في أوائل شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، مُنحت جائزة نوبل في الفيزيولوجيا أو الطب لعام 2022 للعالم السويدي سفانتي بابو (Svante Pääbo) لعمله في سلسلة جينوم إنسان نياندرتال. ساعد إنجاز بابو المهم العلماء على فهم بعض من أقدم أسلاف البشر على المستوى الفردي بشكل أفضل. مع ذلك، لا زلنا نجهل الكثير عن البنى العائلية والاجتماعية لهؤلاء الأسلاف.
ولكن بدأ العلماء بتعلّم المزيد عن إحدى عائلات إنسان نياندرتال من خلال دراسة الحمض النووي. فحصت دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 19 أكتوبر/ تشرين الأول في مجلة نيتشر الحمض النووي المسلسل الذي يعود لـ 13 فرداً من إنسان نياندرتال. شملت هذه المجموعة 7 ذكور و6 إناث، منهم 8 بالغين و5 أطفال وشباب. عند تحليل الحمض النووي لهؤلاء الأفراد، وجد الفريق أن المجموعة شملت أباً وابنته المراهقة وصبيّاً صغير السن، بالإضافة إلى أنثى بالغة ربما كانت ابنة عم الأب أو عمّة الأطفال أو جدتهم.
اقرأ أيضاً: جماجم حجرية مكتشفة حديثاً تكشف عن التزاوج الحاصل بين الإنسان العاقل والنياندرتال شرق المتوسط
حياة إنسان نياندرتال الاجتماعية
احتوى الحمض النووي المتقدّر أيضاً على عدد من متغيّرات الحمض النووي المتقدّر التي تشارك بها الأفراد. هذه المتغيّرات هي نوع خاص من المتحوّرات الوراثية التي توجد في عدد صغير من الأجيال فقط. وفقاً للفريق البحثي، يشير وجود هذه المتغيّرات بالإضافة إلى حقيقة أن أفراد المجموعة كانوا أقارب إلى أن هؤلاء الأفراد، والذين وجدت بقاياهم التي يبلغ عمرها نحو 54 ألف سنة في كهف تشاغرسكايا في سيبيريا خلال عدة رحلات تنقيب على مدى السنوات الـ 14 الأخيرة، عاشوا وماتوا في نفس الفترة تقريباً.
قال الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، لاوريتس سكوف (Laurits Skov)، في بيان صحفي: "حقيقة أن هؤلاء الأفراد عاشوا في نفس الفترة الزمنية مثيرة للاهتمام للغاية. يعني ذلك أنهم انتموا لنفس المجتمع. لذلك، تمكنّا لأول مرة في هذه الدراسة من استخدام علم الوراثة لدراسة البنية الاجتماعية لمجتمعات إنسان نياندرتال".
وجد الفريق أيضاً أن التنوع الوراثي في المجتمع الذي ينتمي إليه الأفراد منخفض للغاية. تمكّن الباحثون من اكتشاف مواقع تنقّل ذكور وإناث النياندرتال الذين تنقّلوا بين المجتمعات من خلال مقارنة التنوّع الوراثي في الحمض النووي المتقدّر (والذي يرثه الأفراد عن أمهاتهم) مع التنوّع الوراثي في الصبغي واي، والذي يرثه الأفراد الذكور عن آبائهم.
كان التنوّع الوراثي أكبر بكثير في بيانات الحمض النووي المتقدّر مقارنة بنظيره في الصبغي واي. ما يعني أن الإناث هاجرت بين المجتمعات. لم يجد الباحثون أي أدلة تبين الاختلاط الوراثي بين إنسان نياندرتال ونوع قديم آخر من البشر يحمل اسم إنسان دينسوفا.
اقرأ أيضاً: إنسان نياندرتال يفسر سبب حدوث آلام أسفل الظهر
قال العالم في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، بنيامين بيتر (Benjamin Peter)، في بيان صحفي: "توفّر دراستنا فهماً واضحاً لمجتمع إنسان نياندرتال"، وأضاف: "تجعل هذه الدراسة إنسان نياندرتال أشبه بالبشر المعاصرين بالنسبة لي".
وجدت العينات التي استخدمت في هذه الدراسة في جنوب سيبيريا، حيث يوجد كهف دينوسوفا الشهير. أدّت دراسة الحمض النووي الذي تم إيجاده في هذا الكهف إلى اكتشاف أن أفراد نوعي إنسان نياندرتال وإنسان دينسوفا تفاعلوا وأنجبوا الأطفال أيضاً.
ركزت الدراسة الجديدة على بقايا إنسان نياندرتال الموجودة في كهفي تشاغرسكايا وأوكلادنيكوف، واللذين يبعدان عن كهف دينيسوفا مسافة 100 كيلومتر تقريباً. عاش أفراد نوع إنسان نياندرتال في هذه الموقع بشكل مؤقت قبل 54 ألف سنة. ووجد الباحثون من معهد الآثار والإثنوغرافيا (وصف الأعراق البشرية) والأكاديمية الروسية للعلوم أدوات حجرية وعظام الحيوانات فيها، بالإضافة إلى عظام البشر وشظايا الأسنان.
اقرأ أيضاً: كيف تلعب جينات إنسان نياندرتال دورها في حمايتنا من الأمراض؟
وفقاً لمعهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية، استخرج مؤلفو الدراسة الجديدة الحمض النووي من 17 قطعة من بقايا النياندرتال، وهو أكبر عدد من بقايا هذا النوع تتم سلسلته في دراسة واحدة.