حدد فريق من الباحثين في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية طفرة جينية تسبب اضطراباً نادراً في النمو والتطور لدى الأطفال. ونشرت الدراسة في دورية (American Journal of Human Genetics) المختصة في علم الجينات.
شملت الدراسة 16 حالة من 14 عائلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، ولبنان. استخدم الفريق تقنية علمية معروفة باسم "التسلسل الجيني طويل وقصير القراءة" لدراسة الحمض النووي للأطفال والعثور على طفرة في الجين المسمّى "FBXO22".
طفرة جينية تسبب اضطراباً نادراً في النمو لدى الأطفال
تتمثل وظيفة الجين "FBXO22" الأساسية في المشاركة في التحكم في العديد من العمليات الخلوية، مثل التحكم في دورة الخلية، وتنظيم النسخ، وإصلاح تلف الحمض النووي، وموت الخلايا المبرمج. كما ينتج عنه واحد من البروتينات التي تؤدي دوراً في تنظيم السرطان، وهو منظم للشيخوخة، ومحفز لسرطان الثدي والرئة أثناء التكون المبكر، في المقابل، يثبط هجرة الخلايا والنقائل السرطانية في المراحل المتأخرة من السرطان. لكن لم يُكتشف دوره في التطور البشري قبل هذه الدراسة.
اكتشف فريق الباحثين أن تلك الطفرة تعرقل عمل الجين على النحو الصحيح، ويعاني الأطفال المصابون من أعراض أساسية مشتركة تتمثل في تقييد النمو المبكر، وتأخر النمو العصبي، وتشوهات في الوجه والجمجمة، وتشوهات متعددة إضافية في القلب والأوعية الدموية، والجهاز الهضمي، والمسالك البولية، والغدد الصماء.
وعلى نحو أكثر تحديداً، يؤدي الخلل في عمل الجين إلى مشكلات في عملية النمو الجنيني قبل الولادة. فقد تم تقييم الأطفال بالإصابة بتأخر نمو شديد مع تقييد النمو داخل الرحم وقصر القامة وانخفاض وزن الجسم وفشل عام في النمو. بالإضافة إلى تأخر النمو العصبي وصغر الرأس، والإعاقة الذهنية، وانخفاض التوتر العضلي، وانخفاض التوتر العام، والنوبات المتكررة وضعف المص.
وما بعد الولادة، لوحظت تشوهات في عظام الوجه، والإعاقة الذهنية، علاوة على تطور مضاعفات أخرى تؤثر على القلب والجهاز الهضمي والهيكل العظمي. ولُوحظت أيضاً الإصابة بعيوب قلبية وعائية، بالإضافة إلى عيوب في الجهاز الهضمي مع ارتجاع معدي مريئي وتضييق الاثني عشر، وصعوبات في التغذية. ظهر لدى العديد من الأطفال أيضاً مظاهر خلع الورك، بالإضافة إلى انحناء الأصابع.
اقرأ أيضاً: علامات نقص هرمون النمو عند الأطفال والبالغين
أهمية اكتشاف هذه الطفرة الجينية
تشير هذه السمات مجتمعة إلى أهمية هذا الجين للنمو والتطور الصحي للأطفال، فقد قال الدكتور أحمد أبو طيون، الأستاذ المشارك في علم الجينات في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية ومدير مركز الطب الجينومي في دبي الصحية: "تُظهر هذه الدراسة كيف يمكن للبحوث الجينية أن تكشف عن الأسباب الجذرية للأمراض الجينية التي تصيب الأطفال في المجتمعات المحلية، وتسهم في وضع آلية أكثر دقة وكفاءة للتشخيص، والمساهمة في الجهود العالمية لفهم الجينوم البشري بشكل أفضل. من خلال هذا الاكتشاف، يمكننا تقديم إجابات للعائلات المتأثرة بهذه الحالة النادرة ومساعدتهم في التخطيط الأسري المستقبلي، مع تقديم الدعم والمشورة الطبية لهم".
وتابع قائلاً: "هذه الدراسة تسلط الضوء على أهمية التعاون البنّاء بين الفرق البحثية والأطباء المختصين، حيث أسهمت الفحوصات السريرية التي أجراها طبيب الغدد الصماء بدبي الصحية "ناندو ثالنج" على أول حالة مرضية اكتشفها لدى أحد الأطفال المراجعين، في التأكيد على ضرورة البدء الفوري في إجراء هذه الدراسة المهمة".
يمهد اكتشاف هذه الطفرة إلى ابتكار اختبار لتشخيص الإصابة، فقد قال الدكتور فهد علي، الأستاذ المساعد في البيولوجيا الجزيئية في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية: "كان العثور على علامة خاصة في دم الأطفال تعمل كبصمة لتحديد الطفرة الجينية المسؤولة عن مشكلات النمو والتطور لدى الأطفال جزءاً رئيسياً من هذه الدراسة. قد يمهد هذا الاكتشاف الطريق لاختبار تشخيصي بسيط يمكن الأطباء من الكشف المبكر عن الحالات المصابة بسرعة ودقة، ما يجعل دعم العائلات المتأثرة أسهل".
تسعى جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية لمعالجة التحديات الصحية الملحة عبر إجراء الأبحاث العلمية والشراكات العالمية، ويظهر التزامها هذا جليّاً عبر إجراء هذه الدراسة، إذ يقول الأستاذ الدكتور علوي الشيخ علي، المدير التنفيذي للشؤون الأكاديمية في دبي الصحية ونائب مدير جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية للشؤون الأكاديمية: "فخورون بأن نكون جزءاً من هذا الاكتشاف الطبي الجديد الذي سيسهم في إحداث فرقٍ حقيقي في حياة المرضى وعائلاتهم. ملتزمون في "دبي الصحية" بمعالجة التحديات الصحية الملحة من خلال البحث العلمي لإيجاد أفضل الحلول العلاجية التي تسهم في الارتقاء المستمر بكفاءة وجودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى، وذلك في إطار نظامنا الصحي الأكاديمي المتكامل. كما تعكس هذه الدراسة قوة التعاون العالمي والأبحاث التطبيقية في الجامعة".
اقرأ أيضاً: إليك النظام الغذائي المناسب لتعزيز نمو طفلك وطوله
يعد هذا الاكتشاف وسيلة تساعد الأطباء على تشخيص الإصابة بطفرة الجين "FBXO22" لدى الأطفال بدقة وسهولة، ومن ثم تقديم المشورة الطبية المناسبة لعائلتهم، ومساعدتهم على التخطيط للعلاج والرعاية طويلة الأمد.