كيف يساعد تخطيط الخلايا البشرية في الكشف عن أسباب بعض الأمراض العضلية؟

5 دقائق
كيف يساعد تخطيط الخلايا البشرية في الكشف عن أسباب بعض الأمراض العضلية؟
ألياف عضلية تمت معالجتها لعكس آثار مرض الحثل العضلي الدوشيني. كورتني يونغ، حاصلة على شهادة الماجستير في العلوم، مختبر ميليسا سبينسر في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. مكتبة صور وكالة المعاهد الوطنية للصحة.

ينتج عدد من الاضطرابات العضلية النادرة مثل مرض "الحثل العضلي الدوشيني" عن طفرة تحدث في مورثة واحدة.

لكن تحتوي كل خلية في جسم الشخص المصاب بهذا المرض على هذه النسخة من المورثة الطافرة. وبالتالي يصبح السؤال هو كيف تتسبب هذه المورثة بالمرض في العضلات الهيكلية بدلاً من عضلات مثل القلب أو الأمعاء؟  ففي النهاية، تحتوي هذه الأعضاء على أنواعها الخاصة من العضلات أيضاً.

أمراض عضلية ناتجة عن مورثات يتم التعبير عنها في الخلايا الداعمة

أظهر بحث أجراه فريق من علماء أحياء الخلايا وعلماء الوراثة أن العديد من الاضطرابات العضلية تنتج عن مورثات يتم التعبير عنها ليس في الخلايا العضلية بل في جميع الخلايا الداعمة من حولها. وردت هذه النتيجة في واحدة من 4 دراسات نُشرت معاً في 13 مايو/أيار 2022 في مجلة "ساينس" من قبل مشروع "أطلس الخلايا البشرية"، وهو تعاون دولي تموله كل من وكالات الأبحاث الحكومية والعديد من المنظمات غير الربحية يهدف إلى تصنيف كل أنواع الخلايا في جسم الإنسان. تشير هذه النتيجة لكفاءة أطلس الخلايا في الكشف عن الطريقة التي يتم فيها استخدام المعلومات الخام الموجودة في مورثاتنا لتجميع إنسان حيّ.

قال "ستيفن كويك"، مهندس حيوي من جامعة ستانفورد ومنظّمة "تشان-زوكربيرغ بايو هَب" في مؤتمر صحفي أقامه مشروع أطلس الخلايا البشرية في 10 مايو/أيار 2022: "يعتقد الكثيرون أن الجينوم هو بمثابة مخطط العمل للكائنات الحية، ولكن هذا ليس دقيقاً تماماً"، وأضاف: "يشبه الجينوم قائمة بالقطع أكثر". تستخدم كل خلية مجموعة محددة من قطع الحمض النووي الموجود فيها لتركيب البروتينات التي تحتاجها سواءً كانت وظيفتها نقل النبضات الكهربائية أو ضخ الدم.

تحتوي العضلات أيضاً على الكثير من الخلايا الدهنية والأعصاب والنسيج الضام، وكلها متخصصة لتعمل معاً كعضو واحد. نتج عن البحث الجديد سابق الذكر اكتشاف مهم: يمكن أن تؤدي طفرة في مورثات خلايا الأنسجة العضلية للإصابة بالحثل العضلي. ولكن قد يؤدي فشل الخلايا الدهنية أو العصبية في أداء وظائفها إلى نفس النتيجة أيضاً.

اقرأ أيضاً: الحمض النووي القديم يحل بعض ألغاز حياة البشر الأوائل في إفريقيا

ما الذي خلُص إليه باحثو مشروع أطلس؟

يستطيع باحثو مشروع أطلس الخلايا البشرية نتيجة امتلاكهم نظرة شاملة على خلايا الجسم أن يكتشفوا كيف تستخدم هذه الخلايا الجينوم لإنشاء أعضاء الجسم التي تساعدنا في البقاء على قيد الحياة. سيتمكن الباحثون أيضاً من تحديد الطريقة التي تتسبب فيها المورثات المعنية بالفشل الوظيفي للخلايا والأمراض الجسدية. توثق الأبحاث الـ 4 الجديدة العديد من التطورات التكنولوجية والتجارب من العمليات الجراحية إلى استخراج المعلومات من الأنسجة المجمدة إلى الأدوات الحاسوبية التي سمحت للباحثين بالنظر داخل نصف مليون خلية بشرية من أكثر من 30 عضواً في آنٍ واحد.

