نُشرت دراسة في دورية الدماغ والسلوك والمناعة (Brain, Behavior, and Immunity) في أغسطس/آب 2023 كشف الباحثون فيها عن ارتباط الإصابة بالالتهابات بين الأشخاص، وهي استجابة الجسم للإصابة بالعدوى، مع زيادة ميلهم إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متكرر. إليك تفاصيل هذه الدراسة وما الذي يربط بين الالتهاب ومواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضاً: لماذا يُعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي سيئاً على صحتك؟
هل يزيد الالتهاب من الحاجة للتقارب الاجتماعي؟
رُبط الالتهاب سابقاً بالعديد من الحالات الصحية مثل أمراض القلب والتهاب المفاصل الروماتويدي، وتشير الأبحاث السابقة إلى أن الالتهاب الجهازي قد يؤثر على السلوك والروابط الاجتماعية، أي عندما واجه الإنسان القديم العدوى، كان يبحث عن روابط اجتماعية لزيادة فرصته في البقاء على قيد الحياة، ويبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة تعمل كوسيلة حديثة للحصول على هذا الدعم الاجتماعي.
افترض الباحثون الذين أجروا الدراسة عام 2023 بأن ارتفاع شدة مستويات الالتهاب قد يرتبط بزيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن روابط اجتماعية، وذلك قد يتم عبر منصات مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام.
بُنيت هذه الدراسة على نتائج 3 أبحاث تضمنت بالمجمل 524 شخصاً حققوا معايير القبول، وأُجربت في ثلاث جامعات مختلفة هي جامعة بوفالو وجامعة نورث وسترن وجامعة ولاية أوهايو بأميركا، حيث سُحبت عينات دم من هؤلاء الطلاب لقياس مستويات البروتين التفاعلي سي (CRP)، وهو مؤشر بيولوجي مناعي يدل على حدوث الالتهاب الجهازي، واستخدموا استبيانات لرصد عادات الطلاب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مع تسجيل تفاصيل مهمة لسير البحث، مثل تكرار الاستخدام ونوعه ومدته، ومن خلال هذه البيانات استُقصي عن وجود رابط مباشر بين الالتهاب والسلوك الاجتماعي عبر الإنترنت.
بعد جمع البيانات، ضبط الباحثون المتغيرات التي تتداخل مع نتائج الدراسة مثل الجنس والسمات الشخصية ووجود أعراض الاكتئاب، وبعد تصنيف البيانات ومعالجتها تبين أن الطلاب الذين لديهم مستويات أعلى من البروتين التفاعلي سي، يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متكرر ولفترات طويلة لغرض التواصل الاجتماعي وليس الترفيه مثل قراءة الأخبار. وخلُصت الدراسة إلى أن الالتهاب الجهازي يرتبط بزيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بين البالغين في منتصف العمر وطلاب الجامعات، وأن دراسة الالتهاب والسلوكيات الاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي تعد فرصة مثيرة للاهتمام لفهم الآثار الاجتماعية للالتهابات في الحياة اليومية.
ما أهمية الربط بين الالتهاب واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي؟
تفيد نتائج هذا البحث في تسليط الضوء لأول مرة على صلة لم تكن معروفة لنا سابقاً تربط بين الحالة الفيزيولوجية للإنسان وسلوكه الرقمي، وبشكل أساسي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كطريقة للتعامل مع الالتهاب والشعور بالتضامن الاجتماعي. ومن الممكن أن يصبح دور الإشارات البيولوجية الداخلية المرتبطة بالسلوك الرقمي على مواقع التواصل الاجتماعي مهماً في مجالي الدراسات الصحية ودراسات تطوير مواقع التواصل الاجتماعي نظراً لاستخدام الأجيال الجديدة مثل جيل زد لهذه المواقع بشكل أكبر مقارنةً أقرانهم الأكبر منهم الذين لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي موجودة في فترة شبابهم.
اقرأ أيضاً: هكذا تستغل وسائل التواصل الاجتماعي الوحدة التي نشعر بها
قيود دراسة الارتباط بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والالتهاب
من المهم ذكر قيود الدراسة بشكل موضوعي، إذ استطاع البحث تحديد العلاقة بين الالتهاب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الذي أُثبت هو وجود ارتباط وليس علاقة سببية، أي لا يمكن القول إن الالتهاب يسبب زيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مباشر.، ولتوضيح ما إذا كان الالتهاب يسبب زيادة استخدام هذه المواقع يجب إجراء المزيد من الأبحاث حول الموضوع تتضمن مقارنة عوامل أخرى، ومقارنة الاستخدام قبل الإصابة بالالتهاب وبعده وغيرها من الشروط التي تحدد طبيعة الارتباط.
بالإضافة لذلك، تجمع هذه الدراسة نتائج 3 دراسات فردية، ولكل من هذه الدراسات منهجية خاصة وعينة فريدة، ويعد هذا عاملاً يزيد من صعوبة إجراء مقارنات مباشرة لجمع عينات الدراسات في مجموعة واحدة، بالإضافة إلى أن الدراسة قاست استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، دون تحديد نمط السلوكيات على المنصات الفردية الذي قد يسهم في الحصول على نتائج أكثر دقة.
اقرأ أيضاً: كيف نستطيع مجابهة المعلومات الصحية المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي؟
من الممكن أن نشهد المزيد من هذه الأبحاث التي تحاول الربط بين المؤشرات البيولوجية الداخلية التي تدل على وجود حالات مرضية مثل الالتهاب أو الألم وغيرها واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فاستخدام هذه المواقع أصبح جزءاً أساسياً من الحياة اليومية لدى المليارات من الأفراد حول العالم، وسيكون من المهم معرفة ارتباط سلوكيات استخدام هذه المواقع مع الحالة البدنية للجسم.