ما دور الرائحة في بقاء النباتات اللاحمة؟

ما دور الرائحة في بقاء النباتات اللاحمة؟
تتغذّى نباتات السراسينة الإبريقية على الحشرات لتحصل على المزيد من المواد الغذائية في المستنقعات والتربة الفقيرة التي تنمو فيها عبر قارة أميركا الشمالية. ديبوريت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتمتع النباتات اللاحمة بألوان وأشكال متعددة، وتساعدها أشكالها عادة على جذب فرائسها. مع ذلك، قد تستخدم هذه النباتات المحتالة ذات الأزهار ميزة أخرى للافتراس، وهي الرائحة. وجدت دراسة صغيرة نُشرت في شهر أبريل/نيسان 2023 في مجلة بلوس ون (PLOS One) أدلة تبين أن عدداً من الأنواع المختلفة من نبات السراسينة (Sarracenia)، أحد أجناس النباتات إبريقية الشكل (التي تدعى أيضاً نباتات الإبريق) ينتشر في أميركا الشمالية، يطلق روائحَ تستهدف مجموعات معينة من الفرائس.

الرائحة كفخ

تنتشر نباتات السراسينة الإبريقية عادة في المستنقعات والتربة الفقيرة بالمغذيات في جميع أنحاء قارة أميركا الشمالية. الأزهار الأرجوانية أو الحمراء المميزة لهذه النباتات هي أوراقها، وهي تشكل كوباً يسمى "الإبريق" يكون غنياً بالإنزيمات الهضمية، وحين تقترب حشرة منها كثيراً يحبسها الإبريق ويهضمها، ما يساعد هذه النباتات على الحصول على مواد غذائية إضافية في المواطن الفقيرة التي تعيش فيها.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن استخدام الليزرات الصغيرة والسريعة لكشف أسرار عملية التركيب الضوئي؟

لم يدرس العلماء رائحة النباتات اللاحمة بعمق من قبل، ولكنهم يشكون منذ أكثر من قرن في أنها تؤدي دوراً ما. كتب تشارلز داروين (Charles Darwin) عن هذه النباتات الفريدة من نوعها منذ نحو 150 عاماً، ولكن العلماء واجهوا صعوبة في العثور على أدلة ملموسة تبين الدور الذي تؤديه الآليات الشمية التي تتبعها.

قالت خبيرة النباتات اللاحمة في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، لورانس غوم (Laurence Gaume)، في بيان صحفي: "الرائحة هي الإشارة الأكثر غموضاً بالنسبة للبشر من بين الإشارات التي تستخدم في التواصل. ترتبط الرائحة لدى النباتات بخصائص نباتية أخرى مثل الرحيق والشكل والإشارات المرئية غالباً، ما يجعل عزل تأثيرها عن تأثير باقي هذه الخصائص صعباً".

حدد الفريق في الدراسة الجديدة جزيئات الرائحة التي تطلقها 4 أنواع من النباتات الإبريقية، ويبدو أن الروائح التي تطلقها ترتبط بأنواع أخرى من الروائح التي ينتهي بها المطاف داخل الأباريق. تشبه المواد الكيميائية التي يتألف منها بعض الروائح المواد المعروفة بأنها تؤدي وظيفة الإشارات لبعض الحشرات، ما قد يشير إلى أن النباتات الإبريقية تطورت لاستغلال حواس فرائسها.

قالت غوم: "تفتح هذه النتائج آفاقاً قد تكون مثيرة للاهتمام في مجال المكافحة الحيوية، ويمكنني أن أتخيل كيف يمكن أن نستمد الإلهام من الإشارات الشمية للنباتات الإبريقية لتطوير طرق للسيطرة على آفات النباتات مثلاً".

