تخيل أنك تنتظر دورك في عيادة لإجراء المراجعة والفحوصات الدورية، وبعد دقائق من الانتظار تخبرك الممرضة بأن "الدكتورة نملة" بانتظارك للكشف عليك! ربما تراه ضرباً من الخيال، إلا أن بحثاً جديداً لخبراء في جامعة السوربون أظهر أن النمل يمكنه كشف الإصابة بالسرطان بقرون استشعاره.
هل للسرطان رائحة؟
انطلق الباحثون في الدراسة التي نشرتها دورية وقائع الجمعية الملكية (Proceedings of the Royal Society)، من حقيقة أن الخلايا السرطانية تحتوي على مركبات عضوية متطايرة (VOCs) تظهر غالباً في سوائل الجسم مثل العرق والبول وبخار التنفس، يمكن استخدامها كمؤشرات حيوية للسرطان، وهو أمر مهم في الكشف المبكر عن السرطان، وزيادة فرص نجاح العلاج.
أهمية الدراسة
السرطان هو أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في جميع أنحاء العالم، إذ يتسبب في وفاة واحدة من كل 6 وفيات، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. لذا كلما تم اكتشاف السرطان مبكراً، زادت احتمالية شفاء المرضى، لكن غالباً ما تحتاج طرق الكشف عن الأورام السرطانية لتحاليل تتضمن سحباً للدم أو أخذ خزعات أو إجراء تنظير، وهي عمليات مؤلمة وباهظة الثمن بالوقت نفسه، ما قد يثني المرضى عن الفحص. لذا، تحول العلماء إلى الاعتماد على حاسة الشم القوية لبعض الكائنات، في الكشف عن الأورام بشكل أسرع وأقل تكلفة بكثير، ومنها النمل.
اقرأ أيضاً: دراسات استمرت لعقود تربط بين الأطعمة فائقة المعالجة والإصابة بالسرطان والموت المبكر
كيف ميّز النمل رائحة السرطان؟
استخدم الباحثون نمل الحرير أو "فورميكا فوسكا" (Formica fusca)، لخصائصه وقدراته الشمية الفعّالة في بيئته، نتيجة وفرة المستقبلات الشمية في قرون الاستشعار، ولقدرته على تكوين ذاكرة طويلة الأمد تستمر لعدة أيام، فعلى غرار كلب بافلوف، الذي ربط الطعام بصوت الجرس، يمكن اختبار النمل لتسع مرات دون مكافأة قبل أن ينسى رد فعله عليها.
في الدراسة، قام فريق الباحثين بزرع أورام سرطان الثدي البشرية في الفئران والسماح لها بالنمو، وهي تقنية تُعرف بالزينوغرافتينغ (Xenografting)، ثم دربوا 35 من النمل على ربط رائحة بول القوارض الحاملة للورم بمكافأة وهي محلول حلو، من خلال وضعها في طبق بتري بالقرب من أنابيب بول الفئران المصابة وقطرات من المحلول السكري لفترات أطول من أنابيب بول الفئران السليمة.
بعد 3 جلسات تدريبية فقط (تجارب تكيّف)، وجد الباحثون أن النمل بقي بالقرب من بول الفئران المصابة لفترة أطول بنحو 20% من بول الفئران السليمة، بحثاً عن المحلول السكري بعد أن أزاله الباحثون. كما لاحظ الباحثون أنه كلما زاد حجم ورم الفأر كان الاختلاف أكثر وضوحاً في الرائحة عن بول الفأر الطبيعي، ما يقدم مؤشراً ودليلاً واضحاً أن النمل تمكن من التعرف على المركبات العضوية المتطايرة في بول الفئران، وتمييز الأفراد المصابة بسرطان الثدي.
يقول الدكتور بابتيست بيكيريت (Baptiste Piqueret)، من معهد ماكس بلانك للإيكولوجيا الكيميائية في ألمانيا (Max Planck Institute for Chemical Ecology in Germany)، وقائد الدراسة: "يوضح هذا الدليل أنه من الممكن استخدام النمل كأجهزة كشف حيوية فعّالة وغير مكلفة للسرطان في المستقبل، حيث نحتاج إلى التحقق من قدرات النمل باستخدام عينات بشرية. علاوة على ذلك، فهي سريعة التعلم وسهلة وصيانتها ميسورة التكلفة".
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: كيف يمكن لدموعك أن تكشف عن إصابتك ببعض الأمراض؟
هل توجد كائنات أخرى يمكنها استشعار الأورام السرطانية؟
اعتمد الباحثون سابقاً على خصائص الشم القوية لكائنات أخرى للتعرف على الإصابة بالسرطان، مثل:
- الكلاب، إلا أنها تحتاج وقتاً أطول للتدريب يصل إلى نحو 6 أشهر مقارنة بالنمل الذي احتاج إلى ثلاث جلسات تدريبية بمدة زمنية لا تتجاوز الـ 10 دقائق لكل منها.
- الفئران، حيث استطاع الباحثون تدريبها على التمييز بين أقرانها المصابين بالورم والأصحاء.
- ذباب الفاكهة، لما تصاب به خلاياها العصبية من تنبيه بوجود خلايا سرطانية.
- الديدان الخيطية، لانجذابها إلى المركبات العضوية المرتبطة بالسرطان.
اقرأ أيضاً: هل تمتلك الطيور حاسة الشم؟ الدراسات تجيب المشككين
قيود الدراسة
وفقاً لفريق الباحثين، فإن من أهم القيود التي تواجه الدراسة:
- لا تمثل الروائح التي استخدموها في دراستهم التنوع الكبير لأنواع السرطان المختلفة الموجودة في الطبيعة.
- كانت الفئران المستخدمة في الدراسة متشابهة إلى حد كبير. على سبيل المثال، كانت من السلالة نفسها وتتغذى على النظام الغذائي ذاته، في حين سيكون المرضى من البشر أقل تجانساً، ما قد يؤثر على روائح أجسامهم ويجعل من الصعب على النمل شم السرطان. حيث تتباين الرائحة بين بعض الأفراد بتأثير بعض العوامل مثل العمر أو النظام الغذائي أو الحالة أو الإجهاد.
يقول بيكيريت: "النتائج واعدة جداً، لكن من المهم أن نعرف أننا بعيدون عن استخدامها كطريقة يومية للكشف عن السرطان". ومع ذلك، قد يساعد النمل في يوم من الأيام في إنقاذ الأرواح من خلال العمل ككاشف حيوي غير مكلفة.