تعد سفن الشحن واليخوت الفاخرة عرضة لتراكم الطحالب والبرنقيل ومختلف الكائنات البحرية الأخرى في رحلاتها عبر مياه العالم. لا يعد تراكم هذه الكائنات الطفيلية على جوانب السفن منظراً مقززاً وحسب، بل ويمكن أن يعرض سلامتها للخطر، فضلاً عن إبطاء سرعتها بشكل كبير بسبب مقاومة السحب التي تحدثها. لمكافحتها، لجأ المصنعون منذ زمن طويل لاستخدام الدهانات السامة "المقاومة للحشف" والقائمة على النحاس لحماية هياكل السفن الكبيرة من تراكمها عن طريق منع نمو هذه الكائنات الحية على أسطحها، وغالباً ما تقتل من يتمكن من التعلق بها في نهاية المطاف.
مبيدات حيوية ولكن ضارة بالنظم البحرية
لسوء الحظ، تشكل المبيدات الحيوية الموجودة في هذه الطلاءات قلقاً عميقاً لعلماء البيئة نظراً إلى أنها تبقى داخل أنظمة المياه لعقود، ما يلحق الضرر بالنُظم البيئية المحلية عن طريق تسميم الأنواع الحية وبيئتها. في هذا السياق، أثبت العلماء مؤخراً أن أحد البدائل المتاحة لمضاد الحشف الشائع القائم على النحاس من المرجح أن يكون أفضل للبيئة، ويبدو أنه أكثر فاعلية.
اقرأ أيضاً: بناء المنشآت البحثية تحت المائية: رؤية أم واقع؟
في دراسة تعاونية نُشرت في مجلة "مارين بوليوشن بولتين" (Marine Pollution Bulletin)، اختبر الباحثون الطلاءات الخالية من المبيدات الحيوية القائمة على السيليكون جنباً إلى جنب مع الطلاء التقليدي القائم على النحاس في ثلاثة مواقع في منطقة بحر البلطيق، ووجدوا أن بديل السيليكون حافظ على نظافة الأسطح من البرنقيل لفترة أطول مقارنة بالطلاء النحاسي السام.
تقول الباحثة في علوم البيئة البحرية بجامعة تشالمرز، ماريا لاغيرستروم، في بيان: «تركنا ألواح الاختبار في أحد مواقع التجربة تحت الماء لأكثر من عامين، ولاحظنا أن طلاء السيليكون لا يزال يعمل بشكلٍ جيد في منع تراكم البرنقيل عليها، والأهم من ذلك، وجدنا أنه يعمل بشكل أفضل من الطلاء النحاسي».
وفقاً للباحثين، تشير التقديرات إلى أن 40% من الملوثات النحاسية في بحر البلطيق تأتي من الطلاءات المضادة للحشف. وتقول لاغيرستروم في هذا الصدد: «نظراً لأن بحر البلطيق بحر داخلي، فإن تبدل المياه فيه يستغرق من 25 إلى 30 عاماً، أي سيبقى معدن النحاس السام والثقيل فيه لفترة طويلة جداً، وعلينا بالتالي أن ندرك جيداً طبيعة المواد التي نطلقها في المياه ومدى سلامتها».
الطلاء القائم على السيليكون قد يكون حلاً
على عكس طلاءات المبيدات الحيوية، يعتمد الطلاء القائم على السيليكون على خصائص سطحه الأملس بدلاً من اعتماده على المواد السامة التي تضر بالحياة البحرية. حيث تعد الطلاءات القائمة على السيليكون شديدة النعومة بحيث يتعذر على معظم الطيور والطحالب النمو عليها، وحتى إن أي شكل من أشكال الحياة قد ينجح في التشكل عليها سيسقط في نهاية المطاف في المياه عندما تبحر السفن عبر الماء.
اقرأ أيضاً: الإسفنج البحري يمنح العلماء سر البناء الأكثر متانة
على الرغم من أن بدائل السيليكون كانت متاحة منذ سنوات، فإن قطاع السفن البحرية كان بطيئاً في تبنيها بدلاً من طلاءات المبيدات الحيوية النحاسية. وفقاً لتقرير جامعة تشالمرز، لم تشكل طلاءات السيليكون، بدءاً من عام 2014، سوى نحو 10% من حصة سوق سفن الشحن، وعلى نحو أقل بالنسبة للسفن الترفيهية. تقول لاغيرستروم: «يشترك كل من قطاع بناء السفن وقطاع القوارب الترفيهية في شيء واحد: كلاهما تقليدي للغاية. يحب الناس استخدام المنتجات التي اعتادوا عليها ويشككون أيضاً في أن الحلول البديلة غير السامة تعمل حقاً».
تؤكد الدراسة الأخيرة أنه في حين أن السيليكون أقل سمية بكثير من طلاءات المبيدات الحيوية القائمة على النحاس، إلا أنه يمكن أن يكون ضاراً بطرق أخرى. وتخلص الدراسة إلى أن التباين الكبير في منتجات طلاء السيليكون المتاحة حالياً، إلى جانب افتقارها نسبياً للرقابة التنظيمية مقارنة بطلاءات المبيدات الحيوية، أمر يبعث على القلق. مع أنها لا تحتوي على المبيدات الحيوية، لا تزال بعض أنواع السيليكون تظهر تأثيرات سامة بسبب موادها القابلة للانحلال في الماء، لا سيما في الأشهر الأولى من بدء استخدامها.
اقرأ أيضاً: دراسة: طفرات وراثية تجعل بعوض الزاعجة المصرية مقاوماً للمبيدات الحشرية
وتبقى سوائل السيليكون الأخرى، على الرغم من أنها ليست سامة بالضرورة، داخل البيئات البحرية لفترة طويلة جداً، وبالتالي يمكن أن تشكل تهديداً غير مرئي. في حين أن الفريق البحثي يؤكد أفضلية طلاء السيليكون على الدهانات التي تحتوي على المبيدات الحيوية القائمة على النحاس، والتي ثبت أنها ضارة، تدعو الدراسة إلى إجراء المزيد من الدراسات المستقبلية حول هذه المشكلات المحتملة لضمان تطوير منتجات أكثر أماناً.
يعد التحول لاستخدام طلاءات السيليكون المضاد للحشف خطوة أولى رائعة نحو رحلات بحرية صديقة للبيئة، ولكنها ليست كافية لوحدها لتحقيق ذلك في الوقت الحالي. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إعادة النظر في الطرق البحرية لتوفير حماية أفضل للحيوانات المهددة بالانقراض، إلى جانب توفير البدائل التي يجب أن تتسق واللوائح الدولية للتغير المناخي. في العام الماضي، دفع الناشطون البيئيون أيضاً من أجل إنشاء طرق شحن بحرية خالية من الانبعاثات لتقليل انبعاثات الكربون.