لماذا لن يوقف قتل الخفافيش المصاصة للدماء انتشار داء الكَلَب؟

لماذا لن يوقف قتل الخفافيش المصاصة للدماء انتشار داء الكَلَب؟
تُعد الخفافيش المصاصة للدماء الناقل الرئيسي لفيروس داء الكَلَب الذي يقتل الماشية. دانييل سترايكر، جامعة غلاسكو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُعدم دول أميركا اللاتينية الخفافيش المصاصة للدماء منذ أكثر من 50 عاماً في محاولة منها للسيطرة على انتشار داء الكلب؛ حيث تُعد هذه المخلوقات الطائرة الماصة للدماء مضيفات شائعة للفيروس المسبب للمرض الذي يقتل المئات من حيوانات الماشية سنوياً، مسبباً خسائر تقدَّر بنحو 170 ألف دولار للمزارعين في جنوب البيرو سنوياً.

وتنطوي عملية إعدام الخفافيش على معالجة عدد من الحيوانات بسمّ الخفافيش الذي ينقله كل حيوان بدوره إلى 15 خفاشاً. لكن هناك مشكلة لم يأخذها البشر في اعتبارهم عند استخدام هذا السم، وهي أن فعاليته محدودة بالنظر إلى أن الخفافيش شديدة الحركة ولا تبقى فترة كافية في المنطقة التي يوضع فيها السم للتعرض له بشكل فعال.

يقول أستاذ علم البيئة الفيروسي بجامعة غلاسكو والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة التي نُشرت مؤخراً في مجلة “ساينس أدفانسس” (Science Advances)، دانييل سترايكر (Daniel Streicker): “في حين أن التدخل كان بنيّة حسنة ويهدف إلى السيطرة على أحد الأمراض المعدية؛ لكنه ولّد آثاراً عكسية بسبب عدم فهم كيفية استجابة الحيوانات له”، فبدلاً من وضع حدّ لانتشار داء الكلب، تسبب إعدام الخفافيش في المناطق التي ينتشر فيها الفيروس بزيادة طيرانها في المنطقة؛ ما أدى إلى تسريع انتشار المرض.

المشكلة هي توقيت استخدام السم

درس مؤلفو الدراسة في البداية تأثير إعدام الخفافيش في تخفيض أعدادها وبالتالي في تخفيض خطر انتقال داء الكَلَب إلى الماشية التي تعيش في منطقة واسعة في جنوب البيرو. وعلى الرغم من أن عمليات مكافحة الخفافيش خفضت أعدادها؛ لكنها لم تقضِ تماماً على نشاط الخفافيش الجائعة، فقد أبلغ نحو 59% من أصحاب المزارع في المنطقة بعد 3 أشهر من عملية إعدام الخفافيش عن تعرض حيوان واحد من الماشية فيها على الأقل لعضّات الخفافيش المصاصة للدماء.

ونظر الفريق أيضاً في تأثير عملية إعدام الخفافيش في انتشار فيروس داء الكَلب من خلال دراسة تسلسل جينوم الفيروس، وتمكن بذلك من تحديد كيفية انتشاره في المكان مع مرور الوقت،

اقرأ أيضاً: ما هو الهدف من مشروع إيكاروس لإنشاء خريطة حية لحيوانات الأرض؟

وخلص الباحثون إلى أن عمليات إعدام الخفافيش أثرت في سرعة انتشار الفيروس. يبدو أن الفيروس ينتشر بسرعة أكبر عندما تُجرى عملية الإعدام في منطقة ينشط فيها انتشاره، ويوضح سترايكر إن سبب ذلك هو أن الخفافيش مخلوقات اجتماعية، ومن المحتمل أن تطير لتجنب الموت إذا رأت أفراد مجموعتها يموتون بالسم؛ ما يزيد بدوره احتمال أن تنقل الفيروس إلى أماكن أبعد.

