لماذا نحب رائحة المواليد الجدد؟ دراسة حديثة تجيب

3 دقيقة
لماذا نحب رائحة المواليد الجدد؟ دراسة حديثة تجيب
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: مهدي أفشكو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعد رائحة المواليد الجميلة أو “رائحة الطفل المولود حديثاً” رائحة خاصة ومميزة يمكن أن تشعر بها عندما تحمل رضيعاً حديث الولادة أو تقترب منه. هذه الرائحة محببة لدى الكثيرين وليس الوالدين فقط. علاوة على ذلك، يمكن للوالدين التعرف على رضيعهما من خلال رائحة جسمه، ويتعلم الرضع التعرف على روائح أمهاتهم المميزة بعد وقت وجيز من الولادة. وعادة يفضل الوالدان رائحة طفلهما على رائحة الأطفال الآخرين؛ لكن عندما يصل الأطفال إلى سن البلوغ تتغير روائح أجسامهم، وتختلف درجة تقبل الوالدين لهذه الرائحة، وتتغير القدرة في التعرف عليها. فما سبب رائحة المواليد الجاذبة؟ ولماذا تتغير؟

اقرأ أيضاً: دراسة تربط بين حجم بؤبؤ العين ومعدل الذكاء فكيف ذلك؟

ما المركبات المسؤولة عن اختلاف روائح أجسام المراهقين عن الحديثي الولادة؟

في دراسة جديدة نُشرت في مجلة كيمياء الاتصالات (Communications Chemistry)، وجد باحثون ألمان أن رائحة المواليد تختلف عن رائحة المراهقين من الناحية النوعية والكمية؛ حيث كانت المكونات النشطة المسؤولة عن رائحة أجسام المواليد معظمها مرتبطة بالروائح العطرية الزهرية والصابونية؛ بينما كانت المكونات المسؤولة عن هذه الرائحة لدى المراهقين ذات علاقة بروائح مثل الجبن والشمع.

جمع الباحثون عينات لرائحة الجسم من أطفال رضع وحتى 3 سنوات، وكذلك عينات من روائح لمراهقين تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 18 عاماً من الجنسين. جرت الدراسة على 18 رضيعاً و18 مراهقاً، وكان الأطفال جميعهم من أصل قوقازي.

ارتدى الأطفال قمصاناً معالَجة بها وسادات قطنية مخيطة في الإبطين مدة ليلة واحدة، ووُضع قميص آخر في الغرفة بالوقت نفسه لأخذ عينات من المركبات المتطايرة في هواء الغرفة.

لتحليل الرائحة، حدد الباحثون المركبات النشطة المسؤولة عن الرائحة في العينات. وبعد فحصها، وجد الباحثون تشابهاً نوعياً في تكوين عينات كل من الفئتين العمريتين؛ حيث كانت المركبات النشطة المسؤولة عن تكوين الرائحة معظمها من الألدهيدات ذات الرائحة الحمضية والصابونية اللطيفة، إلى جانب الأحماض الكربوكسيلية. 

لاحظ الباحثون ارتفاع تركيز الأحماض الكربوكسيلية في عينات الرائحة الخاصة بالمراهقين مقارنة بالمواليد، ويرتبط وجود هذه الأحماض بالروائح الحادة وغير التقليدية مثل العشب والجبن، وتسهم بقدر أكبر في رائحة الأطفال بعد البلوغ. وجد الباحثون كذلك اثنين من الستيرويدات المتطايرة ذات الرائحة الكريهة إلى حد ما لدى الأطفال بعد سن البلوغ؛ التي تفرزها الغدد العرقية في الإبط بفعل النشاط الميكروبي. 

ووفقاً للباحثين؛ ليس غريباً تصنيف العينات المأخوذة من الرضع بأنها أكثر جاذبية من تلك المأخوذة من المراهقين، فقد يكون ذلك بسبب غياب الستيرويدات، ووجود مستويات أعلى من مادة كيتون ألفا إيزو ميثيل أيونون في عينات رائحة المواليد؛ وهي إحدى المكونات العطرية التي تستخدم على نطاق واسع في العطور ومنتجات العناية الشخصية بسبب رائحتها الزهرية اللطيفة.

