مومياء المرأة الصارخة قد تحل لغزاً عمره 3,500 سنة عن التحنيط عند الفراعنة

3 دقيقة
مومياء المرأة الصارخة قد تحل لغزاً عمره 3,500 سنة عن التحنيط عند الفراعنة
حقوق الصورة: shutterstock.com/Nick Brundle Photography

قد يؤدي تحليل جديد لمومياء عمرها 3,500 عام تحمل اسم "المرأة الصارخة" إلى إعادة النظر في المعايير التي تحدد جودة التحنيط، وربما حل لغز حيّر علماء المصريات لسنوات.

أشرف الكهنة خلال فترة حكم الأسرتين المصريتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين على نقل مجموعة من بقايا أفراد الأسر الحاكمة إلى مخبأ الدير البحري الملكي في مدينة طيبة سابقاً (بالقرب من مدينة الأقصر الحالية). في حين أن أعمال التنقيب الأولية بدأت خلال عام 1881، أجرى متحف ميتروبوليتان في نيويورك تحقيق متابعةٍ في المقابر المجاورة في عام 1935. اكتشف علماء الآثار في ذلك الوقت مقبرة سننموت أول مرة، المهندس الملكي والحبيب المزعوم للملكة حتشبسوت (1479-1458 قبل الميلاد). لكن كانت هناك غرفة أخرى تحت قبر سننموت تحتوي على بقايا والدته، هات نوفر، والعديد من أقاربه المجهولين.

يبدو أن المومياء احتفظت بأعضائها الداخلية جميعها. المصدر: سحر سليم

اقرأ أيضاً: دراسة للمومياء تكشف تفاصيل دفن صبي من مصر القديمة

مومياء المرأة الصارخة

كشفت الفحوص الجديدة لأحد تلك التوابيت الخشبية عن شكل مذهل، وهو مومياء امرأة أكبر سناً (في ذلك الوقت) مزيّنة بكثافة وفمها مفتوح كما كأنها تصرخ. على الرغم من أن هذه ليست المومياء الأولى بهذا التعبير التي يكتشفها البشر، أثار كل من تشريح المرأة المجهولة وتقنيات الحفظ المطبّقة عليها تساؤلاً لدى الخبراء. عادة، الفم المفتوح هو دليل على أن عملية التحنيط كانت ذات جودة منخفضة، ولكن ذلك لا يبدو منطقياً لأن طقوس دفن المرأة الصارخة كانت ملكية. الآن، ربما حلّ علماء المصريات أخيراً بعض الألغاز على الأقل حول المرأة الصارخة.

نشرت أستاذة الأشعة في مستشفى قصر العيني في جامعة القاهرة، سحر سليم، وزملاؤها دراسة جديدة في مجلة آفاق في الطب (Frontiers in Medicine) تقدم نظرة مفصّلة غير مسبوقة إلى هذه المومياء وفرضيات موثوقة حول حالتها الصحية قرابة نهاية حياتها. بفضل تقنيات التصوير المقطعي المحوسب والتحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء والفحص بالمجهر الإلكتروني الماسح ومعدات أخرى، افترض فريق سليم أن الفم المفتوح قد لا يكون ناجماً عن عملية دفن رديئة الجودة، بل عن تشنج جثة المرأة في اللحظات الأخيرة من حياتها.

كشف لغز المومياء الصارخة

تشير المسوح إلى أن هذه المرأة التي بلغت من العمر نحو 48 عاماً افتقرت إلى العديد من أسنانها في وقت وفاتها، مع ذلك، تبيّن علامات ارتشاف العظام، وهي حالة تحدث عندما يلتئم تجويف السن الفارغ، إلى أنها فقدت هذه الأسنان في وقت سابق من حياتها. وفقاً لسليم، من المحتمل أيضاً أن متخصصاً ما قلع هذه الأسنان، علماً أن طب الأسنان نشأ في مصر القديمة. تشير الأدلة على وجود نتوءات عظمية في فقرات المرأة إلى أنها كانت مصابة بالتهاب طفيف في المفاصل النخاعية.

خواتم المرأة الصارخة المصنوعة من أحجار اليشب على شكل خنفساء الجعران. المصدر: سحر سليم

برز تفصيل مدهش فيما يتعلق بعملية تحنيط جسد المرأة الصارخة مميز عن أي تفصيل آخر، وهو غياب شق التحنيط. اعتقد علماء المصريات منذ زمن طويل أن التحنيط التقليدي في المملكة الحديثة (1550-1069 قبل الميلاد) ينطوي على إزالة أعضاء الجثة باستثناء القلب، لكن يبدو أن هذه الأعضاء كانت موجودة لدى المرأة الصارخة عندما جرى دفنها. بسبب ذلك، تفترض سليم أن ترك الأعضاء داخل الجسم ربما كان معتاداً في بعض الأحيان في ذلك الوقت.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: لماذا عانى كتبة مصر القديمة تلف العظام؟

أما بالنسبة لكيفية إعداد المرأة للتحنيط، فكشف تحليل تحويل فورييه الطيفي باستخدام الأشعة تحت الحمراء لجلد المومياء عن وجود العرعر واللبان، وهما من الكماليات التي استوردها المصريون من جنوب شبه الجزيرة العربية أو شرق إفريقيا أو شرق البحر الأبيض المتوسط. كان شعر المرأة الطبيعي مصبوغاً بالحناء والعرعر، لكنها كانت ترتدي أيضاً شعراً مستعاراً طويلاً مخصصاً للحياة الآخرة ومصنوعاً من أصابع نخيل التمر التي عالجها خبراء التحنيط ببلورات الألبيت والمغنتيت والكوارتز. استخدم المصريون القدماء هذه المواد غالباً لتقوية خصلات الشعر المستعار وجعلها تبدو سوداء اللون للإشارة إلى مظهر أكثر شباباً.

مومياء المرأة الصارخة كما تظهر في مسوح الأشعة السينية. المصدر: سحر سليم

المصريون القدماء تاجروا بمواد التحنيط!

قالت سليم في بيان مرافق للدراسة: "تبين هذه النتائج أن المصريين القدماء تاجروا بمواد التحنيط"، مشيرة إلى أن إحدى الحملات السابقة التي قادتها الملكة حتشبسوت أعادت اللبان إلى مصر، وقد احتوى قبر توت عنخ آمون أيضاً على اللبان والعرعر.

قالت سليم أيضاً إن هذه الطرق في التحنيط، إلى جانب درجة حفظ جثة المرأة، "تتناقض مع الاعتقاد التقليدي الذي ينص على أن عدم إزالة الأعضاء الداخلية للمرأة يشير إلى انخفاض جودة عملية التحنيط".

اقرأ أيضاً: بلسم التحنيط: سرٌ جديد من أسرار الحضارة المصرية

على الرغم من أن العلماء يجهلون سبب وفاة المرأة الصارخة حتى الآن، تشير الدراسة الجديدة إلى أن الممارسات مثل إزالة الأعضاء لم تكن من السمات المميزة للتحنيط المهني دائماً. في الأحوال جميعها، على الأرجح أن الشكل المخيف للمرأة الصارخة لا يعود إلى انخفاض جودة عملية التحنيط. لكن بغض النظر عن ذلك، تصف سليم المرأة الصارخة بأنها تمثّل "كبسولة زمنية حقيقية تكشف تفاصيل وفاتها وطرق تحنيطها".