أما في المناطق التي لم تشهد تفشياً للفيروس مؤخراً، يستغرق انتشار الفيروس وقتاً أطول. وتشير نتائج الدراسة إلى أن فعالية الإعدام تعتمد على السياق، وإذا أُجريت عمليات الإعدام على نحو استباقي في المناطق التي لم يصلها الفيروس بعد، فقد يتباطأ انتشاره إلى مناطق جديدة؛ ما يؤخر ظهور داء الكَلَب فترة أطول. يقول سترايكر: “لا يمكننا الجزم بأن داء الكَلَب لن ينتشر مطلقاً لكن ربما كان انتشاره أبطأ”.

الخفاش المصاص للدماء يطير من مدخل أحد الكهوف.
خفاش مصاص للدماء في أثناء طيرانه. دانييل سترايكر، جامعة غلاسكو

هل إعدام الخفافيش هو الاستراتيجية الوحيدة المتاحة؟

يمكن أن يكون التطعيم طريقة بديلة للسيطرة على انتشار داء الكَلَب؛ لكن سترايكر يقول إن الناس في أميركا اللاتينية كانوا معارضين للقاح تاريخياً، ولا يتلقون لقاح داء الكَلَب عادة إلا بعد تعرضهم للفيروس وذلك يقلل فعاليته. علاوة على ذلك، ثمة تحدّ آخر يتمثل في صعوبة إيصال اللقاح إلى المناطق النائية من أميركا اللاتينية.

إن تحصين الماشية هو خيار بديل آخر للسيطرة على انتشار داء الكلب؛ ولكن تحصين الحيوانات كلها مكلف جداً للمزارعين، لا سيما الذين يعيشون في مناطق يقل فيها انتشار داء الكَلَب أو لا يمثل فيها مشكلة على الإطلاق.

حاول الكثيرون من السكان المحليين معالجة المشكلة بأنفسهم من خلال حرق المجاثم حيث كانت تعيش الخفافيش، أو قطع الأشجار التي يُحتمل أن تأوي كائنات أخرى مصابة بداء الكَلَب؛ لكن الباحثين يوصون بعدم اتباع هذه الطرائق لأنها من الممكن أن تلحق الضرر بحيوانات أخرى لا تحمل الفيروس.

ما الطرائق الأخرى للحد من انتشار داء الكَلَب؟

تحمل حيوانات أخرى داء الكَلَب بخلاف الخفافيش المصاصة للدماء؛ لكن الخفافيش تُعد الناشر الرئيسي للفيروس. في الواقع، تحتاج الخفافيش إلى التغذية كل ليلة تقريباً ما يزيد مخاطر تعرض ضحاياها للإصابة، ويقول سترايكر إن تربية الماشية وفّرت لها مصدراً غير محدود تقريباً من الغذاء.

اقرأ أيضاً: أجهزة تعقب جديدة تمكن العلماء من تتبع أسماك القرش في الأعماق المظلمة

بدلاً من تحصين البشر والماشية، يقترح الباحثون النظر في خيار تطوير لقاحات للخفافيش المصاصة للدماء نفسها؛ لكن تطعيم الخفافيش يمثل تحدياً فريداً لأنها حيوانات برية منعزلة واصطيادها كلها لتلقيحها شبه مستحيل. يتطلب نجاح لقاح داء الكَلَب أيضاً تقنية لتوصيله إلى عدد كافٍ من الخفافيش البرية، لذلك يعمل سترايكر وفريقه حالياً على تطوير لقاح ذاتي الانتشار يتم إعطاؤه لخفاش واحد ثم ينتشر إلى بقية الخفافيش تلقائياً.

كما ينظر الباحثون في طريقة أخرى تتمثل في منع تكاثر الخفافيش عن طريق تغذيتها بدم يحتوي على مركب الكوميسترول (coumestrol) العضوي الذي يساعد على تحديد النسل لدى الخفافيش. وتشير الأبحاث الجارية إلى أن الكوميسترول يؤثر في خصوبة الخفافيش المصاصة للدماء من الذكور والإناث؛ ما يساعد على تقليل أعدادها. يقول سترايكر إن الحد من داء الكَلَب الذي تنقله الخفافيش يتطلب في النهاية نوعاً من ضبط أعدادها، وإذا توفرت أدوات التطعيم ومنع التكاثر للعامة فقد لا نحتاج إلى إعدام الخفافيش على الإطلاق.