لم يكد العالم يلتقط أنفاسه إثر تراجع شدة انتشار جائحة كورونا حتى أعلنت المملكة المتحدة عن أولى حالات الإصابة بفيروس جدري القرود لدى أحد مواطنيها في 7 مايو/ أيار الحالي. لاحقاً أعلنت كل من إسبانيا والبرتغال وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية عن تأكيد حالات إصابات لديها أيضاً بعدوى فيروس جدري القرود.
على الرغم من قلة أعداد الإصابات حتى الآن إلا أنها أثارت القلق لدى مسؤولي الصحة خوفاً من تطوره بعد وصوله إلى الإنسان وانتشاره. فما هو مرض جدري القرود وما أعراضه وطرق انتقاله؟ ولماذا الخوف منه؟
اقرأ أيضًا: كيف أثرت جائحة كورونا على الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة؟
جدري القرود: من أين بدأ وكيف انتشر؟
كان أول ظهور لفيروس جدري القرود في مختبر دنماركي عام 1958، عندما اكتُشِفت حالتا إصابة بمرض شبيه بالجدري في مجتمع قرود مخصصة للدراسة؛ ومن هنا جاءت التسمية. إلا أنه وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ربما نشأ جدري القرود من قوارض مثل السناجب والفئران، ولم يتم التأكيد أن القرود هي المضيف الطبيعي لهذا الفيروس، وقد تم تسجيل أول حالة إصابة بشرية مؤكدة بجدري القرود عام 1970 لدى طفل من جمهورية الكونغو الديمقراطية. منذ ذلك الحين ظهرت عدة حالات إصابة بشرية في بلدان وسط وغرب إفريقيا مثل الكاميرون وإفريقيا الوسطى، وليبيريا ونيجيريا وسيراليون. شوهد الفيروس خارج إفريقيا في الولايات المتحدة عام 2003 نتيجة استيراد ثدييات مصابة، وشمل 47 حالة مؤكدة ومحتملة في ست ولايات.
اكتشاف إصابات جديدة بجدري القرود: الحالات تتزايد في جميع أنحاء العالم
أعلنت وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة (UKHSA) عن أول حالة إصابة بجدري القرود لأحد المسافرين القادمين من نيجيريا إلى المملكة المتحدة في 4 مايو/ أيار. بعد تأكيد الحالة وعزلها، بدأت عملية بحث وتتبع شاملة لسلسلة تحركاته ومخالطيه، فتبين إصابة فردين منهم في 13 مايو /أيار. لاحقاً، ارتفع العدد حتى تاريخ الجمعة 20 مايو/أيار إلى عشرين حالة إصابة مؤكدة في المملكة المتحدة وحدها، وممن لم يكونوا على اتصال بالحالات المصابة، وليس لديهم سجل سفر، ما يشير إلى أن الفيروس وجد طريقه للانتشار عبر وسائل أخرى.
كما أعلنت كل من إسبانيا والبرتغال وجود أكثر من 20 حالة مشتبه بها، تم تأكيد خمسة منها في البرتغال. وفي ألمانيا تأكدت أولى حالات الإصابة بتاريخ 20 أيار/ مايو وفقاً للبيان الصادر عن وزارة الصحة والرعاية في ولاية بافاريا. كما أعلنت فرنسا عن حالة إصابة لشاب لا يملك سجل سفر في باريس. وفي بلجيكا تأكدت الإصابة كذلك لدى شخصين في منطقة فلاندرز.
في الولايات المتحدة نشرت إدارة الصحة العامة في ولاية ماساتشوستس بياناً أعلنت فيه عن حالة إصابة بجدري القرود لرجل سافر مؤخراً إلى كندا، وأفادت وكالة الصحة العامة الكندية عبر موقعها الرسمي عن تأكيد وجود حالتي إصابة بجدري القرود.
لم يتمكن الباحثون حتى الآن من إيجاد صلة بين الحالات المصابة في المملكة المتحدة والدول الأوروبية التي بدأ الفيروس بالانتشار فيها. تقول "جينيفر ماكويستون" نائبة مدير قسم مركز السيطرة على الأمراض من مسببات الأمراض وعلم الأمراض: "بالنظر إلى حجم السفر بين الولايات المتحدة وأوروبا، فأنا على ثقة تامة من أننا سنرى حالات أكثر في الولايات المتحدة".