تقارن "أفيف ريجيف"، رئيسة قسم الأبحاث والتطوير المبكر في شركة "جينينتيك" للتكنولوجيا الحيوية والرئيسة المشاركة لمشروع أطلس الخلايا البشرية والمؤلفة المشاركة للبحث الجديد حول الاضطرابات العضلية الدراسات الجديدة ببرنامج "خرائط جوجل" نتيجة لأن الباحثين تمكّنوا من دراسة الأنسجة على مقاييس صغيرة لمراقبة الجزيئات الكيميائية الموجودة داخل خلية معينة بدقة. تقول ريجيف: "يمكننا باستخدام التكنولوجيا الحديثة أن ندرس الأنسجة على مقاييس صغيرة ونكتشف الطريقة التي تنتظم فيها الخلايا جانب بعضها بعضاً ومواقعها داخل الأعضاء".

اقرأ أيضاً: شيخوخة العضلات: ما هي التغيرات العضلية الهيكلية التي ترتبط مع التقدم بالعمر؟

أصبح الباحثون بارعين على مدى العقد الماضي في فهم كيفية عمل الخلايا الإفرادية مثل ليف عضلي واحد. لكن سيسمح المنظور الشبيه بالخرائط لعلماء الأحياء بطرح أسئلة حول كيفية ارتباط الخلايا بالخلايا التي تجاورها وما الذي يجعل بنية الخلايا العصبية على سبيل المثال تختلف باختلاف موقعها عبر الجسم.

تقول ريجيف: "إذا فكرت بالأمر من وجهة نظر علاجية، فليس من المنطقي إصلاح خلايا العضلات إذا كانت الخلايا الجديدة في الأنسجة هي التالفة".

يستطيع الباحثون باستخدام هذا الأطلس فهم السمات التي كانت غامضة لبعض الأمراض. يعاني أحياناً المصابون بالحثل العضلي الدوشيني والذين لديهم بروتين مشوه يفيد في ترميم أنسجة العضلات بعد تلفها من اضطرابات معديّة معوية شديدة. وتقول ريجيف: "يصعب تفسير هذه الاضطرابات.  فما العلاقة بين المشكلات المتعلقة في الجهاز الحركي والأمعاء؟" كما بيّنت الأبحاث الجديدة، فإن المورثة التي تتسبب بالحثل العضلي الدوشيني لا يتم التعبير عنها فقط في الأنسجة العضلية، ولكن في بطانة المريء والجهاز العصبي الذي يتحكم في القناة الهضمية. تمكّن الباحثون من فهم الطريقة التي تؤدي فيها هذه المورثة، والتي أصبحت آثاراها منتشرة عبر الجسم، إلى أعراض كل من الحثل العضلي الدوشيني والاضطرابات المعدية المعوية.

على الرغم من أن الفريق حدد الآلاف من الروابط المحتملة بين التعبير الوراثي والخلايا المحددة والأمراض، إلا أن "جوكشين إيراسلان"، زميل باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه يعمل في شركة جينينتيك والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية يحذر من أن كل الروابط المحتملة تعتبر فرضيات حتى الآن. يقول إيراسلان: "هذه الورقة البحثية ليست عن العضلات". بدلاً من ذلك، فهي تعرض طريقة جديدة لدراسة العضلات بهدف تحفيز طرح أسئلة بحثية جديدة.

