النحل.. تلك المخلوقات المدهشة! أو لنقل الوحوش الجريئة! أو الكائنات النشيطة التي تعشق الأزهار! أو الحشرات التي لا تنقضي عجائبها، دون أن تقتصر على سلوكها الاجتماعي أو العملي فهي تتأذي من الإفراط في استخدام المضادات الحيوية!
وآخر تلك العجائب أن أمعاء النحل تُعد نموذجاً مصغراً عن الأمعاء البشرية بما تحتويه من بكتريا معوية! كما إن هذه البكتيريا تصل إلى أمعاء النحل بطريقة مشابهة لما يحدث عند الإنسان. حيث تنتقل البكتيريا إلى أمعاء الإنسان بدايةً عن طريق الأم، في حين أنها تنتقل إلى أمعاء النحل عن طريق أفراد النحل الآخرين الموجودين في نفس الخلية، خلافاً لما عليه الحال في عالم الحشرات، إذ تنتقل البكتيريا إلى أمعاء الحشرات الأخرى من الوسط المحيط وليس من أفراد النوع ذاته.
وقد يعني هذا التشابه بين النحل والبشر أن كلا النوعين يواجهان مخاطر متشابهة فيما يتعلق بالبكتيريا المعوية. ففي دراسة جرى نشرها مؤخراً في مجلة PLOS Biology توصل الباحثون إلى أن علاج حشرات النحل بالمضادات الحيوية يُحدث تغييراً في المستعمرات البكتيرية التي تعيش في أمعائه، تماماً كما يحدث عندما يتناول الإنسان المضادات الحيوية.
يُذكر بأن مربّيو النحل كثيراً ما يستخدمون المضادات الحيوية لعلاج مستعمرات النحل المصابة بحالة تُدعى رصع النحل، وهي عدوى بكتيرية يمكنها القضاء على كامل أفراد خلية النحل.
وكما هو الحال عند البشر، فإن العلاج بالمضادات الحيوية هو الخط الأول لمكافحة هذه الأشكال من العدوى. وبسبب عدم وجود دراسات كافية حول تأثير المضادات الحيوية في تركيبة البكتيريا الموجودة في أمعاء النحل، فقد قرر فريق من العلماء اتخاذ زمام المبادرة والبحث في هذا الموضوع.
تقول المُعدة الرئيسية للدراسة كيسي ريمان: "لم يكن الهدف من هذه الدراسة توجيه النصح لمربي النحل حول الطريقة الأمثل في علاج الحشرات التي يقومون برعايتها، وإنما فهم دور البكتيريا المعوية في بيولوجيا النحل، وفهم عواقب الإخلال بهذه المستعمرات البكتيرية عند هذا المضيف الحيواني".
أجرى الباحثون تجربتهم على أفراد خلية نحل واحدة مُصابين بعدوى رصع النحل، وجرى تقسيم النحل في مجموعتين، عُولج أفراد المجموعة الأولى بالمضاد الحيوي المعياري، وتركوا أفراد المجموعة الثانية دون علاج. وقاموا بوسم أفراد النحل التي عُولجت بالمضادات الحيوية بواسطة نقطة ملونة على ظهورها لتمييزها عن أفراد النحل غير المعالجة، ثم قام الباحثون بإعادة جميع أفراد النحل إلى الخلية ذاتها. وبعد أسبوع من المراقبة، وجد الباحثون بأن ثلثي أفراد النحل غير المعالجين بقوا على قيد الحياة، في حين أن ثلث أفراد النحل المعالجين بقوا على قيد الحياة فقط.
توجد في أمعاء الإنسان في الحالة الطبيعية آلاف الأنواع من البكتيريا، في حين أن أمعاء النحل تحتوي على 8-10 أنواع بكتيرية فقط، ما يعني بأن النحل أشد حساسية للتغيرات التي قد تطرأ على تلك تركيبة البكتيريا في أمعائه، وإن القضاء على بعض أنواع البكتيريا في أمعاء النحل سوف يؤثر بشكل كبير في الأنواع المتبقية.
كما وجد الباحثون دليلاً على أن أفراد النحل المعالجين بالمضادات الحيوية كانوا أكثر عُرضة للإصابة بعدوى مرضية جديدة تُدعى السِراتية، ما يعني أن العلاج بالمضادات الحيوية وإن كان يقضي على شكل من العدوى، إلا أنه يترك النحل عُرضةً للإصابة بأنواع أخرى من العدوى.
ليس ذلك فحسب، حيث إن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية عند النحل يؤدي إلى عواقب سلبية تماماً كما هو الحال بالنسبة للإفراط في استخدامها عند البشر.
تقول ريمان: "لست بصدد توجيه النصائح حول الطريقة الأمثل لاستخدام المضادات الحيوية عند النحل، ولكن الأكيد في الموضوع أن ذلك يحتاج إلى عناية ودقة في حساب الجرعات واستخدامها".
ويؤكد الباحثون على ضرورة إجراء المزيد من الدراسات لفهم العلاقة بين استخدام المضادات الحيوية عند النحل وتركيبة البكتيريا في أمعائها. كما تأمل ريمان في استئناف ما بدأت به من أبحاث علّها تتوصل إلى فهم التبدلات التي تطرأ على تركيبة البكتيريا في أمعاء النحل بعد علاجه بالمضادات الحيوية، وكم يستغرق الأمر من وقت كي يتعافى النحل بعد علاجه بالمضادات الحيوية، إن تعافى فعلاً. ولعل فائدة ذلك لا تقتصر على الحفاظ على الثروة النحلية وحسب، وإنما تتعدها إلى اقتراح دراسات مماثلة عند البشر.