ما هو فيروس جدري القرود؟
فيروس جدري القرود هو أحد أفراد جنس فيروسات الجدري (Orthopoxvirus)، وينتمي لنفس العائلة الفيروسية الجدرية التي تسبب الجدري (Poxviridae)، إلا أنه يعدّ أقل خطورة وفرصة في العدوى منه. ينتشر الفيروس في وسط وغرب إفريقيا حيث الغابات الاستوائية. على الرغم من تسميته بجدري القرود إلا أنه يصيب أنواع مختلفة من الثدييات كالقوارض، إذ لم يتم تحديد الكائن (المستودع الطبيعي) المضيف للفيروس. يتوفر منه سلالتان: سلالة غرب إفريقيا، وسلالة وسط إفريقيا (حوض الكونغو)؛ لذا يعتقد الباحثون أن أول حادثة إصابة بالفيروس في المملكة المتحدة من سلالة غرب إفريقيا لأنه قادم من نيجيريا.
على الرغم من أن أعراض سلالة غرب إفريقيا قد تكون أشد خطورة من سلالة وسط إفريقيا، إلا أنها تسبب نسبة وفيات تصل إلى نحو 1%، في حين تتسبب سلالة وسط إفريقيا بنسبة تصل إلى 10%.
اقرأ أيضًا: لا زلنا غير متأكدين مما كان يحتويه أول لقاح جدري في العالم
أعراض الإصابة بجدري القرود
تتشابه أعراض جدري القرود مع الجدري الذي تم إعلان القضاء عليه عام 1980، إلا أنه أخف شدة. يكمن الاختلاف الأساسي بينهما في أن فيروس جدري القرود يتسبب بانتفاخ العقد اللمفاوية، بينما لا يتسبب الجدري بذلك. تتراوح فترة الحضانة ما بين 5-21 يوماً، وهي الفترة التي تمتد من الإصابة بالفيروس وحتى تظهر الأعراض، حيث تبدأ الأعراض بما يلي:
- حمى.
- صداع.
- آلام في العضلات والظهر.
- تضخم الغدد الليمفاوية.
- قشعريرة.
- التعب العام.
- الطفح الجلدي: يظهر بعد ثلاثة أيام من الحمى، ويبدأ من الوجه ثم ينتشر إلى باقي أنحاء الجسم. ويمر قبل سقوط البثرات بعد جفافها بثلاث مراحل؛ حيث تبدأ كلطخة ثم تتحول إلى حبيبات جلدية، فحويصلات ثم بثرات مغطاة بقشرة رطبة.
طرق العدوى بفيروس جدري القرود
ينتقل فيروس جدري القرود من الحيوان إلى الإنسان من خلال التماس المباشر مع سوائل الحيوان المصاب أو مفرزات البثور الجلدية، كما يمكن أن ينتقل عن طريق تناول لحوم حيوانات مصابة غير معاملة بشكل كاف بحرارة الطبخ. أما انتقال العدوى بين البشر فيحدث من خلال التعرض لإفرازات الجهاز التنفسي أو البثور الجلدية للمريض، أو ملامسة مواد تخص المريض وملوثة بالفيروس، حيث يمكن للفيروس أن ينتقل في سلسلة تتراوح ما بين 6-7 أفراد، وبشكل متتالٍ وهو ما قد يشير إلى انخفاض مناعة البشر لجدري القرود نتيجة توقف لقاحات الجدري.
بالإضافة إلى ذلك، يعد الأطفال الأكثر تعرضاً للخطر، كما قد يتسبب بمضاعفات للمرآة الحامل وجنينها، فقد يحدث الانتقال من المرأة الحامل إلى الجنين عبر المشيمة ما ينتج عنه إصابة الجنين بجدري القرود الخُلقي أو ولادة جنين ميت.
معظم حالات الإصابة قابلة للشفاء بعد أسبوعين وبشكل عفوي دون الحاجة إلى علاج، إلا أنه لا بد من عزل المصابين كي لا ينقلوا العدوى إلى أفراد آخرين.
اقرأ أيضاً: هل تساءلت يوماً عن السبب وراء وجود زمر دموية مختلفة؟ إليك بعض الفرضيات
قد لا يتم اكتشاف الحالات الأكثر اعتدالاً من جدري القرود، ما يجعلها موضع خطر لانتقال العدوى من شخص لآخر دون تحذيرات مسبقة، كما لم يتم تحديد سبب انتشار العدوى لدى الأفراد الذين لا يمتلكون سجل سفر، إلا أن التراكم السريع لعدد حالات الإصابة يدل على أن العدوى منتشرة منذ أسابيع، وأن تحولاً جغرافياً في انتشار فيروس جدري القرود قد حصل.