اقرأ أيضاً: 5 تمرينات لشد العضلات يجب ممارستها يومياً

الفرق بين الاختبارات التي تجري على البشر وتلك التي تجري على الفئران

تتعلق إحدى الأسئلة التي تم طرحها بالطريقة التي يدرس فيها الباحثون الاضطرابات العضلية اليوم. تختبر الفئران، والتي يتم استخدامها عادة لدراسة مرض الحثل العضلي الدوشيني في المختبرات، هذا المرض بطريقة مختلفة للغاية عن البشر على المستوى الخلوي. أحد الاختلافات هو أن أجسام البشر تستخدم بشكل كبير المورثة المسؤولة عن هذا المرض والموجودة في الخلايا الدهنية في عمليات تحدث داخل الألياف العضلية، بينما لا تفعل أجسام الفئران ذلك.

تقول ريجيف: "هذا مثال صارخ حقاً عن الاختلاف بين البشر والفئران"، وتضيف: "يستعين العلماء كثيراً بالأبحاث التي أجريت على الفئران عندما يطوّرون أدوية لمرض الحثل العضلي الدوشيني لأنهم يضطرون لذلك. ولكن من الضروري معرفة الجوانب التي تختلف فيها الفئران عن البشر".

كان الربط بين وجود المورثة الطافرة في الخلايا والإصابة بالمرض النهج الأكثر مباشرة الذي استخدمه الباحثون في مشروع أطلس الخلايا البشرية لدراسة مرض الحثل الدوشيني. نظر الباحثون أيضاً في الأمراض الأخرى التي ترتبط بمجموعات معينة من المورثات مثل السكري من النوع الثاني أو الأمراض القلبية. كشف علماء الوراثة من قبل وجود بعض عوامل الخطر المتعلقة بهذه الأمراض، ولكن لم يكتشفوا علاقة سببية واضحة بين المورثات والأمراض.  لكن يوفّر أطلس الخلايا البشرية بعض الأدلة.

تُستخدم المورثات التي تعتبر من عوامل الخطر المرتبطة بمرض السكري من النوع الثاني في خلايا عضلية معينة لها علاقة بمقاومة الإنسولين. لكن تقول "آيليت سيغريه"، عالمة الوراثة في جامعة هارفارد والمؤلفة المشاركة للبحث الجديد أن هذه المورثات يتم استخدامها أيضاً في عمليات تبطين الأوعية الدموية وعضلة القلب. تشير سيغريه أيضاً إلى أن هذه مجرد نظرية قيد التطوير، وتشير الأدلة إلى أن "المورثات التي تقوم بهذه العمليات في [الأوعية الدموية] قد تؤثر أيضاً على الخطر المرتفع للإصابة بالأمراض الوعائية"، ما يعني أن كلا المرضين لهما سبب خلوي أساسي.

اقرأ أيضاً: ظاهرة الفجر: لمَ تحدث عند مرضى السكري؟ وكيف يتم التعامل معها؟

اقترح الباحثون في تحليل آخر أن الحيوانات المنوية وبعض الخلايا الرئوية تستخدم نفس المجموعة من المورثات. يقول إيراسلان: "لقد حيّرنا ذلك في البداية"، ويضيف: "لكن وجد الباحثون عندما راجعوا الأبحاث الطبية علاقة موثّقة بين مرض التهاب القصبات الحاد ووظيفة الحيوانات المنوية.  واتضح أن الحيوانات المنوية والخلايا الرئوية تعتمد على نفس المجموعة من المورثات لتركيب السياط، وهي "الذيول" التي تنظّف سطح الرئة وتساعد الحيوانات المنوية على الحركة.

يقول إيراسلان: "هناك بعض الأنماط التي تصبح واضحة للغاية عندما ندرس الجسم على المستوى الخلوي"، ويضيف: "هذه هي الطريقة التي تم اتباعها في العقد الأخير. إذ أن الباحثين يأخذون نسيجاً واحداً ويحاولون دراسته على أصغر مقياس ممكن. لكن تصبح بعض الأنماط مرئية فقط عند دراسة الأنسجة على مقاييس أكبر". تتقاطع الروابط المورّثية المخفية بين أنواع الخلايا في أجسامنا على الأرجح، ولن نتمكّن من رؤيتها بدون المخططات الخلوية.

المحتوى محمي