اقرأ أيضاً: معدل الخصوبة يتراجع في 97% من دول العالم: إليك الأسباب والنتائج

ما سبب رائحة المواليد الجميلة؟

قد يعود سبب هذه الرائحة إلى قضاء الجنين أشهر الحمل طافياً في السائل الأمنيوسي. وعند الولادة، تغلف طبقة بيضاء شمعية تُعرف باسم “الطلاء الجبني” جسم المولود. قد يكون لهذه السوائل والمواد دور في الرائحة المميزة للطفل الجديد، وربما يفسر ذلك سبب زوال رائحة الأطفال الحديثي الولادة والتي تدوم بضعة أسابيع فقط. 

وعلى الرغم من تشابه بعض المكونات المسؤولة عن رائحة السائل الأمنيوسي مع رائحة الطفل حديث الولادة، فإن رائحة المولود الجديد تحتوي المزيد من العناصر الكيميائية التي تختلف تبعاً لكل مولود؛ حيث إنها تُعد علامة تعريفية فريدة. ففي دراسة تعود إلى عام 1987، استطاعت نسبة 90% من الأمهات التعرف على أطفالهن الحديثي الولادة اعتماداً على الرائحة فقط، وذلك بعد قضاء فترة من الزمن تراوحت بين 10 دقائق وحتى ساعة مع أطفالهن الرضع. 

لماذا تتغير رائحة الجسم مع اختلاف مراحل النمو؟

من المحتمل أن يكون هناك سبب تطوري لذلك؛ حيث يُعتقد أن هذه الرائحة تسهم في تسهيل مسؤولية الرعاية الأبوية، خاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل. ومع نمو الطفل، تقل حاجته إلى الرعاية تدريجياً؛ لذلك قد تتأثر كيفية تفاعل الآباء مع أبنائهم المراهقين. 

فبحسب دراسة نُشرت عام 2017؛ تزيد رائحة المولود الجديد رغبة الأم في البقاء مع طفلها، وتعزز الترابط بينهما.

ويلاحَظ ارتفاع مستوى إفراز الدوبامين لدى النساء عند شم رائحة المواليد الجدد حتى لو لم يكونوا أولادهن،  ويؤدي هذا الناقل العصبي دوراً في شعورنا بالسعادة؛ ما يمكن أن يساعد في التغلب على الإرهاق والإجهاد الناجم عن رعاية الأمهات للمواليد الجدد.

ففي دراسة أُجريت عام 2013 ونشرتها مجلة آفاق في علم النفس ( Frontiers in Psychology)، راقب الباحثون كيفية استجابة أدمغة النساء عند شمهن روائح قمصان كان يرتديها أطفال بعمر يومين. أظهرت فحوصات أدمغة المشاركات زيادة في إفراز الدوبامين وتنشيطاً في مناطق أخرى مرتبطة بالمكافأة في الدماغ عند شم روائح أطفال حديثي الولادة. بمعنىً آخر: كانت الأجزاء التي تضيء في أدمغتهن هي المسارات المرتبطة بشم الطعام اللذيذ وحتى تعاطي المخدرات؛ وهو ما قد يفسر لما لا يستطيع البعض التوقف عن شم روائح المواليد الجدد.

شملت الدراسة 30 امرأة؛ 15 منهن كن قد أنجبن مسبقاً و15 منهن لم يكن قد أنجبن من قبل. لاحظ العلماء أن تحفيز هذه المسارات بسبب رائحة المولود الجديد كان أكبر لدى الأمهات من اللواتي لم يكن كذلك. 

اقرأ أيضاً: تحديد الإنزيم المسؤول عن رائحة جسم الإنسان

ما تزال هناك حاجة لمزيد من الدراسات والتجارب للبحث في أنماط استجابة الوالدين إلى هذه الروائح المختلفة والمتزامنة مع حدوث تغيرات في نمو الطفل وبلوغه؛ ومن ثم تسليط الضوء على روائح الجسم التي تؤثر في التفاعلات الاجتماعية والعلاقات داخل الأسر.