كان لتغريدة المؤثر إياد الحمود، الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الفائت، صدى كبير، حيث شارك دراسة سويدية حديثة مفادها أن التراكيز العالية من مضادات الأكسدة تحفّز التروية الدموية للخلايا السرطانية. تلا ذلك تغريدة البروفيسور حميد الشمسي، وهو عضو الجمعية الخليجية للأورام، التي جاء فيها أن استخدام مضادات الأكسدة مثل فيتامين سي وفيتامين إي يتعارض مع العلاج الكيميائي. ولكن، كيف ذلك بعد أن اشتُهرت مضادات الأكسدة لفترة طويلة بدورها الذي يقي من الأمراض والمحارب للجذور الحرة والمقوّي للمناعة؟
اقرأ أيضاً: هل يرتبط عدد ساعات النوم بخطر الإصابة بالسكتة الدماغية؟ دراستان حديثتان تُجيبان
دراسة سويدية تبحث في حقيقة تحفيز مضادات الأكسدة تروية الخلايا السرطانية
أجرى معهد كارولينسكا دراسة نُشرت في دورية "مجلة التحقيقات السريرية" (The Journal Of Clinical Investigations) بحثت في دور مضادات الأكسدة مثل فيتامين سي وفيتامين إي عند مرضى سرطان الرئة، وكانت توقعاتهم المبدئية أن مضادات الأكسدة ستؤدي دوراً وقائياً، إلّا أن النتائج بيّنت عكس ذلك.
كانت خلاصة الدراسة أن إعطاء مضادات الأكسدة بتراكيز عالية لمرضى سرطان الرئة سرّعت نمو الورم وانتشاره مقارنة بالمرضى الذين لم يُعطوا مضادات الأكسدة.
وعبّر قائد الدراسة مارتن بيرجو، وهو أستاذ في قسم العلوم الحيوية والتغذية في معهد كارولينسكا في السويد، عن دهشته بالنتائج قائلاً: "لقد وجدنا أن مضادات الأكسدة تنشّط آلية تسبب الأورام السرطانية من خلال تكوين أوعية دموية جديدة تساعدها على النمو والانتشار، ما يعتبر مثيراً للدهشة بعد أن كان يُعتقد سابقاً أن مضادات الأكسدة ذات تأثير وقائي"، وفسّر بيرجو ذلك على الشكل التالي.
اكتشاف آلية غير معروفة من قبل تُفعِّل فيها مضادات الأكسدة العامل المُحرض لنمو الأوعية
أظهرت أبحاث البروفيسور بيرجو أن مضادات الأكسدة تُسرّع نمو سرطان الرئة وانتشاره عن طريق تحفيز بروتين يُدعى (BACH-1)، المسؤول عن تكوين أوعية دموية جديدة، ويتنشط عند انخفاض مستوى جذور الأوكسجين الحرة، وهو ما يحدث عندما يتم إعطاء مضادات الأكسدة بتراكيز عالية.
اقرأ أيضاً: باحث مصري ينجح في عكس الشيخوخة عن طريق إعادة تنظيم الجينوم
فعندما يتم التخلص من الجذور الحرة بإفراط، تنخفض الأكسجة، وعندما تُحرم الخلايا السرطانية من الأوكسجين فإنها تُرسل إشارات كيميائية لتحفيز الخلايا البطانية التي تبطن الأوعية الدموية على تكوين أوعية جديدة.
من جهة أخرى، وجد الباحثون أن بروتين (BACH-1) قادر على تحفيز تكوين أوعية دموية جديدة من خلال آلية لا تتطلب نقص الأكسجة؛ أي أن بعض الأورام كانت قادرة على تشكيل أوعية دموية جديدة حتّى عند وجود مستويات طبيعية من الأوكسجين، كما وُجِد أيضاً تعبير لبروتين (HIF-1α) وهو منظم نسخ يُحافظ على استتباب الأوكسجين داخل الخلايا، في نمو الخلايا الورمية الناتجة عن الأوعية الدموية الجديدة، ما يشير بدوره إلى أن البروتينين يعملان معاً.
هل يعني هذا أن العلم في طريقه لاكتشاف أدوية أكثر فاعلية في علاج السرطان؟
قبل الغوص في نتائج هذه الدراسة على أرض الواقع وآفاقها المستقبلية، من المهم التنويه بأن النتائج لا تتعارض مع ما نعرفه عن مضادات الأكسدة، والعامل الحاسم كان "التراكيز العالية من مضادات الأكسدة" وليس مضادات الأكسدة نفسها. حيث قال البروفيسور بيرجو بهذا الخصوص: "ليست هناك حاجة للخوف من مضادات الأكسدة الموجودة في الطعام العادي، فهذه الدراسة وضّحت حقيقة أن معظم الناس لا يحتاجون إلى كميات إضافية منها بل ويمكن أن تكون ضارة لمرضى السرطان والأفراد الذين لديهم خطر مرتفع للإصابة بالسرطان".
ولكن هذه النتائج تساعد الباحثين على إيجاد أدوية أكثر نوعية في استهداف الخلايا السرطانية، حيث يقول تينغ وانغ، طالب الدكتوراة في مجموعة البروفيسور بيرجو في معهد كارولينسكا: "قام العديد من التجارب السريرية السابقة بتقييم فاعلية مثبطات تكوين الأوعية، لكن النتائج لم تكن كما كان متوقعاً". إلّا أن هذه الدراسة فتحت باباً يساعد على التوجه نحو المرضى الذين يستجيبون للعلاج المضاد لنمو الأوعية أكثر من غيرهم. فعلى سبيل المثال، المرضى الذين تظهر أورامهم وجود مستويات عالية من بروتين (BACH-1) يستفيدون أكثر من العلاج المضاد لنمو الأوعية الدموية مقارنة بالمرضى الذين لديهم مستويات منخفضة من البروتين.
اقرأ أيضاً: ما الذي يمكن للفيتامين سي القيام به؟ وما حدود فاعليته وتأثيراته؟
الخطوة التالية في تقرير العلاج وفقاً لوانغ هي إجراء اختبار تفصيلي لكيفية تنظيم مستوى الأوكسجين والجذور الحرة للبروتين (BACH-1) عند مرضى سرطان الرئة، لتحديد الأهمية السريرية الفعلية للدراسة، كما أضاف أنهم سيقومون أيضاً بإجراء دراسات مماثلة كتلك على أشكال السرطان الأخرى مثل سرطان الجلد وسرطان الثدي وسرطان الكليتين.