كيف يتعقب البعوض فرائسه؟ دراسة جديدة تُجيب

5 دقيقة
كيف يتعقب البعوض فرائسه؟ دراسة جديدة تُجيب
يبدو أن بعض أنواع البعوض يتحسس الحرارة التي يولدها جسم الإنسان وغاز ثنائي أوكسيد الكربون الذي يطلقه والرواح المنبعثة منه للعثور على الفرائس.

ملخص: على الرغم من صغر حجم البعوض، لكنه مسؤول عن عدد من الوفيات أكبر من ذلك الذي تسببه الحيوانات الأخرى، بسبب قدرته على نقل الأمراض من خلال مص الدماء. ولطالما اعتقد العلماء أن البعوض ينجذب لجسم الإنسان بسبب عوامل كالرائحة وغاز ثنائي أوكسيد الكربون الذي يتم إطلاقة مع الزفير. لكن وجد العلماء مؤخراً أن البعوض ينجذب لجسم الإنسان بسبب الأشعة تحت الحمراء التي تصدر منه، والتي يمكن أن يستشعرها البعوض، وحددوا هذا العامل على أنه الأكثر أهمية بين العوامل التي تجذب البعوض. قد تساعد الدراسة الجديدة على تحسين طرق الحد من أعداد البعوض. إحدى الطرق هي إضافة مصادر حرارية ذات درجات حرارة قريبة من درجة حرارة جلد البشر إلى مصائد البعوض لتعزيز فعاليتها. تساعد النتائج الجديدة أيضاً على تفسير حقيقة أن الملابس الفضفاضة تسهم في الوقاية من لدغات البعوض. حيث تمنع هذه الملابس البعوض من الوصول إلى الجلد، بتبديدها الأشعة تحت الحمراء بينها وبين الجلد، ما يمنع البعوض من تحسس هذه الأشعة.

البعوض هو من بين الحيوانات الأكثر فتكاً في العالم بسبب قدرته المذهلة على نقل الأمراض من خلال مص الدماء. اكتشف فريق من العلماء أن البعوض قد يكون قادراً على استشعار حرارة جسم الإنسان من خلال تحسس الأشعة تحت الحمراء. تُضاعف الأشعة تحت الحمراء التي يطلقها مصدر يتمتع بدرجة حرارة مساوية تقريباً لدرجة حرارة جلد البشر عدد المضيفين الذين يستطيع البعوض استهدافهم. لاحظ العلماء في التجارب التي أجروها أن البعوض يتوجّه إلى المصادر التي تتمتع بدرجة حرارة مقاربة لدرجة حرارة جسم الإنسان في الأغلبية الساحقة من الحالات، وليس إلى المصادر التي تحتوي على رائحة الجسم وثنائي أوكسيد الكربون فقط. نعلم بالفعل أن البعوض يستشعر غاز ثنائي أوكسيد الكربون الذي يطلقه البشر مع الزفير، ولكن هذه الحشرات قد تعتمد أيضاً على طريقة أخرى في تعقب فرائسها من البشر. وصف العلماء هذا الاكتشاف في دراسة نشرتها مجلة نيتشر (Nature) بتاريخ 21 أغسطس/آب 2024.

قال عالم الأحياء الجزيئية في جامعة كاليفورنيا في مدينة سانتا باربرا والمؤلف المشارك للدراسة، نيكولاس دي بيوبين، في بيان صحفي: "يتمتع البعوض الذي درسناه، وهو البعوض المنزلي، بمهارة استثنائية في العثور على المضيفين البشر، وتكشف دراستنا طريقة جديدة تتبعها هذه الحشرات لتحقيق ذلك".

