دراسة جديدة: المهارات المكانية للفراشات قد تغيّر فهمنا لتأثر سلوك الحيوانات بالبيئة

دراسة جديدة: المهارات المكانية للفراشات قد تغيّر فهمنا لتأثر سلوك الحياونات بالبيئة
فراشة من جنس هلكونيوس بريسيلا مورا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التعلّم المكاني هو مهارة مهمة ومعقدة في مملكة الحيوان؛ إذ إنه يساعد الحيوانات في العثور على الطعام عندما تكون مصادر الغذاء شحيحة. من المعروف أن الحشرات الاجتماعية مثل النحل والنمل التي تعيش في أعشاش جماعية تتمتّع بهذه المهارة، واكتشف العلماء أيضاً أن بعض أنواع الفراشات يتمتّع بهذه المهارة أيضاً. وجدت دراسة نُشرت بتاريخ 7 أغسطس/ آب 2023 في مجلة كارنت بايولوجي (Current Biology) أن جنس الفراشات الذي يحمل اسم هلكونيوس (Heliconius) قادر على التعلّم المكاني.

قدرة الفراشات على التعلم المكاني

وفقاً للمؤلفين، تمثّل النتائج أول دليل تجريبي معروف على التعلّم المكاني البعيد المدى الهادف لتعقّب الطعام في أي نوع من أنواع الفراشات أو العث. فراشات هلكونيوس، أو فراشات “كرمة العاطفة”، هي فراشات استوائية تعيش في أميركا الجنوبية والوسطى تشتهر بأنها تتمتع بمجموعة متنوعة من الأجنحة المختلفة الأشكال. وفقاً للباحثين، طوّرت هذه الكائنات الجميلة سلوكاً جديداً للبحث عن الطعام بين الفراشات يتضمن الاقتيات على حبوب الطلع، ويعتمد على استخدام معلومات مكانية واسعة النطاق.

قال عالم الأحياء المتخصص في علم الأحياء العصبي التطوري في جامعة بريستول والمؤلف المشارك للدراسة، ستيفن مونتغمري، في بيان صحفي: “يبدو أن فراشات هلكونيوس البرية قادرة على حفظ مواقع المصادر الموثوقة لحبوب الطلع واتباع مسارات تغذية طويلة المدى. مسارات التغذية هي مسارات مخصصة للبحث عن الطعام تحفظها الكائنات وتتمكن من العودة إلى مصادر الغذاء الموجودة على طولها على نحو متكرر عبر أيام متتالية، وهي استراتيجية فعالة للبحث عن الطعام تشبه سلوك بعض أنواع نحل السحلب والنحل الطنان. مع ذلك، فإن قدرة فراشات هلكونيوس، أو أي نوع آخر من الفراشات في الواقع، على التعلم المكاني لم تُختبر تجريبياً بعد”.

اقرأ أيضاً: ماذا تعلّمنا أدمغة النحل النشيط عن التطور البشري؟

3 مقاييس مكانية لاختبار سلوك الفراشات

أجرى الفريق في الدراسة الجديدة تجارب التعلّم المكاني التي تشمل فراشات هلكونيوس وفق 3 مقاييس مكانية يمثل كل منها سلوكيات ذات صلة من الناحية البيئية.

اختبر الباحثون أولاً قدرة هذه الحشرات على اكتشاف موقع مكافأة من الطعام في شبكة مكونة من 16 زهرة مزيّفة. مثّل هذا الاختبار سلوك البحث عن الطعام داخل منطقة واحدة تحتوي على الموارد.

بعد ذلك، وسّع الفريق النطاق المكاني، واختبر ما إذا كانت هذه الفراشات قادرة على ربط وجود الطعام بأحد الجانبين الأيمن أو الأيسر من متاهة ذات فرعين، وذلك بهدف تمثيل مكان يحتوي على عدة نباتات.

أخيراً، زاد الباحثون المسافات التي يجب أن تقطعها الفراشات واستخدموا منشأة تحتوي على أقفاص في الهواء الطلق تحمل اسم ميتا ترون (Metatron) تقع في جنوب فرنسا، وذلك لاختبار ما إذا كانت الفراشات قادرة على اكتشاف موقع الطعام في متاهة بعرض نحو 60 متراً لها شكل حرف “تي”. يمثّل هذا الإعداد البحث عن الطعام بين المناطق المختلفة، وهو أقرب من ناحية المساحة إلى النطاق الذي تبحث فيه هذه الفراشات عن الطعام في البرية.

تبين التجارب التي أجراها الباحثون أن سلوك فراشات هلكونيوس يشير إلى أنها قادرة على التعلم المكاني وعلى حفظ المواقع المكانية لمصادر الطعام. في الدراسات المستقبلية، يخطط الفريق لاختبار ما إذا كانت هذه الفراشات تتمتّع بقدرة أكبر على التعلم المكاني مقارنة بالأنواع القريبة منها وراثياً والتي لا تتغذّى على حبوب الطلع. سيساعد فهم هذا السلوك على كشف طريقة تأثير بيئة الحيوانات في قدراتها المعرفية المعززة.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: الطريقة التي تتعامل بها أدمغة الذباب مع الأحداث الصادمة تساعدنا على فهم الشيخوخة

يخطط الفريق أيضاً لكشف الآليات غير المعروفة التي تتبعها فراشات هلكونيوس للتنقّل. يعتقد العلماء أن المناظر البانورامية والإشارات البصرية الأخرى ضرورية لهذه الفراشات، لكنها قد تعتمد على إشارات أخرى مثل الشمس أو البوصلة الجيومغناطيسية إلى جانب الإشارات البصرية.

قالت عالمة الأحياء في جامعة ريو غراندي دو نورتي الفيدرالية والمؤلفة المشاركة للدراسة، بريسيلا مورا، في بيان صحفي: “مر ما يقرب من قرن من الزمن على نشر أول شهادة شخصية عن القدرات المكانية لهذه الفراشات. والآن، نحن قادرون على تقديم أدلة فعلية حول القدرة المذهلة لهذه الحشرات على التعلم المكاني. وهذه ليست سوى البداية”.