ما هي الفوائد التي نحصل عليها عند لمس العشب؟

4 دقيقة
ما هي الفوائد التي نحصل عليها عند لمس العشب؟
ماذا يحدث عندما نلمس وندلك المواد النباتية؟

تجوّلت مؤخراً في حديقة النباتات في جامعة أوكسفورد؛ تجذب هذه الحديقة الجميلة والتاريخية التي تقع في قلب المدينة أكثر من 200 ألف زائر سنوياً إلى ممراتها الهادئة ومناظرها المريحة، ولكن لم يكن التنوع المذهل للنباتات أو حتى الأبحاث العلمية المتنوعة المجالات التي يجريها العلماء هناك هو ما لفت انتباهي، بل كان طفلة صغيرة تحاول لمس ورقة وردة، مع جدّتها التي لامست البتلة الحريرية بخد حفيدتها بدلاً من أن تطلب منها ألا تلمسها، ما أثار اهتمام الطفلة وأسعدها.

يقول لنا الكثيرون لا تلمسوا النباتات ولا تمشوا على العشب، وربما حان الوقت للتخلص من هذه السلوكيات التي عفا عنها الزمن. ربما سيفيدنا اختبار الطبيعة من خلال التفاعل اللمسي مع الأوراق واللحاء والبتلات، ومن المحتمل أن الجدّة كانت محقة في تصرفها.

اقرأ أيضاً: ما أسباب انفصال البشر عن الطبيعة وكيف يمكن ردم الهوة بينهما؟

كيف يؤثر فينا لمس الأشياء في الطبيعة؟

رغبة لمس الأشياء هي رغبة نمتلكها منذ سن مبكرة جداً، فإذا أخذت طفلاً صغيراً إلى متجر ما، فهو سيلمس كل شيء يراه، ويعود ذلك إلى أن البشر يستخدمون اللمس للتعلّم. لكن هل هناك أهمية أعمق لاستجابتنا لتأثير الطبيعة فينا، ولمظهرها وأصواتها وروائحها؟

قبل بضع سنوات، كانت فكرة السماح للحيوانات بالدخول إلى أجنحة المستشفيات ودور العجزة وعيادات تلقيح الأطفال غير واردة أبداً؛ إذ إن الخبراء اعتقدوا أن خطر نقل الأمراض من هذه الحيوانات للبشر كبير جداً. لكن هذا تغيّر. عندما زرت مؤخراً أحد أقاربي المسنين الذي يقيم في أحد دور الرعاية، كانت الغرفة مليئة بالكلاب التي يداعبها النزلاء، وكان واضحاً من تعابير وجوه كبار السن وحركة ذيول الكلاب أن الحب يملأ الأجواء. كان واضحاً أيضاً أن مداعبة هذه الكلاب عززت سعادة النزلاء ورفاهتهم العقلية، وبيّن لي ذلك سبب الوجود المتزايد للكلاب العلاجية في الأوساط السريرية. يعتقد الخبراء الآن أن كلاً من المشاعر الإيجابية وانخفاض الخوف والقلق الذي يحدث عند لمس هذه الكلاب ومداعبتها يفوق المخاطر المرتبطة بخطرها البيولوجي المحتمل.

ما يثير الاهتمام هو أن الدراسات الجديدة تكشف أيضاً أن الأفراد الذين يتصلون جسدياً أكثر مع الكلاب في أثناء هذه المواقف يتمتعون بمستويات أقل من التوتر لاحقاً، ما يشير إلى أن هذا الجانب من التحفيز اللمسي (وهو اللمس) قد يكون هو الجانب الذي يوفر الفوائد التي نربطها عادةً بقضاء الوقت مع الحيوانات.

لكن هل التفاعل مع أشكال الطبيعة الجامدة له التأثير نفسه؟ هل يمكننا الحصول على فوائد مشابهة من لمس الأوراق أو لحاء الأشجار، أو حتى خشب الأشجار الميتة والمواد النباتية الميتة منذ زمن طويل؟

يبدو أن العديدين لديهم رغبة غريزية في لمس أسطح الأثاث الخشبي، وحتى حاجة إلى ذلك، كما بيّنت بطريقة جميلة محادثة أجريتها مع صانع الأثاث المحلي في مقاطعة أوكسفوردشر ومؤسس شركة واي وود (Waywood)، بارنابي سكوت، الذي قال إنه عندما يرى الناس الأثاث الذي يصنعه، فأول ما يسألون عنه هو إن كان بإمكانهم لمسه؛ إذ على الرغم من ترددنا، فإننا ننجذب بشدة إلى لمس الخشب، فهو مريح على نحو مطمئن.

كان واضحاً من هذه المحادثة أن هذا الشعور لا يقتصر على الزبائن؛ إذ قال سكوت إن الخشب يخلق وسطاً مريحاً ومطَمئناً يتمتع بارتباطات محببة بالعالم الحي، وهو ما لا تخلقه المواد الأخرى، وأضاف قائلاً إنه عندما طلب أحد الزبائن من الورشة قص بعض قضبان السياج البلاستيكية، كان العمال متشوقين للتخلص من هذه القضبان والعودة للعمل على الخشب؛ إذ كان الفرق واضحاً للجميع.