اقرأ أيضاً: 10 طرق مجربة لحماية نفسك من البعوض المزعج

تحسس الدم

البعوض المنزلي (أو البعوض المصري) معروف بأنه ينقل الفيروسات التي تتسبب بأكثر من 100 ألف حالة سنوياً من عدوى فيروس زيكا والحمى الصفراء وحمى الضنك النزفية وغيرها من الأمراض. ينقل بعوض الأنوفيلس الغامبي (Anopheles gambiae) الطفيليات التي تتسبب بالملاريا. وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يتسبب مرض الملاريا وحده بأكثر من 400 ألف حالة وفاة سنوياً.

في حين أن ذكور البعوض غير ضارين، فإن الإناث تحتاج إلى الدم في عملية نمو البيض. كرّس العلماء على مدى القرن الماضي الكثير من الوقت والجهد لاكتشاف الآلية التي يتبعها البعوض للعثور على مضيفيه. ويبدو أن هذه الحشرات لا تعتمد على إشارة واحدة فقط؛ إذ إنها تدمج المعلومات البيئية التي تجمعها من خلال العديد من الحواس وعبر مسافات مختلفة.

قال طالب ما بعد الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا في مدينة سانتا باربرا والمؤلف المشارك للدراسة، أفيناش تشانديل، في بيان صحفي: "تشمل هذه المعلومات إشارات ثنائي أوكسيد الكربون الذي يطلقه البشر في الزفير والروائح والإشارات البصرية والإشارات الحرارية [الحملية] التي يطلقها الجلد والرطوبة التي تنبعث من الجسم. مع ذلك، فعالية كل من هذه الإشارات محدودة".

يتمتع البعوض برؤية ضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، قد تشوّش الحركة السريعة للمضيف البشري أو الرياح السريعة عملية التتبّع التي تجريها هذه الحشرات. حاول فريق الدراسة الجديدة تحديد إن كان بالإمكان توليد إشارة اتجاهية موثوقة أكثر ليسترشد بها البعوض.

عامل الحرارة

يستطيع البعوض تحسس الحرارة الصادرة عن جسم الإنسان على بعد يساوي 10 سنتيمترات تقريباً، كما أنه يتحسس أيضاً درجة حرارة الجلد مباشرة عند التلامس معه. تكافئ هاتان الطريقتان للاستشعار نوعين من أنواع انتقال الحرارة الثلاثة. الأول هو الحمل الحراري، الذي تنتقل الحرارة وفقه عبر وسط معين مثل الهواء. بينما الثاني هو التوصيل الحراري، أي انتقال الحرارة عبر التلامس المباشر.

قد تنتقل الطاقة الحرارية أيضاً عبر مسافات أطول عندما تتحول إلى موجات كهرطيسية. تتحول الحرارة عموماً إلى موجات تقع أطوالها في مجال الأشعة تحت الحمراء من الطيف الضوئي. ويمكن أن تسخّن هذه الموجات عندها أي جسم تتفاعل معه. تستطيع الحيوانات الأخرى مثل أفاعي الحُفر تحسس الأشعة تحت الحمراء الحرارية التي تصدرها الفرائس ذات الأجسام الدافئة.

اقرأ أيضاً: 11 طريقة بسيطة لتخفيف الحكة والألم الناجمين عن لدغات البعوض

وضع مؤلفو الدراسة الجديدة إناث البعوض المنزلي في قفص وقاسوا نشاطها في البحث عن المضيف في منطقتين لاختبار إن كانت تتمتع بالقدرة نفسها على استشعار الأشعة تحت الحمراء. احتوت المنطقتان على روائح بشرية وغاز ثنائي أوكسيد الكربون بالتركيز نفسه الذي يطلقه البشر مع الزفير. احتوت إحدى المنطقتين أيضاً على الأشعة تحت الحمراء من مصدر بدرجة حرارة مساوية لدرجة حرارة الجلد. فصل الباحثون هذا المصدر عن الحجرة باستخدام حاجز لمنع تبادل الحرارة من خلال طريقتي التوصيل الحراري والحمل الحراري. بعد ذلك، حسب الفريق عدد البعوض الذي بدأ يستكشف الأقفاص وكأنه يبحث عن وريد يمص الدماء منه.

