أنه يمكن أن يظهر أيضاً في أثناء الحالات الصحية المؤقتة مثل الصداع النصفي.
وفقاً للفريق، إحدى الطرائق الواعدة لعلاج هذا الاضطراب هي العلاج التنغيمي اللحني (أو العلاج الموسيقي للحُبسة). وفقاً لهذه الطريقة، يُدرّب المرضى الذين يعانون فقدان القدرة على الكلام على غناء ما يريدون قوله. يجري الخبراء ذلك باستخدام "الآليات الموسيقية" السليمة لدى المرضى للاحتيال على آليات الكلام غير السليمة. يمكن أن يساعد فهم أوجه التشابه والاختلاف بين الكلام والموسيقى على تصميم برامج إعادة تأهيل أكثر فعالية.