في عام 2003، احتل فيلم الأنيميشن "البحث عن نيمو" (Finding Nemo)، والذي يدور حول قصة سمكة مهرج تُدعى نيمو تاهت عن موطنها بعد أن اصطادها طبيب أسنان أسترالي ولكنها تمكنت من العودة إليه في نهاية المطاف، صدارة الأرباح وفقاً لتقييم البوكس أوفيس الأميركي للإيرادات. وفقاً لدراسة جديدة؛ لو لم ينتهِ الأمر بنيمو في حوض أسماك طبيب الأسنان، لربما تمكنت من معرفة طريق عودتها إلى موطنها في الشعاب المرجانية بمساعدة جزء قديم موجود في الجزء الخلفي من دماغها.
في دراسة أُجريت مؤخراً، توصل فريق من العلماء في حرم جانيليا الجامعي للأبحاث التابع لمعهد هوارد هيوز الطبي في كاليفورنيا (HHMI) إلى فهم أفضل لكيفية تحديد الحيوانات لمكان وجودها بالنسبة لبيئتها، وكيفية العثور مجدداً على المسار الذي كانت تسلكه إذا ما تاهت عنه. نُشرت الدراسة في 22 ديسمبر/ كانون الأول في مجلة سيل (Cell)، وتوضح بالتفصيل كيف تساعد منطقة في الدماغ تُدعى " الدماغ المؤخر" (Hindbrain)، الحيوانات على تحديد موقعها واستخدام تلك المعلومات لتحديد المكان التالي الذي يجب عليها التوجه إليه.
اقرأ أيضاً: على طريقة مناعة القطيع: شعاب مرجانية يمكن أن تنقذ أنوعاً أخرى مهدّدة بالخطر
ما هو الدماغ المؤخر؟
يقع الدماغ المؤخر في الجزء الخلفي من الدماغ، وهو جزء تم الحفاظ عليه من الناحية التطورية أي لم يطرأ عليه الكثير من التغييرات خلال عملية التطور. درس المؤلفون سمكة الدانيو المخططة الشفافة (translucent zebrafish)، وقد استُخدمت هذه السمكة منذ زمن طويل في الأبحاث، لا سيما في مجال الوراثة، نظراً لمعدل نموها السريع وأجسامها الشفافة التي تساعد العلماء على النظر داخلها، بالإضافة إلى تركيبها الجيني الشبيه بتركيب جينات البشر، وقد تمت سلسلة جينوم هذه السمكة بالكامل في عام 2013.
لفهم كيف تدرك الأسماك موقعها في البيئة؛ وُضعت في بيئة تحاكي بيئة التيارات المائية ثم تم حرف مسارها من خلال تغيير التيارات المائية دون سابق إنذار. ومع ذلك، تمكنت الأسماك من تصحيح مسارها والعودة إلى المكان الذي كانت موجودة فيه منذ البداية. في أثناء سباحة الأسماك، استخدم الباحثون تكنولوجيا تسمح بتصوير دماغ السمكة بالكامل لقياس ما يجري داخله؛ ما سمح لهم بملاحظة الدوائر العصبية التي يتم تنشيطها أثناء قيام الأسماك بتصحيح مسارها وعزلها عن تلك المتعلقة بالأنشطة الأخرى.
توقَّع الفريق أن يتم تنشيط منطقة في الدماغ الأمامي حيث يوجد الحصين الذي يحتوي على خريطة معرفية داخلية للبيئة المحيطة للأسماك. وبدلاً من ذلك، لاحظ الباحثون تنشيط عدة مناطق من البصلة السيسائية (Medulla)، في المنطقة التي تنتقل عبرها معلومات موقع الحيوان من خلال دائرة عصبية تم تحديدها حديثاً عبر بنيةٍ في الدماغ المؤخر تسمى الجسم الزيتوني السفلي (inferior olive)؛ حيث يستخدم هذا الجسم الدوائر العصبية الحركية لنقل المعلومات إلى المخيخ حتى تتمكن السمكة من التحرك. وقد لاحظ الباحثون أن الأسماك فقدت قدرتها على العودة إلى مكانها الأصلي عند تعطيل هذه المسارات العصبية.
اقرأ أيضاً: ما علاقة حجم الحيوانات وسرعتها بإدراكها للزمن؟
تقول باحثة ما بعد الدكتوراة في مخبر أرينز (Ahrens Lab) في حرم جانيليا الجامعي للأبحاث والمؤلفة الرئيسية للدراسة، إن يانغ (En Yang) في بيان: "اكتشفنا أن السمكة تحاول حساب الفرق بين موقعها الحالي وموقعها الأساسي وتستخدم هذا الاختلاف لتوليد إشارة خطأ، ثم يرسل الدماغ هذه الإشارة إلى مراكز التحكم الحركية حتى تتمكن السمكة من تصحيح مسارها، حتى بعد عدة ثوانٍ، إذا انحرفت عن مسارها دون قصد بواسطة التيارات المائية".
كيف يتم التنسيق الحركي؟
لقد أظهرت الدراسات السابقة أن الجسم الزيتوني السفلي والمخيخ يقومان بالتنسيق فيما بينهما فيما يتعلق بالوصول والحركة؛ ولكنها لم تلحظ هذا النوع من التنسيق المتعلق بالتنقل. وفقاً لفريق الدراسة الحالية؛ يمكن لشبكة الدماغ المؤخر هذه أيضاً أن تشكل الأساس لمهارات تنقّل أخرى بما في ذلك سباحة السمكة إلى مكانٍ معين آخر للاحتماء.
اقرأ أيضاً: هل كانت المخلوقات البحرية القديمة أول العدائين؟
ويقول قائد فريق جيناليا (Janelia)، ميشا أرينز (Misha Ahrens) في بيان: "لم يكن من المعروف سابقاً أن هذه الدائرة يمكن أن تؤدي دوراً في هذا الشكل من التنقل، ونعتقد أنها قد تكمن وراء دوائر الحصين ذات المستوى الأعلى للاستكشاف والتنقل القائم على المعالم".
هناك حاجة إلى مزيد من الدراسة لتحديد إذا كان لهذه الشبكات دور أيضاً في سلوكيات مماثلة في الحيوانات الأخرى.