زرع مؤلفو الدراسة نبات السراسينة الأرجوانية (Sarracenia purpurea) و3 أنواع هجينة منها بالإضافة إلى أنواع أخرى من النباتات الإبريقية في المختبر، ولاحظوا أن جميع النباتات الإبريقية أطلقت رائحة تشبه رائحة النباتات العامة التي تُلقَّح بواسطة عدة أنواع مختلفة من الكائنات (النباتات العامة هي التي تتغذى ذاتياً وتزدهر في مختلف البيئات). يمكن أن يتيح ذلك للنباتات الإبريقية افتراس مجموعة واسعة من الفرائس، إلا أن الباحثين لاحظوا اختلافات طفيفة في المركبات العضوية المتطايرة التي تولدها هذه النباتات.

اقرأ أيضاً: كيف يساعد التطفل بعض الأنواع على الانتشار؟

مكونات الرائحة التي تجذب الكائنات نحو النباتات اللاحمة

كانت النباتات الإبريقية التي تجذب الفراشات والنحل غنية بمركبات مثل الليمونين، وهي مادة كيميائية تُكسب الحمضيات رائحتها الفريدة، وتنتج رائحة هذه النباتات عن فئة من المواد الكيميائية الموجودة في روائح نحو ثلثي النباتات المزهرة التي تجذب هذه المُلقِّحات.

من ناحية أخرى، تمتعت نباتات السراسينة الأرجوانية أيضاً برائحة تحتوي على نسبة عالية من المواد الكيميائية التي تتألف من الأحماض الدهنية وتُعرف بأنها تجذب الزنابير أشباه الطفيليات وربما مفترسات الحشرات الأخرى أيضاً. تألّف جزء كبير من النظام الغذائي للنباتات المزروعة في الدراسة من الزنابير والحشرات، ما يشير إلى أن روائح النباتات تستهدف هذه الكائنات مباشرة.

وجد الباحثون أيضاً أن عاملَي رائحة النبتة الإبريقية وأبعادها ساعدا في التنبؤ بنوع الفريسة التي التقطتها في نحو 98% من المرات. لا يمثّل هذا الارتباط دليلاً قاطعاً، ولكنه يشير إلى وجود صلة محتملة بين رائحة النباتات الإبريقية وفرائسها.

الرائحة كأسلوب دفاعي

ولأن النباتات اللاحمة لا تستطيع التحرك مثل الأسود أو أسماك القرش لاصطياد فرائسها، فالروائح تساعدها في العثور على الطعام والتواصل مع النباتات الأخرى أيضاً. يمكن للنباتات التي تتعرض للافتراس أن تطلق الروائح التي تؤدي دور إشارات تحفز النباتات الأخرى القريبة على تجهيز دفاعاتها أو إطلاق الروائح التي تجذب المفترسات.

وتعتمد النباتات التي تلقحها الحيوانات عادة على الروائح لجذب الملقِّحات مثل النحل. يمكن أن تؤدي العوامل التي تتسبب بإخفاء رائحة هذه النباتات، مثل تلوث الهواء، إلى انخفاض عدد الملقحات التي تستطيع العثور على هذه النباتات.

يمكن أن يساعد إجراء المزيد من الدراسات على تفسير قدرة النباتات اللاحمة التي تلقّحها الحشرات على جذب حشرات بهدف التلقيح وحشرات أخرى بهدف افتراسها. على سبيل المثال، لن تلتقط مصائد نباتات خانق الذباب أياً من أهم ملقحاتها، ويمكن أن يكون للرائحة دور في ذلك.

اقرأ أيضاً: دراسة: النحل يتبع الخرائط الذهنية لبيئته للعودة إلى خلاياه

تقول غوم: "مع ذلك، نبقى حذرين دائماً لأن نتائج دراستنا مبنية حالياً على العلاقات الترابطية فقط. وحتى إذا كانت هذه العلاقات وثيقة، يجب إجراء المزيد من الأبحاث للتحقق مما إذا كانت أنواع الحشرات المختلفة تنجذب إلى روائح معينة بالفعل".