اقرأ أيضاً: نباتات تمتص كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون مناسبة لزراعتها في المدن العربية

ماذا يحدث لنا في الواقع عندما نلمس أو ندلك المواد النباتية؟

هل يثير ذلك بعض آليات التهدئة الفيزيولوجية والنفسية نفسها التي تنشط عندما نلمس بعض الحيوانات أو نداعبها؟ وهل يجب علينا أن نعانق الأشجار في المتنزه بالطريقة غير الواعية نفسها التي نداعب فيها القطط؟ اكتشف العلماء منذ زمن أن ممارسة البستنة مرتبطة بالعديد من الفوائد الصحية لدى الكبار والصغار. أصبح العلاج بالبستنة تدخلاً صحياً مهنياً معترفاً به ومفيداً للأشخاص الذين يعانون أمراض الصحة النفسية مثل الاكتئاب وفقدان الذاكرة، وخصوصاً كبار السن. كما بيّنت الدراسات فعاليته في تخفيف بعض الأعراض المزمنة لدى مرضى الفصام، وخفض مستويات التوتر والانفعال لدى الأطفال المصابين باضطرابي نقص الانتباه مع فرط النشاط والتوحد.

يعتقد الكثيرون أن "قضاء الوقت في الخارج" مفيد لأنه يوفر الفوائد المجمعة للتعرض إلى الإشارات الصوتية والبصرية والشمية، وممارسة التمرينات الرياضية، والتفاعل الاجتماعي. هذا صحيح على الأرجح؛ إذ إن قضاء الوقت في الخارج هو مزيج من هذه النشاطات جميعها. لكن ما هو الدور المحدد الذي يؤديه اللمس في ذلك؟ وهل يمكننا عزل تأثيراته عن تأثيرات الحواس الأخرى؟ على سبيل المثال، يُجري الخبراء غالباً جلسات مداعبة الحيوانات العلاجية في أماكن داخلية بمعزل عن المحفزات البيئية الإضافية، مثل روائح الطبيعة وأصواتها، ودون إجراء التمرينات الرياضية. هل هناك تغيرات محددة في الجسم يحفّزها لمس النباتات؟

إحدى التجارب المثيرة للاهتمام التي حفزتني للتساؤل بشأن تأثير لمس النباتات في رفاهتنا الجسدية والنفسية هي تجربة جلس فيها المشاركون في وسط سريري مع إغماض عيونهم بينما طلب منهم القائمون على التجربة لمس 4 مواد مختلفة، وهي ورقة من نبتة البوثوس الحية (Epipremnum aureum) التي نعرفها باسم "لبلاب الشيطان"، وورقة اصطناعية من النبات نفسه مصنوعة من الراتنج، وقطعة من القماش الناعم، ولوحة معدنية. فحص العلماء أدمغة المشاركين في أثناء لمس المواد باستخدام طريقة التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء بهدف كشف التغيرات في تدفق الدم ضمن الدماغ، وبالتالي في نشاط الجهاز العصبي المركزي. كانت نتائج التجربة واضحة؛ إذ إن لمس الورقة الحية لنبات البوثوس أدى إلى استجابة مهدئة كبيرة مقارنة بلمس المواد الأخرى.

كانت هذه التجربة بسيطة وشملت عدداً قليلاً من المشاركين، 14 مشاركاً فقط، ولكنها أثارت لديّ أسئلة أخرى. يتعلق بعض أهم هذه الأسئلة بمدى شيوع هذا النوع من الاستجابات عند لمس المواد النباتية أو دلكها، مثل أنواع مختلفة من الخشب أو أوراق النباتات الحية. وأيضاً، ما هي الأجزاء من أجسامنا التي يجب أن نلمس بها هذه المواد؟ أي، هل يتعلق الأمر فقط باللمس بأيدينا أم يمكن أن نحفّز استجابة مشابهة عندما نسير حفاة على العشب أو الأرضيات الخشبية على سبيل المثال؟ نخوض هذه التجارب في حياتنا اليومية غالباً، فهل هي مفيدة لنا بالفعل؟ وهل علينا أن نجريها على نحو متعمد؟

المستقبلات التي تستجيب للمحفزات اللمسية

يحتوي جسم الإنسان على ملايين المستقبلات التي تستجيب للعديد من المحفزات اللمسية، وهي موزعة في مختلف المواقع في الجلد. مع ذلك، تحتوي أجزاء معينة من أجسامنا، مثل الوجه واليدين، على عدد أكبر بكثير من هذه المستقبلات. يفسر ذلك حقيقة أن هذه الأجزاء أكثر حساسية بكثير للمحفزات المادية الخارجية، ومن ضمنها اللمس. هناك أيضاً أنواع مختلفة عديدة من المستقبلات في الجلد، وهي تتحفّز من خلال اللمس الميكانيكي (الدلك والتمديد والاهتزاز) ودرجة الحرارة (المستقبلات الحرارية) والمواد الكيميائية (المستقبلات الكيميائية).

تحتوي أجزاء الجسم مثل الجلد والعضلات والمفاصل وأغلبية الأعضاء الداخلية أيضاً على مستقبلات الألم (أو مستقبلات الأذية) التي تنشط بسبب العوامل التي قد تؤدي إلى إتلاف الأنسجة. عندما نلمس شيئاً ما، تنشط هذه المستقبلات وتولّد إشارات تنتقل عبر الأعصاب الحسية إلى العصبونات في النخاع الشوكي وإلى منطقة المهاد في الدماغ. بعد ذلك، ترسل الخلايا العصبية في منطقة المهاد إشارات إلى أجزاء أخرى من الدماغ تؤدي بدورها إلى إثارة مجموعة متنوعة من الاستجابات المختلفة، منها حركة الأطراف والتغير في معدل ضربات القلب والتنفس والانتباه والتركيز والوعي. هذه هي الاستجابة العملية والجسدية للمحفزات المتوفرة عن طريق بيولوجيا اللمس.

المحتوى محمي