هل يمكن أن نتنبأ بحجم أدمغتنا من مدة التثاؤب؟

هل يمكن أن نتنبأ بحجم أدمغتنا من مدة التثاؤب؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ autumnn
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“نحن لا نقرر أن نتثاءب” إذ يُنشط التثاؤب بواسطة مركز بدئي في الدماغ يقع خارج نطاق السيطرة الواعية بشكلٍ عفوي وتلقائي، وبالتالي فإن قدرة المرء على التثاؤب يمكن أن تظل سليمة تماماً حتى عندما “تُلغى السيطرة القشرية بشكلٍ أو بآخر على عضلات نصف الجسم، كما يحدث عند الإصابة بالشلل.

اقرأ أيضاً: قراءة عنوان هذا المقال قد تجعلك تتثاءب.. وإليك السبب

من الحقائق المثيرة للاهتمام حول التثاؤب أنه لا يتنشط عندما نتلقى الأوامر، وأنه يؤدي دوراً مهماً في تبريد الدماغ. وأبعد من ذلك، جميعنا اختبرنا سابقاً كيف أن لرؤية أحدهم يتثاءب دوراً في تحريض التثاؤب لدينا، إلّا أن أنصار نظرية التعاطف التثاؤبي يستشهدون بنظرية التقارب، أي أننا لا نتعاطف مع مَن يتثاءب إلّا عند وجود قرابة أسرية أو عرقية.

الأمور المثيرة للاهتمام حول التثاؤب لا تتوقف هنا، إذ بيّنت دراسة نُشرت في دورية “بيولوجي ليترز” (Biology Letters)، أن طول مدة التثاؤب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم الدماغ.

دراسة تُجيب: كيف لمدة التثاؤب أن ترتبط بحجم الدماغ؟

ترأس الدراسة “أندرو غالوب” وهو أستاذ في علم النفس الحيوي وباحث في العلوم السلوكية والاجتماعية التطورية. توصل غالوب بالتعاون مع زملائه إلى أن شيئاً من الفضل في حجم الدماغ الكبير لدى البشر يُنسب إلى التثاؤب، حيث تُسهم هذه العادة التطورية العفوية في تعزيز نمو الدماغ ونشاطه.

تضمنت الورقة البحثية التي نُشرت معلومات مهمة حول متوسط مدة التثاؤب لدى 109 من المشاركين من البشر والحيوانات، حيث تضمنت الدراسة 19 نوعاً من بينها البشر والفيلة الإفريقية والفئران والأرانب والقردة، وبعد معاينة النتائج تبين أن مدة التثاؤب تتنبأ بوزن دماغ نوع ما وعدد الخلايا العصبية القشرية فيه.

اختُبرت نظريتهم عن طريق معايرة توقيت التثاؤب لكلٍّ من البشر وبعض الحيوانات عند مشاهدة فيديوهات للحيوانات وهي في البرية، لكي تكون النتائج أقرب ما يمكن للطبيعية. وقُدرت مدة التثاؤب لدى الفئران بـ 0.8 ثانية والقطط بـ 1.97 ثانية، بينما استغرق تثاؤب الكلاب 2.4 ثانية، وأتى في المرتبة التي تليها كل من الجمال، التي قد تكون لديها احتياطيات عقلية أكبر مما يُنسب إليها، حيث قُدرت مدة تثاؤبها بـ 4.8 ثانية، وأخيراً البشر بتثاؤب مدته 6.5 ثانية.

اقرأ أيضاً: هل كِبر حجم دماغ الإنسان هو خطأ تطوري؟

التنظيم الحراري يفسّر ارتباط التثاؤب بحجم الدماغ

اقترح غالوب أن التفسير يفسّر بنظرية التنظيم الحراري للتثاؤب، ومضمون هذه النظرية أن فتح الفكين وسحب الهواء يُبرّد الدماغ، كما يؤدي التثاؤب أيضاً إلى إخراج الدماغ من “وضعه الافتراضي”، وعلمياً هو حالة الطنين التي تُسمع في الجزء الخلفي من الدماغ -إن صح التعبير- عندما يكون مسترخياً، إلى حالة الانتباه عن طريق زيادة دوران السائل النخاعي فيه.

يُعزز التثاؤب أيضاً زيادة تدفق الدم إلى الدماغ عن طريق فتح الفك والاستنشاق العميق للهواء، واستبدال الدم الدافئ في الدماغ بدم بارد، بالإضافة إلى تبادل الحرارة مع الهواء المحيط والذي يكون أكثر برودة من درجة حرارة الجسم بصورة طبيعية.

وأضاف غالوب لتوضيح النتائج: “بالمقارنة تبين أن التثاؤب المُطول أو الأكثر قوة يرتبط بزيادة تعقيد ارتباط الخلايا موفراً بذلك تأثيرات فيزيولوجية أكثر تقدماً”.

ومع ذلك يوجد بعض الخلافات حول الدراسة، إذ إنها لا تجيب عن التساؤل فيما إذا كان التثاؤب نتيجة لزيادة حجم الدماغ وتعقيده أم أنه بسببه. من جهةٍ أخرى، يميلُ بعض الفرضيات لتفسير ذلك بأن الفك العريض للبشر -مقارنةً بفك الكلاب أو القطط أو الفئران- هو السبب وراء توسع فوهة الفم بشكلٍ أكبر في أثناء التثاؤب وما ينجم عن ذلك من سحب كمية أكبر من الهواء للداخل.

اقرأ أيضاً: ماذا تعلّمنا أدمغة النحل النشيط عن التطور البشري؟

إلّا أن هذه فرضية مسألة الفكين الكبيرين دُحِضت بعد مقارنة فك البشر والفقاريات الأخرى مثل الغوريلا والجمال والخيول والأسود والفيلة الإفريقية ذات الفكوك الأكبر نسبياً، علماً أنها تمتلك مدة تثاؤب أقصر من البشر.