أدّت إضافة الأشعة تحت الحمراء الحرارية من مصدر يتمتع بدرجة حرارة تقارب درجة حرارة الجلد (34 درجة مئوية تقريباً) إلى مضاعفة نشاط الحشرات في البحث عن المضيف. اكتشف الفريق أن استخدام الأشعة تحت الحمراء يظل فعالاً حتى مسافة 0.7 متر تقريباً.

قال دي بيوبين: "أكثر ما أدهشني في تجربتنا هو فعالية إشارات الأشعة تحت الحمراء. كانت النتائج واضحة على نحو لا ريب فيه بمجرد ضبط المتغيرات بالطريقة الصحيحة. يوسّع بروتين تي آر بي أيه 1 مدى جهاز استشعار الأشعة تحت الحمراء لدى البعوض إلى نحو 0.7 متر بفعالية".

بالإضافة إلى اكتشاف قدرة البعوض على استشعار الحرارة من هذا المصدر، اكتشف الفريق أيضاً الجزء من الجسم الذي تستخدمه هذه الحشرات لتحقيق ذلك، وكذلك المواد الكيميائية الحيوية التي تستخدمها. يحتوي طرف كل هوائي في البعوض على بنى وتديّة تحتوي بدورها على حفر صغيرة، وهذه البنى متكيفة بدرجة عالية لاستشعار الإشعاع. تعزل الحفر هذه البنى عن الحرارة التي تنتقل بالحمل الحراري والتوصيل الحراري، ما يمكّن الأشعة تحت الحمراء التي تتمتع بدرجة عالية من الاتجاهية من دخول البنى وتسخينها. يتحسس البعوض بعد ذلك الأشعة تحت الحمراء باستخدام بروتين حساس لدرجة الحرارة يحمل اسم "تي آر بي أيه 1" ( TRPA1) ويؤدي دور مستشعر لدرجة الحرارة.

مشكلة متفاقمة

أدى كل من التغير المناخي وسفر البشر حول العالم إلى توسيع نطاق البعوض المنزلي ليشمل دولاً لا تقتصر على البلدان الاستوائية وشبه الاستوائية، ما يجعل الوقاية من لدغات هذا البعوض أكثر إلحاحاً. أصبح هذا البعوض موجوداً الآن في مناطق في الولايات المتحدة لم يرصده العلماء فيها من قبل. انتشر هذا البعوض بالتركيزات الأعلى في فلوريدا وتكساس وأريزونا وأجزاء من كاليفورنيا، لكنه انتشر أيضاً على طول ساحلي الخليج في لويزيانا وتكساس، وفي واشنطن العاصمة ونيويورك وإنديانا وكنتاكي.

اقرأ أيضاً: 10 أشياء تجذب البعوض إليك أكثر من غيرك

قد تساعد الدراسة الجديدة على تحسين طرق الحد من أعداد جماعات البعوض هذه. إحدى الطرق هي إضافة مصادر حرارية ذات درجات حرارة قريبة من درجة حرارة جلد البشر إلى مصائد البعوض لتعزيز فعاليتها. تساعد النتائج الجديدة أيضاً على تفسير حقيقة أن الملابس الفضفاضة تسهم في الوقاية من لدغات البعوض. تمنع هذه الملابس البعوض من الوصول إلى الجلد، بينما تتيح تبدد الأشعة تحت الحمراء بينها وبين الجلد، ما يمنع البعوض من تحسس هذه الأشعة.

قال دي بيوبين: "على الرغم من صغر حجم البعوض، فهو مسؤول عن عدد من الوفيات من البشر أكبر من ذلك الناجم عن أي نوع آخر من الحيوانات. يعمّق بحثنا فهم العلماء للآلية التي يطبقها البعوض لاستهداف البشر ويفتح المجال للتوصل إلى طرق جديدة للسيطرة على انتقال الأمراض التي يحملها".